دخلت القوى المدنية السودانية، ممثلة في تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية "تقدم"، على خط الوساطات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بهدف الوصول إلى اتفاق من شأنه إنهاء الحرب والانخراط في عملية سياسية مستقبلية بعد 9 أشهر من الصراع الذي تمدد في ولايات سودانية عديدة.
غير أن تلك الوساطة تواجه مشكلات عدة تجعلها منقوصة، ولا تتوفر فيها عوامل النجاح، مع فشل أطراف إقليمية ودولية في دفع الطرفين المتنازعين نحو السلام.
ورغم أن "تقدم" وقعت إعلانًا سياسيًا مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، 2 يناير/كانون الثاني الحالي، وعقدت اجتماعات استمرت يومين مع قيادات سياسية وعسكرية تابعة لـ"الدعم السريع"، بعد أن وجهت دعوة لطرفي الصراع للجلوس على مائدة مشتركة للتفاوض، فإنها لم تتلقَ حتى الآن ردودًا إيجابية من جانب الجيش السوداني تشي بقبوله تلك الدعوة في ظل حالة التصعيد السياسي التي يشنها مجلس السيادة الانتقالي، الذي يرأسه قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ضد القوى المدنية.
وجدد رئيس وزراء السودان السابق زعيم تحالف "تقدم"، عبد الله حمدوك، دعوته للأطراف المتقاتلة من أجل وقف الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، قائلًا على إكس "خاطبت القائد العام للقوات المسلحة السودانية لحثه على قبول طلب الاجتماع المباشر مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، لاغتنام الفرصة التي لاحت لإيقاف الحرب التي تم التعبير عنها في إعلان أديس أبابا الموقع بين (تقدم) وقوات الدعم السريع".
تضمن الإعلان تأكيد قوات الدعم السريع استعدادها وقف الأعمال العدائية بشكل فوري وغير مشروط
وتابع، في بوست نشره في 3 يناير، "هذه الفرصة للسلام يجب ألا نضيعها، وأن نعمل ما بوسعنا لوقف الحرب وبناء سلام مستدام في بلادنا الحبيبة. إننا نمد أيادينا نظيفة من غير سوء للوصول لحل سلمي تفاوضي ونأمل أن تستجيب الأطراف المتقاتلة لذلك حتى نرفع المعاناة عن كاهل شعبنا، ونبني وطننا على أساس جديد يجعل حرب 15 أبريل آخر حروب السودان، ليعقبها سلام مستدام".
تشكيك وانتقادات
غير أن تصريحات لاذعة أطلقها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، مالك عقار، قلل فيها من التعويل على أي اتفاقات سياسية موقعة بين "الدعم السريع" والقوى المدنية، واعتبر أن ما جرى في أديس أبابا بمثابة "اتفاق بين شركاء"، قائلًا "تقدم والدعم السريع شريكان، وهما جسم واحد في جسمين، ولا شيء جديد في ذلك"، وفي الوقت ذاته ادعى عدم معرفة الحكومة السودانية بهذا الجسم السياسي.
ووصف عقار، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي، 3 يناير، الأشخاص الذين وقعوا إعلان أديس أبابا مع الدعم السريع بأنهم "الحاضنة السياسية المعروفة للدعم السريع، والداعمون لتمرده"، وأكد أنه لم تصل إليهم أي دعوة لعقد اجتماع مع "تقدم"، وقال "سمعنا عنها فقط كما سمع الجميع"، دون أن يوضح كذلك الموقف من الدعوة، سواء كان بقبولها أو رفضها.
عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد خليل، انتقد عبارات عقار، ووصفها بأنها صادرة عن "غير ذي صفة"، موضحًا لـ المنصة "شرعية مجلس السيادة الانتقالي في السودان لا وجود لها الآن بعد أن جرى تصفية أعضائه ممن لم يتوافقوا سياسيًا مع البرهان، من الإطاحة أولًا بجميع المدنيين الممثلين داخله ثم إزاحة قيادات الحركات المسلحة ممن رفضوا القتال إلى جانب الجيش في الحرب".
وشدد خليل، وهو أحد المشاركين في الاجتماعات التي جرت في إثيوبيا، على أنه من المبكر الحكم على الوساطة الآن، وهي بالأساس "محاولة تعبر عن توافق قطاع كبير من القوى المدنية ممثلة في الأحزاب التي قادت حراك الشارع في الثورة ضد نظام البشير والتحالف الحكومي السابق في السودان (قوى الحرية والتغيير)، وعدد من لجان المقاومة، وهؤلاء شعروا بالمسؤولية التاريخية وقرروا وضع خارطة طريق لإنهاء معاناة الشعب السوداني".
