على مدار يومين، أجرى قادة ائتلاف الحرية والتغيير السوداني، محادثات هي الأولى من نوعها بالقاهرة، للبحث عن حلول لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وهي خطوة تعكس المساعي المصرية لتوحيد صفوف القوى المدنية السودانية وإنجاح مبادرة القاهرة، الرامية لوقف الحرب، حسبما قال سياسيون سودانيون ومحللون للمنصة.
وقالت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن تلك المحادثات تشير إلى تحسن العلاقات بين القاهرة والمكون المركزي في "الحرية والتغيير"، بعد الخلافات التي شهدتها فترة الانتقال.
اجتماع "تاريخي"
ووصفت قوى "إعلان الحرية والتغيير"، اجتماعها في أحد فنادق منطقة الأهرامات بـ"التاريخي والمفصلي"، إذ انتهت اجتماعات المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، التي عقدت يومَي الاثنين والثلاثاء، 24 و25 يوليو/ تموز الجاري، إلى إجازة رؤيتها السياسية لإنهاء الحرب وبناء الدولة السودانية الجديدة، وفتح نقاش وطني حولها.
وشارك في الاجتماع أبرز قيادات "الحرية والتغيير"، بينهم القيادي والناطق الرسمي باسمها ياسر عرمان، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ونائبه في الحزب خالد عمر يوسف، ورئيس المكتب التنفيذي لـ"التجمع الاتحادي" بابكر فيصل، والقيادية بحزب الأمة مريم الصادق المهدي.
المبادرة المصرية التي أعلنها السيسي فتحت الباب أمام إشراك المدنيين في خطة حل الأزمة ووقف إطلاق النار
ودعا المجلس، إلى إطلاق عملية سياسية تؤدي لوقف القتال فورًا، والاستجابة الفاعلة للكارثة الإنسانية الناجمة عنه، وحماية المدنيين وفق القانون الإنساني الدولي.
كما ناقش المجلس وحدة القوى المدنية وقوى الثورة والتغيير، ودورها في العملية السياسية، مؤكدًا على "أهمية تنسيق الجهود وتوحيدها والاتفاق على رؤية سياسية وصيغ عمل وتنسيق مشترك".
وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تضم تجمعات مدنية وسياسية ومهنية، برز دورها بشكل كبير في فترة الاحتجاجات السودانية التي اندلعت نهاية عام 2018، واستمرت حتى الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.
بعد ذلك، تقاسمت قوى الحرية والتغيير السلطة مع الجيش، وشكلت حكومة مدنية برئاسة عبدالله حمدوك حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما أطاح قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بحكومة حمدوك.
وظلت قوى إعلان الحرية والتغيير، تضغط لاستعادة المسار الديمقراطي حتى وقّعت في ديسمبر/كانون الأول 2022، اتفاقًا إطاريًا مع العسكريين، يقضي بخروجهم من السلطة، وتكوين حكومة مدنية انتقالية ذات صلاحيات كاملة. لكن ما عرقل التوقيع على الاتفاق النهائي وقتئذ، كان الخلاف الذي دب بين البرهان وحميدتي، حول عملية دمج الدعم السريع داخل الجيش، والذي انتهى إلى اندلاع حرب بين الرجلين، لا تزال مستمرة إلى الآن.
وقال عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني ورئيس لجنة الاتصال السياسي بقوى الحرية والتغيير، للمنصة، إن اجتماع ائتلاف الحرية والتغيير كان مهمًا وتاريخيًا، حيث ناقشَ نقاطًا مهمة لإيقاف الحرب وواقع ما بعد الحرب.
منذ اندلاع الحرب في السودان قبل مئة يوم، لم تجد قوى الحرية والتغيير السودانية، مكانًا لها وسط مبادرات الوساطة الدولية، مثل مسار جدة، أو مبادرة الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد التي كان همها الشاغل وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية.
بيد أن المبادرة المصرية التي أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال قمة دول جوار السودان السبع التي عقدت في 13 يوليو/تموز، فتحت الباب أمام إشراك المدنيين في خطة حل الأزمة ووقف إطلاق النار.
وأكد السيسي، في بيان القمة الختامي على "أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار".
"مصر هي الأقرب لكل القوى السياسية السودانية، ولها القدرة على المساعدة في الحل أكثر من أي منبر آخر"، يقول المحلل السوداني عثمان الميرغني للمنصة.
وأضاف الميرغني، أن "قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي رفضت المشاركة في ورشة العمل التي استضافتها القاهرة في فبراير/شباط الماضي، بل جرّمت من شاركوا فيها ودعت مصر لمراجعة موقفها. لكنها الآن عادت لتتخذ من القاهرة منصة انطلاق، وهذا تغيير إيجابي يدل على تفهم الدور المصري كونه يساهم في صناعة السلام والاستقرار في السودان".
