جاء احتفاء العالم بمناهضة العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من الشهر الماضي ليسلط الضوء على كل أشكال الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة في السودان مع استمرار الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع للشهر الثامن على التوالي، وعدّت المناسبة الدولية بمثابة فرصة للسودانيات للتعبير عمّا يواجهن من اعتداءات ترقى إلى جرائم حرب مع استخدامهن وقودًا للصراع المشتعل حاليًا.
ذلك ما أتاح لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بالسودان، وهي هيئة حكومية تتبع وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، أن تنتقد عدم وفاء الدولة والمجتمع الدولي بأبسط التزاماتهما تجاه احتياجات النساء المتزايدة مع الحرب، خاصة فيما يتعلق بآليات الحماية والاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
قالت الوحدة، في بيان، أصدرته نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، بالتزامن مع حملة الـ16 يومًا لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إن النساء والفتيات في السودان يدفعن الفواتير الباهظة للحرب، بينما تشير آخر إحصاءات نشرتها قبل شهرين تقريبًا إلى أن أعداد الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي منذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع وصلت إلى نحو 136 حالة.
المرأة السبية
يعرَّف القانون العنف ضد المرأة بأنه "كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب النوع، الذى يتسبب فى إيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة. ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء فى الحياة العامة أو الخاصة".
الجرائم المرتكبة ضد النساء لا يمكن حصرها في ظروف الحرب الدائرة الآن، حسب رئيسة مبادرة نساء ضد الظلم إحسان عبد العزيز، التي وثقت بيع نساء سودانيات كرقيق.
وتوضح عبد العزيز، في تصريحات لـ المنصة، أنها استمعت بحكم نشاطها الحقوقي النسوي إلى قصص وروايات عديدة عن استغلال النساء وقودًا في هذه الحرب، "تشير إفادات الناجيات إلى إجبارهن على مساعدة المسلحين بالإكراه، واستخدامهن في أعمال الطبخ وإعداد الطعام وعمل الكسرة (خبز سوداني)، بجانب تعرضهن للاغتصاب".
رغم ذلك ترفض عبد العزيز حصر الاتهام على طرف بعينه، فكل من الجيش والدعم السريع، حسبها، تورط في ارتكاب الجرائم ضد النساء والفتيات، مشيرة إلى أن ذلك يحدث تحديدًا في الولايات التي تشتعل فيها المعارك العسكرية على نحو كبير في الخرطوم ودارفور وكردفان.
وطالب مؤتمر تضامن نسوي إفريقي انعقد في العاصمة الكينية نيروبي، نهاية الشهر الماضي، بتنسيق الجهود بين المنظمات النسوية والمجتمعية لمواجهة ما وصفه بـ"الوحشية" التي أنتجتها الحرب تجاه المدنيين العزل، والتركيز على النساء اللواتي يجدن أنفسهن في مواجهتها دون أي حماية أو عون.
وناشدت 140 ناشطة نسوية من جنسيات مختلفة عبر المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (شبكة صيحة)، العالم، للتضامن مع السودان، واعتبرن أن الأحداث المرعبة في السودان وقعت على عاتق النساء والفتيات، اللاتي يوجدن في الخطوط الأمامية، فيما تتحمل المبادرات المجتمعية القاعدية وحدها عبء حماية النسيج الاجتماعي في ظل نقص مخزٍ للعون الإنساني والاهتمام الدولي والإقليمي بالسودان.
إيواء دون كرامة
مديحة عبد الله، وهي ناشطة مهتمة بشؤون المرأة، وإحدى المتطوعات في مراكز النزوح بولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم)، حكت لـ المنصة أن النساء اللائي نزحن من العاصمة مع اندلاع الحرب اتجه أغلبهن إلى ولاية الجزيرة باعتبارها الأقرب للخرطوم، بالتالي وفدت إليها أعداد هائلة من النساء والأطفال دون أن يكون لهم مأوى.
الجيش والدعم السريع يحشدان النازحات لخدمة الجنود والضباط
"لم تكن تلك المناطق مهيأة لاستقبال النازحين، وواجهت الفتيات مشكلات مضاعفة في ما يقرب من 400 مركز، ورغم توفير الأغذية والمياه لهم من جانب المنظمات الأهلية، غير أن النساء من المرضعات والحوامل وذوات الإعاقة لم تكن احتياجاتهن متوفرة بالشكل المطلوب. ولا يوجد الحد الأدنى من الراحة التي تحافظ على كرامتهن" تقول الناشطة الحقوقية.
ولجأت كثير من النساء للعمل في الأسواق المنتشرة بولاية الجزيرة لتوفير احتياجات أسرهن اليومية، مع فقدانهن مصادر رزقهن منذ اندلاع الحرب، وخروج غالبية النازحين والنازحات من بيوتهم دون أموال. وجودهن في الشوارع والأسواق لبيع المأكولات الخفيفة أو الشاي جعلهن عرضة للعنف أيضًا، بسبب ملاحقة البلديات لهن.
كما لم يجدن ما يوفر لهن الحماية الكافية مع الضغوط النفسية التي يتعرضن لها في سبيل الموازنة بين واجباتهن الأسرية وبين رعاية أطفالهن، وفقًا لما سجلته مديحة عبد الله، التي ترى أن العنف الأكثر خطرًا هو ما تتعرض له النساء في مناطق انتشار الجيش أو الدعم السريع من إجبار على ما يسمى بـ"الاستنفار" بمعنى تجييش الفتيات وتوظيفهن في أعمال ترتبط بالحرب مثل خدمة الجنود والضباط.
