سكرين شوت من فيديو متداول عن الاشتباكات في السودان
مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

هل ينجو المدنيون في السودان من رصاص العسكر؟

منشور الاثنين 17 أبريل 2023

بينما يحتدم القتال في السودان بين قوات الجيش بقيادة قائد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، يسيطر الخوف على قادة الحركات والأحزاب المدنية في هذا البلد من طول أمد القتال والانجرار إلى حرب أهلية.

وقال سياسيون سودانيون ومحللون، إن الحرب المندلعة منذ ثلاثة أيام بين الجيش وقوات الدعم السريع أربكت العملية السياسية التي كانت قد اقتربت من أمتارها الأخيرة لتشكيل حكومة مدنية انتقالية.

ودعا مجلس الأمن، أمس الأحد، إلى وقف فوري للقتال في السودان، معربًا عن قلقه العميق إزاء الاشتباكات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو المطلب الذي كررته جامعة الدول العربية في ختام اجتماع طارئ لها أمس في القاهرة. 

قلق مدني

لم يخفِ القيادي بإعلان الحرية والتغيير وحزب الأمة السوداني، مصباح أحمد، قلقه من تفاقم الوضع إثر الصراع الدائر بين أطراف المكون العسكري، لكنه يركز الآن رفقة قادة الحركات المدنية على إقناع الطرفين بقبول وقف لإطلاق النار.

يقول أحمد للمنصة "نسابق الزمن لاحتواء الوضع وحث الطرفين على إيقاف الحرب والعودة إلى طاولة الحوار".

ويضيف أن جهود الأمم المتحدة والآلية الثلاثية بالتنسيق مع قوى الحرية والتغيير نجحت في التوصل إلى هدنة مؤقتة لمدة 3 ساعات، جرت قبل عصر الأحد من قبل الطرفين، مؤكدًا أن الجهود والوساطات مستمرة لتطوير تلك الهدنة لمدة أطول.

ويُبدي تفاؤلًا "اعتقد أنها تسير باتجاه إقناع الطرفان لإيقاف الحرب وهنالك بعض الإشارات من الطرفين بالالتزام بالتهدئة حقنا لدماء السودانيين". وحتى أمس كان عدد الضحايا من المدنيين 56 شخصًا بينما أصيب 595 آخرين، بحسب لجنة الأطباء المركزية في السودان.

لكن استمرار الحرب يجعل من رغبة المدنيين في العودة إلى العملية السياسية حلمًا بعيد المنال. واعترف الناطق باسم العملية السياسية السودانية والقيادي البارز في قوى إعلان الحرية والتغيير، خالد عمر يوسف، وهو أيضًا وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، بأن سيناريو الصدام الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع كان متوقعًا بعد الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية في أكتوبر/تشرين الثاني عام 2021، كاشفًا في سلسلة تغريدات نشرها عبر حسابه على تويتر، أن قادة القوات المسلحة طرحوا على القوى المدنية، قضية الدعم السريع، ووجوده كمؤسسة موازية للقوات المسلحة".

قال "كان طرحنا أن الطريق الأمثل هو عملية سياسية تغلق الطريق أمام عودة النظام البائد وتقود لتحول ديمقراطي كامل يشمل خطة للإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود لجيش واحد مهني وقومي". 

وأضاف أن "المنطلق الرئيسي (للقوى المدنية) لخوض العملية السياسية هو أن تعقيدات البلاد والانقسامات التي ضربت كل مؤسساتها بما فيها المؤسسة العسكرية ستقود لحرب أهلية إن لم نتدارك الأمر ونتوصل لحل سياسي متفاوض عليه يعالج القضايا الخطيرة التي تواجه هذه البلاد".

وتابع وزير شؤون مجلس الوزراء السابق "الآن وقعت الواقعة واندلعت حرب الخاسر فيها هو الوطن.. هذه الحرب ستمزق السودان وستفقده وحدته وسيادته"، لهذا يأمل الناطق باسم العملية السياسية، أن "تتوقف هذه الحرب الآن وفورًا دون تأخير.. وأن تستجيب قيادة القوات المسلحة السودانية والدعم السريع لنداءات وقف الحرب وأن يجنحوا للحل السلمي المتفاوض عليه".

وعرضت مصر وجنوب السودان التوسط بين الطرفين، في حين أعلن الاتحاد الأفريقي أنه سيرسل كبير دبلوماسييه، موسى فقي محمد، لمحاولة التفاوض على وقف إطلاق النار.

أين توقف المسار السياسي؟  

دفعت القوى المدنية بأنه لولا القتال الأخير لتم المسار السياسي، والذي استغرق بالفعل شهورًا طويلة، سألنا عن تقديرهم للمشهد قبل القتال وبعده، فقال مقرر لجنة الإعلام بقوى إعلان الحرية والتغيير مصباح أحمد للمنصة، إن أطراف العملية السياسية من القوى المدنية والمكون العسكري توصلت قبل اندلاع الاشتباكات إلى المسودة النهائية للاتفاق النهائي لتشكيل حكومة انتقالية.

وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقّعت القوى المدنية، اتفاقًا إطاريًا مع العسكريين، يقضي بخروجهم من السلطة، وتكوين حكومة مدنية انتقالية ذات صلاحيات كاملة، وذلك بعد أكثر من عام منذ إطاحة الجيش بالحكومة المدنية السابقة برئاسة عبد الله حمدوك، في أكتوبر 2021.

البرهان مصافحًا حميدتي في لقاء سابق.

وضمت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري "إعلان الحرية والتغيير ــ المجلس المركزي" وأحزاب ونقابات مهنية، وقوى سياسية أخرى (الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، المؤتمر الشعبي) ومنظمات مجتمع مدني، وحركات مسلحة تنضوي تحت لواء "الجبهة الثورية".

