رغم فشل مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية في الوصول لتوافق على المسار السياسي وإنهاء الحرب التي بدأت قبل أكثر من عام، حمَل المؤتمر الذي استضافته القاهرة واللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بالسياسيين السودانيين بعض الإيجابيات.
في فندق الماسة بالعاصمة الإدارية بالقاهرة، اجتمع ممثلون عن القوى السياسية السودانية، في 6 يوليو/تموز الجاري، بحثًا عن مسار لإنهاء الحرب، غير أن ممثلي الكتلة الديمقراطية التي تضم أحزابًا وحركات مسلحة تتحالف مع الجيش السوداني امتنعت عن التوقيع على البيان الختامي للاجتماع، في ظل حالة من الاستقطاب السياسي بدت مسيطرة على الأطراف المشاركة.
صراع الإدانات
رغم أن البيان الختامي الذي نشرته الخارجية المصرية الراعية للمؤتمر تحدث عن توافق المجتمعين عليه، فإن ذلك لم يكن معبرًا عن الواقع. إذ أصدر مجموعة من المشاركين بيانًا مشتركًا أكدوا فيه أن التوصيات الختامية لم تستوعب ملاحظاتهم، كما اعترضوا على الجلوس المباشر في هذه المرحلة مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" لتحالفها مع الدعم السريع.
استمرار فقدان الثقة أدى لفشل التوافق بين كافة الأطراف
"النقاشات فشلت في الوصول إلى صيغة توافقية، مع عدم إدانة للانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، فالمنتمون إلى تقدم رفضوا الإشارة إليها إلا بإدانة الطرفين ونحن نرفض ذلك لأن قوات الدعم السريع هي التي تمردت على السلطة" يقول الناطق باسم الكتلة الديمقراطية أحد المعترضين على البيان محمد زكريا لـ المنصة.
يشير زكريا إلى سبب آخر لعدم التوافق، موضحًا وجود مجموعات سعت للاتفاق على تشكيل لجان مشتركة تضم قيادات الكتلة، وتنسيقية تقدم، في حين أن "الثقة ما زالت مفقودة بين الطرفين"، ويضيف "هذه الخطوة قد تتم في وقت لاحق بعد بناء الثقة ومع وجود مناخ ملائم يتماشى مع خطوة وقف إطلاق النار".
يقفز الواثق البرير، أمين عام تنسيقية "تقدم" على الخلاف بشأن إدانات الدعم السريع في البيان "قضية قُتلت بحثًا، ومن الناحية التفاوضية ولمستقبل العملية السياسية لا يمكن إدانة أحد الأطراف وغض الطرف عن الآخر"، معتبرًا أن ذلك يؤدي لمزيد من التعقيدات التي تحول دون التوافق على الحلول.
خلافات الساسة امتداد للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي تشهدها السودان منذ أبريل/نيسان 2023، وراح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت نحو 10 ملايين سوداني للفرار داخليًا وخارجيًا لدول الجوار، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
بداية للمستقبل
أوصى البيان الختامي ببحث الوقف الفوري للحرب، بما يشمل آليات مراقبة لاستدامته، كما ناشد الدول والجهات الداعمة لأطراف الحرب بالتوقف عن إشعال المزيد من نيران الحرب في السودان.
رغم عدم التوافق بين المشاركين في المؤتمر على مخرجات مؤتمر القاهرة، فإن القوى السودانية المختلفة أيدته واعتبرته تقدمًا إيجابيًا يمكن البناء عليه مستقبلًا، وهو ما اتفق عليه محمد زكريا، وكذلك الواثق البرير.
شدد البرير في تصريح لـ المنصة على أن المؤتمر يفتح الباب أمام تقليص الفجوة بين القوى المدنية للاتفاق على حلول سياسية تضغط على الجيش، وقوات الدعم السريع، لوقف الحرب.
يوضح البرير أن خطة مؤتمر القاهرة كانت تتضمن عقد جلسات تشاورية للتوافق على قضايا رئيسية تتعلق بوقف إطلاق النار والمسار السياسي، لكن الخلافات بين المشاركين دفعت لتشكيل لجنة لصياغة البيان الختامي مباشرة بعد الجلسة الافتتاحية.
