تصميم: يوسف أيمن - المنصة

ميلاد ومهنته الصعبة.. عندما تصبح رعاية المسنين عبئًا بلا حماية

منشور الاثنين 17 مارس 2025

يفضل الممرض ميلاد شهدي العمل لدى المؤسسات العلاجية على تقديم الرعاية المنزلية "ما حبيتش الإقامة الدايمة مع المسنين في منازلهم؛ لأنها مسؤولية كبيرة والبيوت مفيهاش أجهزة حديثة تساعد على تقديم رعاية مناسبة" يقول لـ المنصة.

يعمل ميلاد في تقديم الرعاية الطبية لكبار السن بإحدى المستشفيات الخاصة الشهيرة في القاهرة، لكنه رغم ذلك يواجه صعوبات تتعلق بالتعامل مع المرضى، وخاصة الحالات التي تتطلب رعاية نفسية، إضافة لساعات العمل الطويلة في مقابل عائد مادي غير مجزٍ لا يتناسب مع الجهد المبذول.

تفتقد خدمة الرعاية الصحية المنزلية إلى إطار يحكمها وينظمها

يشتكي الممرض الذي يبلغ من العمر ثلاثون عامًا من نظرة المجتمع التي تفتقد التقدير، "بيبصولنا إننا مجرد خدم أو عاملين في البيوت"، قبل أن يستدرك "مش عايز أقلل من المهنة الشريفة، لكني بعبر عن واقع بعيشه يوميًا، أنا شغال بقالي 8 سنين"، موضحًا أنه أنه لا يختار الحالات التي يقدم لها الرعاية وإنما يتم إسنادها إليه من خلال مكاتب رعاية أو مستشفيات خاصة بتقديم الرعاية لكبار السن.

تشمل الرعاية الصحية المنزلية متابعة الصحة العامة، وإدارة الأدوية، والعلاج الطبيعي، والتمريض، والتغذية، والرعاية النفسية.

لا بديل إلا دار المسنين 

ولكن على الجانب الآخر يواجه كبار السن صعوبات أيضًا مع الرعاية المنزلية، إذ احتاج عماد حسان، البالغ من العمر 65 عامًا، لرعاية منزلية كونه مصابًا بمرض التصلب المتعدد/MS، غير أن التجربة لم تكلل بالنجاح. فمع تعرضه للسرقة واتهامه الممرض المقيم بارتكابها؛ انتهى به الحال في إحدى دور رعاية المسنين. 

اتفق المرض والوحدة على عماد، خاصة مع سفر ابنه الوحيد. فحمل معه إلى الدار مشاعر الخذلان والوحدة والحزن، يقول لـ المنصة "حسيتها سجن، كان صعب عليا التأقلم في الدار بروتينها اليومي الممل، وقواعدها، والناس إللي مش شبهي في طبعي وعاداتي اليومية".

وما بين ارتفاع تكلفة الرعاية المنزلية وقلة الجهات المختصة بتوفيرها، والصورة النمطية عن دور رعاية المسنين كمكان يتخلى فيه الأبناء عن مسؤولية آبائهم، يحاول كبار السن الوصول إلى صيغة ملائمة لما تتطلبه المرحلة العمرية من رعاية صحية واهتمام لا يتوفر بطبيعة الحال. 

يأتي هذا فيما تفتقد خدمة الرعاية الصحية المنزلية إلى إطار يحكمها وينظمها بما يمنح المسنين خدمةً مُرضية، ويوفر بئية عمل مناسبة للعاملين.

المسنون في عيون الدولة!

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد المسنين في مصر 9.3 مليون بنسبة 8.8% من إجمالي عدد السكان لعام 2024، مفترض أن يُنظر لهم بعين الاهتمام وتخصص الدولة لهم الموارد، إذ تنص المادة 83 من الدستور المصري على أن "تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وترفيهيًا، وتوفير معاش مناسب يضمن لهم حياةً كريمة".

ويبلغ عدد دور المسنين التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي 173 دارًا على مستوى 22 محافظة، إضافة لـ191 ناديًا للمسنين، تقدم المبادرات والخدمات بغرض تحقيق الحماية والاستقرار لهم. كما صدر قانون رعاية المسنين رقم 19 لسنة 2024 في أبريل/نيسان الماضي والذي تتضمن مواده حق المُسن في الحصول على مساعدة شهرية في حال عدم حصوله على معاش تأميني. 

يضمن القانون حقوق مُقدمي الرعاية الطبية والعلاجية ويوفر آلية شكوى لوزارة التضامن الاجتماعي

يتضمن القانون مواد تسعى لتحقيق الرعاية الصحية للمسن عن طريق أهله بالأساس، إذ تنص المواد 7 إلى 13 منه على التزام أسرة المسن برعايته وتوفير احتياجاته العلاجية والطبية ما دامت قادرةً على ذلك، وتوفير مُرافق له إذا كان في حاجة إليه.

كما تضمنت المواد من المادة 17 إلى 19 بعض الضوابط التي تنظم عملية الرعاية الصحية للمسن؛ منها الحق في الحصول على الرعاية الوقائية والعلاجية الجيدة، وتحمّل الدولة مصروفات علاج المسنين الأولى بالرعاية، وإلزام المستشفيات و المراكز الطبية التابعة لوزارة الصحة وغيرها من الجهات الحكومية بتقديم الخدمة العلاجية والوقائية للمسن.