أعلن الجيش السوداني عودة وفده في محادثات جدة إلى السودان للتشاور
وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، طرحت القاهرة على القوى السياسية وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مقترحًا لاستضافة لقاءات بين "الحرية والتغيير"، والكتلة الديمقراطية التي تضم قوى وأحزابًا سياسية لم تنضم للاتفاق الإطاري مع العسكريين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن ائتلاف الحرية والتغيير رفض المشاركة، واعتبره "منبرًا للثورة المضادة".
"يبدو أن ظروف الحرب فرضت على الحرية والتغيير أن تراجع مواقفها فيما يتعلق بالقاهرة، وأيضًا تدرك أن القاهرة مؤثرة في التفاعلات السودانية. وبالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال عزل هذا الدور أو تحييده"، تقول مديرة البرنامج الإفريقي أماني الطويل.
وأضافت الطويل للمنصة أن "القاهرة تركز الآن على التنسيق بين المبادرات الإقليمية ودعم المكون المدني، والتواصل مع المكون العسكري والأطراف الدولية لوقف الحرب".
يقول القيادي بالحرية والتغيير عمر الدقير "ما تفعله مصر هو في الاتجاه الصحيح"، لهذا تتجه الحرية والتغيير لتوسيع التحالف مع قوى أخرى، ويضيف الدقير أن "الأزمة التي يعيشها وطننا السودان تفرض على القوى الوطنية تشكيل جبهة مدنية عريضة موحدة تعمل على محاصرة الحرب ووقفها".
ولا تزال المعارك دائرة بين قوات الجيش والدعم السريع. وأعلن الجيش السوداني، الخميس 27 يوليو الجاري، عودة وفده في محادثات مدينة جدة السعودية إلى السودان للتشاور، مشيرًا إلى أن "الخلاف حول نقاط جوهرية مثل إخلاء المتمردين لمنازل المواطنين بالعاصمة، وإخلاء المرافق العامة، أدى لعدم التوصل لاتفاق وقف العدائيات وعودة وفدنا للخرطوم".
ظهور حميدتي
فيما ظهر قائد الدعم السريع حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، لأول مرة منذ اندلاع الحرب وهو يتحدث إلى رجاله، قائلًا إنه إذا تغيرت القيادة الحالية للجيش، فإنه سيوافق على اتفاق سلام في غضون 72 ساعة.
قوبل تحرك المجلس المركزي للحرية والتغيير بترحيب "الكتلة الديمقراطية"، التي تضم حركات مسلحة وقوى مدنية، من بينها حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، والحزب الاتحادي الأصل فصيل جعفر الميرغني، التي عقدت مؤتمرًا صحفيًا مماثلًا، في 25 يوليو، بأحد فنادق القاهرة.
وأعلنت الكتلة مسودة خارطة طريق لمعالجة الأزمة السياسية، وتشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة تكون محدودة المهام لإعادة مرافق الدولة للخدمة، ومواجهة الاحتياجات الإنسانية الملحة.
وأبدت الكتلة، استعدادها للدخول في مشاورات مع بقية القوى الوطنية من أجل حل سياسي شامل يبدأ بوقف إطلاق النار، ثم إنشاء آلية وطنية للعمل مع المجتمع الدولي ودول الجوار لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية.
وهنا يقول رئيس لجنة الاتصال السياسي بقوى الحرية والتغيير "لم نجتمع بعد مع الكتلة الديمقراطية أو أي من القوى المدنية"، لكن الدقير استطرد أن "خطوتنا القادمة هي التواصل مع القوى المدنية الداعية لوقف الحرب واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي لتشكيل جبهة مدنية عريضة خلال الأيام المقبلة".
وقال عثمان الميرغني، إن لقاءات فردية غير رسمية جرت خلال الأيام الماضية بين قيادات بالكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي للحرية والتغيير في القاهرة، إذ لا تزال قوى إعلان الحرية والتغيير تتعامل بحذر في الملف.
ويضيف الميرغني أنه على مصر تولي تنسيق مبادرة حقيقة لوقف الحرب تنطلق من منصة تجمع القوى السياسية السودانية وتحملها مصر إلى القمة المقبلة لدول الجوار في تشاد، لتكتسب بعدًا إقليميًا.
في الوقت نفسه، ترى أماني الطويل أن تكوين تحالف مدني واسع وجامع يستطيع أن يمثل الشعب السوداني في هذه المرحلة الحرجة، سيدعم جهود القاهرة ويعزز من فرص نجاح جهود وقف الحرب.