ودافع عن البيان الذي لم يتضمن رؤية واضحة بشأن سبل وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى "التوافق على تشكيل لجنة لتطوير النقاشات مع القوى السياسية"، وهو ما اعتبره يمهد للوصول لاتفاق سلام لاحقًا.
تغير في موقف القاهرة
رغم فشل المؤتمر في الوصول لتوافق كامل رحبت القوى السياسية بدور القاهرة في المشهد السوداني، مع الإشارة إلى تغير في الموقف المصري من أطراف الصراع، التي كانت في بداية الحرب تتخذ موقفًا متحيزًا للجيش السوداني.
"لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي برئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك يؤكد على أن مصر اقتربت كثيرًا من القوى المدنية بعد فترة من الضبابية"، يقول عضو تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعز حضرة لـ المنصة.
من جهته، يعتبر الواثق البرير، وهو أيضًا الأمين العام لحزب الأمة القومي، أن توصية البيان الختامي للأطراف المتصارعة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، يؤكد وقوف مصر في صف الحل السياسي دون ترك مجال للمراهنة على دعم مصري لأي خيارات عسكرية.
مصر أدركت ضرورة الحل السياسي
التغير في الموقف المصري أكد عليه أيضًا مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، الذي يرى أن القاهرة أدركت أن الحل في السودان يجب أن يكون سياسيًا وليس عسكريًا فقط.
وأوضح الشوبكي لـ المنصة أن الأزمة السودانية في أصلها نتيجة تعقيدات سياسية، والتناحر بين القوى المدنية، إلى جانب الخلاف الآخر داخل المكون العسكري الذي كان يمثله الجيش وقوات الدعم السريع.
ويضيف "القاهرة أدركت أيضًا أن جلوس قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو على طاولة واحدة لن يؤدي وحده لوقف الحرب وبدء المسار السياسي، فلا بد من إشراك القوى السياسية في كافة خطوات إنهاء الحرب الحالية".
يعتبر الشوبكي أن هذا التوجه يشكل تطورًا في وجهة النظر المصرية التي كانت تنحاز بشكل مباشر إلى طرف على حساب آخر في بداية الأزمة.
ورغم أن الكلمة الافتتاحية لوزير الخارجية المصري السفير بدر عبدالعاطي خلال المؤتمر أكدت أن مصر تدعم الحفاظ على مؤسسات الدولة وتماسك الجيش السوداني، غير أن الشوبكي اعتبر أن دعوة القوى السياسية السودانية من كافة الاتجاهات السياسية باستثناء حزب المؤتمر الوطني المنحل يبرهن على أن القاهرة انفتحت على جميع الأطراف وبإمكانها الآن أن تكون طرفًا وسيطًا مقبولًا.
ويتوقف الشوبكي أمام تداعيات الحرب من مشكلات أمنية ونزوح مئات الآلاف، والاقتراب من نقطة الوصول إلى تفكك السودان وتأثيراته السلبية على مصر "يجعل هناك مصلحة مصرية في الوصول إلى حل عبر استخدام كافة الوسائل والأساليب الممكنة ولم يعد من المجدي الوقوف في صف الجيش فقط".
تبقى أمام مؤتمر القاهرة مشكلة رئيسية، حسب الشوبكي الذي يشير إلى صعوبة تنفيذ مخرجاته على أرض الواقع. وأن التعويل على شيء إيجابي مستقبلي يبقى فقط مرتبطًا بإمكانية إدخال المساعدات الإنسانية لكن دون الوصول لاتفاق قريب يُفضي لوقف إطلاق النار.
تواجه القوى السياسية السودانية تحديات التوافق، ودفع الأطراف المتصارعة للجوء لحل سياسي ينهي الحرب التي يدفع ثمنها المدنيون بينما يتصارع البرهان وحميدتي على السيطرة على مناطق أكبر في خريطة السودان، حتى لا يتحول مؤتمر القاهرة واجتماعهم مع السيسي لمجرد لقاء عابر.