"ولأن غالبية النساء اللاتي يتم حشدهن من النازحات فإنهن لا يستطعن رفض ما يؤمرن به من الطرفين، ليقعن أسرى لحالة الاستقطاب الواسعة بين شعارات يرفعها الجيش عن الحرب الدائرة ويوصفها بأنها حرب الكرامة وبين قوات الدعم السريع التي تقاتل باسم الديمقراطية"، تقول مديحة.
اغتصاب يحميه النظام
تقول منظمة العفو الدولية إنّ عشرات النساء والفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمار بعضهن الـ12 سنة تعرضن للعنف الجنسي من الطرفين المتحاربين في السودان، بل واحتُجزت بعضهن لعدة أيام وفي ظروف من الاستعباد الجنسي.
"المرأة في دارفور هي الأكثر تعرضًا للانتهاكات الجنسية" تؤكد الصحفية والحقوقية النسوية سمية المطبعجي، التي تشير في حديثها لـ المنصة إلى أن العاصمة الخرطوم تأتي في المرتبة الثانية من حيث العنف الموجه للنساء، وأرجعت ذلك لأن الطرفين المتحاربين الآن اتخذا من الاغتصاب والاختطاف سياسة عامة لهما منذ أن كانا يقاتلان معًا الحركات المسلحة في إقليم دارفور، في أثناء الحرب التي دارت بالإقليم قبل عشرين سنة.
ولفتت إلى أن الاغتصاب يعد وسيلة إذلال وإخضاع للقبائل الموجودة في الإقليم. وأن الطابع العنصري الذي يهيمن على طبيعة الصراع في الغرب يجعل المرأة أداة مناسبة لتحقيق مكاسب على الأرض.
لا حل فيما يبدو إلا انتهاء الحرب وإقامة دولة مدنية حقيقية
شهدت الحرب التي دارت في دارفور منذ عام 2003 جرائم مماثلة ضد النساء. فجاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية في يوليو/تموز عام 2004 أن الحكومة السودانية التي كان يقودها عمر البشير أطلقت أيدي ميليشيات بدوية على المجتمعات المستقرة في دارفور تعرض جراءها المواطنون للقتل والنساء للاغتصاب.
واتهم التقرير حينها الجيش السوداني بتقديم الدعم لتلك الميليشيا التي عُرفت بالجنجويد، وأصبحت فيما بعد نواة لقوات الدعم السريع.
ووفقًا للتقرير أجرت المنظمة حينها مقابلات مع عشرات النساء اللائي تعرضن للاغتصاب في تلك الحرب.
وتوضح المطبعجي أن المرأة المنتمية إلى قبائل المساليت الإفريقية في دارفور هي الأكثر تعرضًا للاغتصاب بشكل عام، وأن تقارير منظمات دولية ومحلية في دافور تشير إلى تعرض فتياتهن إلى 500 حالة اغتصاب في المعارك التي دارت هناك خلال الشهور الأخيرة، وأن تلك الأرقام ليست موثقة نهائيًا وقد يكون الرقم الحقيقي ضعف هذا الرقم أو أكثر، إلى جانب العشرات من الفتيات المفقودات حتى الآن، اللاتي يُبلغ بهن يوميًا عن طريق صفحة مفقود ذات التفاعل الواسع في السودان.
وتابعت "أن بعض الفتيات اللاتي تعرضن للاختطاف في الخرطوم أُرسلن إلى إقليم دارفور ليُبعن في أسواق مخصصة لذلك، وأن من يُقدِم على تلك الجرائم تحديدًا هي قوات الدعم السريع، حسب ما تحدثت عنه تقارير ومنظمات حقوقية محلية ودولية، كما أن بعض الفتيات جرى تأجيرهن للعمل لخدمة عناصر الدعم السريع مع أسرهن في أم درمان، وهو ما أعاد وضع المرأة في السودان إلى العصور الوسطى".
دعا المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام، قبل أيام، وهو مؤسسة غير ربحية وغير حكومية مقرها نيويورك السلطات السودانية للتحقيق في حادث اغتصاب واختطاف جماعي لعشرات النساء في ولاية جنوب دارفور، مشيرًا إلى أن 43 امرأة وفتاة تعرضن للاغتصاب الجماعي وحوالي 26 أخريات تعرضن للاختطاف، وطالب بتعيين محقق خاص لهذه الحادثة إذا رغب الضحايا في فتح قضية جنائية، داعيًا كذلك السلطات إلى ضمان حماية الضحايا من الانتقام.
لكن تبدو تلك الدعوة صعبة التحقق في ظل تخوفات الكثيرات من الوصم المجتمعي، الذي يمثل عبئًا إضافيًا فوق كاهل النساء السودانيات بالإضافة إلى ما يعانينه من قسوة العنف الموجه ضدهن، فضلًا عن أهوال الحرب التي لا تفرق بين مواطن وآخر.
وكذلك لا يضمن تقاعس السلطات المتناحرة بالأساس أي حماية مفترضة من الانتقام، إذا حركت النساء دعاوى قضائية ضد المعتدين، ولا حل فيما يبدو إلا انتهاء الحرب وإقامة دولة مدنية حقيقية.