وتضمن الإعلان السياسي الموقع في إثيوبيا تأكيد قوات الدعم السريع استعدادها وقف الأعمال العدائية بشكل فوري وغير مشروط عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني.
أساس جيد
وقال خليل إن مشروع خارطة الطريق وإعلان المبادئ "يشكل أساسًا جيدًا لعملية سياسية تنهي الحرب في السودان"، مضيفًا أن "تقدم" ستطرح التفاهمات المتفق عليها مع قوات الدعم السريع على الجيش السوداني لتكون أساسًا لحل سلمي ينهي الحرب.
وأكد الإعلان أيضًا الاتفاق على "القيادة المدنية للعملية السياسية مع الالتزام بمشاركة لا تستثني إلا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية"، وتعهدت قوات الدعم السريع أيضًا بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرتها، وإطلاق سراح 451 من أسرى الحرب والمحتجزين كبادرة لحسن النوايا.
وعن الإعلان الذي يتضمن أيضًا التزامات بإعادة ملايين النازحين إلى ديارهم، وإنشاء ممرات آمنة وإشراك المدنيين في محادثات السلام، قال حميدتي "لو الجيش قدم نفس الوثيقة هذه، سأوقعها الآن".
في المقابل، وصف الخبير العسكري السوداني أمين إسماعيل المجذوب، ما جرى التوقيع عليه بين قائد "الدعم السريع" و"تقدم" بالاتفاق السياسي الخالص، الذي يبتعد عن جهود وقف الحرب ويتخطى ذلك لمرحلة من المفترض أن تأتي لاحقًا، تتعلق بترتيبات المرحلة الانتقالية في المستقبل، لافتًا، في حديثه لـ المنصة، إلى أن الاتفاق تضمن إجراءات تنفيذية لن يقبلها الجيش، مثل منح الحق لقوات حميدتي بتشكيل حكومات في المناطق التي سيطرت عليها.
لا يمكن إغفال الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع
و"تقدم تسببت بقصد أو دون قصد في تعقيد أي مفاوضات مستقبلية مع الجيش، لأنها حينما تجلس معه سيدخل الطرفان في نقاشات محتدمة حول التفاصيل السياسية، وفي تلك الحالة فإن رؤية الجيش ستقوم على أن هناك قوى سياسية أخرى، قد يكون لديها رؤى مغايرة لما ذهبت إليه تقدم، يجب أن ينصت لها ومن ثم نعود إلى نقطة الصفر التي بسببها اندلعت الخلافات حول الاتفاق الإطاري الذي لم يشمل كل القوى السياسية"، حسب المجذوب، وهو أحد المقربين من قيادة الجيش السوداني.
وأرجع المجذوب الهجوم الذي تعرض له الاتفاق من جانب محسوبين على الجيش لوجود حساسيات سياسية بين الطرفين، "لأن الجيش يضع في اعتباره أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، الذي تتشكل منه تقدم بالأساس، لم يُدن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم، ويرى أنها منحازة بشكل كامل لقائدها".
شركاء الأمس
عضوة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، انتصار العقلي، اعتبرت في حديثها مع المنصة، أن القوى المدنية "ليست لديها مصلحة في الانحياز لأي طرف"، وأن "هدفها الرئيسي إنهاء حالة الحرب"، خاصة أنها تشاركت السلطة من قبل مع الجيش و"الدعم السريع"، ومن هنا تأتي أهمية الوساطة والاجتماعات.
وترى العقلي أنه مع أهمية ترقب قبول البرهان للدعوة التي وُجهت إليه، "لا يمكن إغفال الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في قرى ومدن ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني خلال الأيام الماضية والسؤال الأكبر لماذا أقدم الجيش على تسليم تلك المناطق دون قتال؟".
ولا تزال الاشتباكات العنيفة دائرة بين طرفي الصراع في السودان، رغم وساطة "تقدم"، حيث استهدف الجيش السوداني، في 4 يناير، مواقع عدة لـ"الدعم السريع" في مختلف مناطق العاصمة الخرطوم، فيما أغارت قوات الدعم السريع على محيط مركز القيادة وسلاح الإشارة التابعين للجيش.
القتال بين الجيش والدعم السريع اندلع بعد توتر استمر أسابيع بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج قوات الدعم في الجيش، في وقت كانت فيه الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دوليًا.
وطوال فترة الصراع حاولت أطراف عدة دولية وإقليمية إنهاء المأزق السياسي للبلاد، لكن أيًا منها لم يكتب له النجاح حتى الآن في دفع البلاد نحو مسار سياسي.