لكن ما عرقل التوقيع على الاتفاق النهائي وقتئذ، الخلاف الذي دب بين البرهان وحميدتي، حول عملية دمج الدعم السريع داخل الجيش.

تمحور الخلاف بين الرجلين حول هيكل القيادة لهاتين القوتين وتبعية قوات الدعم السريع من حيث القيادة، بالإضافة إلى التوقيتات الزمنية لدمج "الدعم السريع" في الجيش، بحسب أحمد.

ويضيف القيادي في قوى الحرية والتغيير "تمسك البرهان بوضع قوات الدعم السريع تحت سلطة القائد الأعلى للجيش، وهو ما رفضه حميدتي الذي تمسك بتبعية قواته مباشرة لرئيس الدولة المدني، كما طالب الجيش بمدى زمني محدد لا يتجاوز فترة الانتقال لعملية الدمج وفق جداول زمنية واضحة، في حين طالبت قيادة القوات الدعم السريع بفترة زمنية للانتقال تصل إلى 10 سنوات".

والآن ليس من المرجح أن تبقى تلك النقاط على الطاولة، إذ أعلن البرهان أول أمس السبت، حل قوات الدعم السريع، وإنهاء انتداب ضباط الجيش في قوات الدعم السريع "المتمردة".

ومع تصاعد وتيرة العمليات، دعا الناطق باسم الجيش، فجر الاثنين، "جميع منتسبي الدعم السريع للمسارعة بالانضمام إلى القوات المسلحة لخدمة بلدهم، وألا يكونوا مطية لخدمة أهداف وأجندة طرف واحد" في إشارة إلى حميدتي.

لن نتراجعا

وحاول البيان طمأنة مقاتلي الدعم السريع، مؤكدًا أن الجيش "لن يستغنى عن خدماتهم بالتسريح، لأن البلاد لا زالت في أشد الحاجة لسواعد أبنائها مجتمعة".

في الوقت نفسه، أكد الناطق باسم الجيش، أن "قيادة القوات المسلحة على عهدها بعدم التراجع عن تنفيذ المسار السياسي الذي التزمت به". 

بدورها، قالت قيادة الدعم السريع، في بيان لها، فجر الاثنين، إنها تخوض معركة مصيرية وعازمة على وضع حد "للمجموعة الانقلابية" التي اختطفت إرادة الشعب، على حد تعبيرها. وأكدت أنها تدعم العملية السياسية التي ستقود إلى تحول ديمقراطي حقيقي في السودان.

ورحبت قيادات بقوى الحرية والتغيير بتأكيد الجيش والدعم السريع عدم تراجعهما عن المسار السياسي. وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر يوسف الدقير، عبر تويتر، فجر اليوم، إن "المسار السياسي لا يزال الخيار الأمثل لاسترداد الانتقال الديمقراطي بقيادة سلطة مدنية متوافق عليها تمثل ثورة ديسمبر المجيدة 2019 وتباشر تنفيذ أهدافها ومن بينها هدف الوصول لجيش وطني واحد".

وأضاف أن السودان في أكثر حالاته هشاشة واستقراره ووحدة لا يحتملان أن يطول أمد النزاع المسلح، داعيًا الطرفين إلى إسكات البنادق بصورة فورية دون تأخير.

لكن المحلل السوداني أحمد البلال الطيب، قال للمنصة إن "مصير المسار السياسي سيتوقف على ما سيحدث من تطورات" على الأرض. 

وأضاف أن نتيجة المعارك الحالية أيًا كانت ستزيد وتعمق الخلافات بين العسكريين وتزيد الانقسام بين القوى المدنية، وهو ما يؤثر بدوره على المسار السياسي، "حتى إذا كانت هناك عملية سياسية لا أعتقد أنها ستكون امتدادًا للعملية السياسية الحالية التي لم تكتمل"، يؤكد الطيب.

مزيد من التهميش

لكن لا يبدو أن الواقع في السودان ينتح تفاؤلًا الآن، إذ ذهب المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان والخبير بالمركز الأطلسي للدراسات كاميرون هدسون، إلى أنه "من الواضح أنه تم تهميش القوى المدنية بشكل كامل في المفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي أدت في نهاية المطاف إلى العنف، والآن هم غائبون تمامًا حيث يتم مناقشة الخيارات لوقف إطلاق النار".

وأشار  عبر تويتر إلى أن "المفاوضات بين البرهان وحميدتي حول عملية دمج الدعم السريع للجيش كانت قد وصلت إلى نقطة أزمة حتى تحولت إلى صراع مفتوح"، متوقعًا أن تتوقف الحرب عندما يكون أحد الأطراف قادرًا على فرض سيطرته على الآخر، "يمكن أن يحدث ذلك عاجلًا وليس آجلًا".

في الوقت نفسه، يقول"يبدو وقف القتال أسهل بكثير من استئناف الحوار الأمني.. في النهاية، سيحدد موقع كل طرف في ساحة المعركة موقفه التفاوضي".

فيما قال الأستاذ بجامعة أوسلو الجديدة، وخبير الشؤون الأفريقية  الدكتور كاتيل ترونفل، للمنصة "يعكس الوضع الحالي في السودان ما جرى خلال الأعوام الماضية من عملية انتقال متعرجة للغاية نتيجة للصراع على السلطة بين الفصيلين العسكريين، وقد أدى ذلك إلى حالة من الجمود أعاقت الانتقال إلى الحكم المدني".

يضيف "يبدو أن القوى المدنية ستعاني مرة أخرى وستتعرض لمزيد من التهميش من السلطة".