فشلت مفاوضات جدة التي دارت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الوصول إلى قرار وقف إطلاق النار في السودان بعد عشرة أيام من المباحثات، واكتفت بالتزام الطرفين بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، في وقت تشهد فيه البلاد تصاعدًا ملموسًا في الاشتباكات العسكرية، وترجيحات بأن تدخل الحركات المسلحة على خط الصراع، بعد أن حافظت على قدر كبير من الحياد خلال الأشهر الماضية.
وقالت الخارجية السعودية، في بيان الثلاثاء، "يأسف الميسرون لعدم تمكن الطرفين من الاتفاق على تنفيذ وقف إطلاق النار خلال هذه الجولة الأولى، حيث لا يوجد أي حل عسكري مقبول لهذا الصراع".
وأكدت أن المباحثات توصلت لاتفاق الطرفين العمل مع الأمم المتحدة "لمعالجة معوقات إيصال المساعدات الإغاثية"، وتحديد نقاط اتصال لعبور طواقم الإغاثة، وأنهم اتفقوا أيضًا على "إجراءات بناء الثقة" بما في ذلك توقيف الهاربين من السجون.
الوساطة السعودية مستمرة للوصول إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار
وحملت الخارجية السعودية الطرفين مسؤولية الالتزام بمخرجات مفاوضات جدة "الأمر متروك الآن لكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الالتزام التام بمسؤوليتهم لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه".
جدية التفاوض
واستأنف منبر جدة المفاوضات بين طرفي الصراع بالسودان في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والهيئة الحكومية للتنمية/الإيجاد، وهي ممثل مشترك للاتحاد الإفريقي والإيجاد، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وتحقيق وقف إطلاق النار، والبدء في إجراءات بناء الثقة تمهيدًا للتوصل إلى وقف دائم للعمليات العسكرية.
وذلك في محاولة لتجاوز خيبة الأمل التي انتهت إليها الجولة الأولى من المباحاثات التي أجريت في مايو/أيار الماضي، حسب ما قال المحلل السياسي السوداني، عمار عوض، لـ المنصة، خاصة مع عدم ضغط الولايات المتحدة كوسيط بالقدر الكافي لوقف إطلاق النار، إذ لم تكن مهتمة سوى بالقضية الإنسانية.
"بعكس السعودية التي اهتمت كثيرًا بالوصول إلى اتفاق يتضمن وقفًا لإطلاق النار طويل الأمد"، يشير عوض إلى أن معلومات لديه تؤكد أنها مستمرة في محاولات الوصول إلى تفاهمات حول الهدنة قبيل عودة المتفاوضين إلى السودان مرة أخرى.
ويؤكد المحلل السوداني أن الطرفين المتفاوضين، وتحديدًا قوات الدعم السريع، لم يكونا جادين "والدليل أنها استغلت أيام المفاوضات العشر لإحراز تقدم على الأرض في دارفور بعد سيطرتها على ثلاث مدن رئيسية، ونجحت في أن تستغل حالة الارتخاء التي تسببت فيها المحادثات لقوات الجيش في تحقيقه".
كانت قوات الدعم السريع سيطرت على ثلاث مدن رئيسية، تشكل عواصم لولايات الإقليم من أصل خمسة، خلال الأيام القليلة الماضية، وهي نيالا في الشمال وتعد ثاني أكبر المدن بعد الخرطوم ومركز قيادة الجيش في الولايات الغربية، إضافة إلى زالنجي في الوسط، والجنينة في الغرب. بينما لا يزال يحتفظ الجيش بقواعده في الفاشر شمال دارفور والضعين في الشرق.
أضحى إقليم دارفور في غرب البلاد الأشد سخونة
يعتبر عوض أن وجود مفاوضي الجيش بمحادثات جدة ألقى بظلاله على المقاتلين أنفسهم، إذ أن قيادتهم كانت تؤكد لهم منذ الانسحاب من المفاوضات في يونيو/حزيران الماضي أن الحسم العسكري هو السبيل الوحيد للانتصار في الحرب، لكن عودتهم للمحادثات مرة أخرى ولّد قناعة لدى المقاتلين بأن التفاوض سينهي الحرب، بل قد يُفضي لشراكة جديدة بين قوات الجيش والدعم السريع في السلطة.
ويرجح المحلل السياسي السوداني أن تستعر المواجهات العسكرية بعد انتهاء التفاوض، "ما حدث في شهر يونيو الماضي عقب فشل المحادثات سيتكرر، بل أن رقعة النيران تبدو أكثر اتساعًا الآن".
ويرى أن التعويل سيكون على اللجنة التي تشكلت لتوصيل المساعدات الإنسانية، في إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، مستدركًا "إن ذلك احتمال ضعيف".