قانون مع وقف التّنفيذ

غير أن هذا كله لا يزال حبرًا على ورق مع تأخر صدور اللائحة التنفيذية للقانون قرابة العام، ما يحول دون تطبيقها على أرض الواقع. لتستمر أزمة رعاية المسنيين دون حل، لا سيما تلك المترتبة على الرعاية الطبية المنزلية، وعلى رأسها، حسب ميلاد، "الخلافات مع الأهالي، أو العنف من المرضى"، إضافة لضعف التأمين الصحي للعاملين في هذه المهنة "بنُستهلك جسمانيًا، وممكن نتعرض لإصابات في الظهر والعضلات بسبب طبيعة الشغلانة".

تؤكد نشوى الديب، عضوة مجلس النواب ورئيسة مؤسسة الديب المعنية بحقوق المسنين، لـ المنصة أن "المشكلة الرئيسية تكمُن في عدم صدور اللائحة التنفيذية الخاصة بتطبيق المواد الدستورية المُقررة حتى الآن؛ فالقانون سيُلبي ويضمن حقوق المسنين، ومُقدمي الرعاية الصّحيّة في آنٍ واحد".

وتشير النائبة التي عملت على تقديم مشروع القانون الخاص بالمسنين لمجلس النّواب، إلى أن شروطه تقضي بإجراء اختبارات لمُقدمي الرعاية واستبعاد من لا يجتازها. 

في المقابل، يضمن القانون حقوق مُقدمي الخدمة، ويتضمن آلية شكوى لوزارة التضامن الاجتماعي حال حدوث مشكلات بين العامل والمريض، وحسب نشوى فإن الوزارة "بدأت فعلًا تدريب مُقدمي الرعاية، وبعض الجمعيات والمؤسسات التي تقدم هذه الخدمة"، قبل أن تستدرك "عيبها الرئيسي هو محدودية نطاقها وقلة إمكاناتها".

كما أنها "لا تعمل على دعم قضية المسنين قانونيًا، وربما هذا ما يجعل دور المسنين على مستوى المحافظات المصرية غير نموذجيّة أو مثالية"، حسب النائبة.

الرعاية غير التمريض 

يكشف محمد عادل مدير أحد مراكز تقديم الرعاية الطبية لـ المنصة عن جانب مختلف من المشكلة يتمثل في أن الكثير من مقدمي الخدمة الصحية لكبار السن يفتقرون إلى مُقومات التمريض الرئيسية، إذ يتم الخلط بين الممرض ومقدم الرعاية الطبية أو المنزلية؛ "فالبعض يفتقر إلى الممارسة العملية والخبرة الفعلية، ومش بيقدر  يتعامل مع المسن ويقدم له الرعاية بشكل صحيح". 

التمريض مهنة معتمدة ومرخصة من جهات رسمية بينما لا تحتاج مهنة مقدم الرعاية المنزلية إلى تراخيص

يوضح عادل الفرق بين أدوار الممرض ومقدم الرعاية؛ "المُمرض مُؤهّل طبيًا للتعامل مع الجوانب الصحية والعلاجية المتخصصة مثل إعطاء الأدوية للمريض، وتغيير الضمادات، ومراقبة حالته الصحية، بينما يقتصر دور مُقدم الرعاية المنزلية أو الشخصية على تقديم خدمات دعم يومية للمريض؛ كمساعدته في ممارسة الأنشطة اليومية من مأكل وملبس".

ويشير إلى أن الخلط بين المصطلحين يتسبب في الصدام بين شخص غير مؤهل لتقديم الخدمة وعملاء لديهم توقعات عالية غير واقعية.

ويضيف عادل "من الناحية القانونية؛ مهنة التمريض معتمدة ومرخصة من هيئات صحية رسمية، بينما لا تحتاج مهنة مقدم الرعاية المنزلية إلى تراخيص طبية، ولذلك فتكليف الشخص بوظيفة غير مناسبة لمؤهلاته الوظيفية يُعرضه لارتكاب أخطاء طبية أو علاجية، كما تُعرض المسن للخطر".

لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للعاملين تحت مظلة المؤسسات، يقول عادل "مش كل دور الرعاية فيها متخصصين لتقديم رعاية لكبار السن، بعضها يعاني من نقص الخدمات الطبية، إلى جانب سوء المعاملة".

ولكن مع مرور الوقت وزيادة الطلب، تتجه عدة مؤسسات للنظر إلى المسنين كفئة مستهدفة، ومنها مؤسسة معًا لرعاية كبار السن التي  بدأت قبل عدة أشهر عقد تدريبات دورية لمقدمي الرعاية الصحية ومرافقي كبار السن، وفق الدكتورة هالة شحاتة، رئيسة المؤسسة. 

توضح هالة لـ المنصة أن المؤسسة تعمل منذ عام 2017 "كانت مُقتصرةً على تقديم خدمات مجانية للأطفال؛ كالتّخاطب، والكورسات التعليمية، ثم بدأنا في رعاية كبار السن قبل عامين فقط". 

وفيما تضغط النائبة نشوى الديب من أجل إصدار اللائحة التنفيذية لقانون رعاية المسنين رقم 19 لسنة 2024، ينتظر كبار السن رؤية الأثر على أرض الواقع، ويترقب ميلاد هذه اللحظة متمنيًا أن توفر له اللائحة ممارسة مهنته دون الخوف من التورط في أي مشكلات مفاجئة.