جولة ساخنة
فيما ترى الكاتبة والمحللة السياسية شمائل النور، أن ما تمخضت عنه مفاوضات جدة لا يرتكز على أرض قوية، إذ يصعب الحديث عن مسارات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية دون الوصول لوقف إطلاق نار ولو مؤقت، خاصة وأن الطرفين المتصارعين يسعيان لتحسين أوضاعهما العسكرية على الأرض.
ذلك في وقت أضحى إقليم دارفور في غرب البلاد هو الأشد سخونة، بعد أن كانت الخرطوم هي محور الصراع، حيث دارت الثلاثاء، اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
لم تُتخذ التدابير اللازمة لتجنب الخسائر في صفوف المدنيين في أحياء الفاشر السكنية
واندلعت اشتباكات أخرى في مدينة أم درمان، تهدف لخدمة الصراع في دارفور، إذ يحاول الجيش السيطرة على جسر شمبات الحيوي الذي يربط أم درمان بمدينة الخرطوم بحري، ويعد خط الإمداد الرئيسي لقوات الدعم السريع إلى غرب البلاد.
وقالت الولايات المتحدة، الخميس الماضي، إنها تشعر باضطراب بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن هجوم قوات الدعم السريع على الفاشر في ولاية شمال دارفور، ما سيعرض المدنيين للخطر الفائق، بمن فيهم مئات الآلاف من النازحين الذين فر إليها كثير منهم مؤخرًا.
وتؤكد شمائل النور، وهي متهمة بشؤون دارفور، لـ المنصة، أن تغير موازين القوى على الأرض خلال الأسبوع الماضي يجعل الدعم السريع أكثر رغبة في الحسم العسكري أكثر من التوصل لاتفاق سياسي، تضيف "يحاول الاستفادة من سيطرته على الأرض".
وفي الوقت الذي تحصل فيه قوات الدعم، بحسب شمائل، على إمداد عسكري ثقيل في الغرب، يأتي أغلبه من دول إقليمية داعمة، "لم يتمكن الجيش من الحصول على دعم مماثل، إلى جانب ما تعانيه قواته من انهيار معنوي جراء ما تعرض له من انتكاسات في ثلاث ولايات".
أطراف جديدة في الصراع
تلفت شمائل إلى أن اعتماد قوات الجيش في دارفور بشكل أكبر على القبائل العربية لا تساعده على الصمود لفترات طويلة، لأنه يواجه طرفًا يعتمد على تكتل من التحالفات بين قبائل إفريقية.
كما تعتقد الكاتبة السودانية أن التصعيد في دارفور لا ينبئ بنهاية قريبة للحرب، "على العكس من المتوقع أن تصبح حروب متعددة الأطراف" تقول شمائل.
تشير التقديرات لوجود أكثر من 87 حركة مسلحة في عموم البلاد، 84 منها في منطقة دارفور وحدها
وتضيف "التحذير الأمريكي من وصول الصراع إلى الفاشر له دلالاته المهمة، لأن المدينة وضعها يختلف عن باقي مدن ولايات دارفور، حيث تتمركز فيها الحركات المسلحة تحت مظلة القوات المشتركة التي تشكلت بموجب اتفاق جوبا للسلام، ويقدر عددهم بما يقرب من 5000 مقاتل إلى جانب آخرين من جيوش الحركات غير المنضوية في اتفاق السلام".
وبحسب دراسة أعدها مركز الإمارات للسياسات، فإن التقديرات تشير لوجود أكثر من 87 حركة مسلحة في البلاد، 84 منها في منطقة دارفور وحدها.
توضح شمائل النور طبيعة موقف الحركات المسلحة في الفاشر "تواجه الحركات إغراءات عديدة للخروج عن حيادها لصالح أي من طرفي الصراع وتحديدًا قوات الدعم السريع التي تكثف اتصالاتها معها، لكن تبقى مسألة انحيازها صعبة حتى الآن".
وتضيف "لا زالت الحركات المسلحة تعتبر الفاشر ضمن نطاق سيطرتها، وليس سهلًا أن تخرج من المعادلة بتسليمها إلى أي من الطرفين، لأن ذلك يعني فقدانها قوتها الاستراتيجية بالمنطقة".
وبالرغم من الدعوات المتواترة من قوات الدعم السريع لحث الحركات على الانحياز أو حتى الابتعاد عن منطقة الاشتباك المحتملة، غير أنها لم تلق صدى حتى الآن، حسب شمائل النور، مؤكدة أنه في حال حدوث مواجهة بين الجيش والدعم والحركات فإن السودان سيكون أمام موجة جديدة من الحرب لها تبعاتها المرتبطة بدخول مزيد من القوى العسكرية لدعم كل طرف، وأن الظروف مهيأة لذلك سواء من تشاد أو ليبيا.