تصميم المنصة
يتيح مشروع قانون العمل عمالة الأطفال والفصل التعسفي ويقيد حق الإضراب

يوميات صحفية برلمانية| قانون العمل يخرج من الثلاجة.. لف وارجع تاني

منشور الثلاثاء 22 أكتوبر 2024

بعد مرور نحو عامين على تجميد مشروع قانون العمل، أعلنت وزارة العمل طرح مشروع قانون العمل "الجديد" على مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، بعد انتهاء الحوار المجتمعي.

فوجئنا في اجتماع لجنة القوى العاملة، الأحد، أننا أمام النسخة القديمة نفسها التي وجه الرئيس بإجراء حوار مجتمعي بشأنها، وسط ارتباك وزير العمل محمد جبران وشبهة عدم سلامة في إجراءات المناقشة، ودعوة النواب لسحب المشروع، ثم إنقاذه من جانب وزير شؤون المجالس النيابية والقانونية، محمود فوزي.

في مايو/آيار الماضي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحكومة، لدراسة مشروع قانون العمل المعروض على مجلس النواب، وإجراء حوار مجتمعي، والتوافق على صيغة تضمن حقوق العمال، وبيئة عمل مواتية للاستثمار، وتراعي اتفاقات العمل الدولية.

وأجرت الوزارة حوارًا مجتمعيًا بشأن مشروع قانون العمل الذي توقفت مناقشاته في لجنة القوى العاملة في مجلس النواب فجأة، رغم انتهائها من مناقشة نحو 60 مادة من مشروع الحكومة الذي وافق عليه مجلس الشيوخ نهائيًا في فبراير/شباط 2022.

تجمدت المناقشات في لجنة القوى العاملة منذ 2023، ولم تعلن اللجنة وقفها رسميًا، لكن اختفى مشروع القانون من جدول أعمالها، وترددت خلال تلك الفترة في أوساط السياسيين والنواب أنباء عن سحب الحكومة مشروع القانون الذي اعتبر حقوقيون أنه يتيح الفصل التعسفي ويقنن عمالة الأطفال ويقيِّد حق الإضراب.

العائد من الثلاجة

لأسباب غير معلنة، تعددت وقائع دفن مشروعات القوانين بعد مناقشتها في لجان المجلس دون إحالتها للجلسة العامة، ثم نفاجأ مرة أخرى بإحياء المشروع المدفون وإعادة مناقشته، وهو ما حدث في مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ويحدث حاليًا مع مشروع قانون العمل

يعود المشروع الذي روّجت له الحكومة على أنه نسخة جديدة للمناقشات مرة أخرى، يخرج من ثلاجة البرلمان دون أن تنعكس على نصوصه مناقشات الحوار المجتمعي الذي أجرته الوزارة.

يبدو أن الحكومة تتعجل في دوران عجلة المناقشات رغم عدم جاهزيتها، ويبقى السؤال بشأن أسباب الاستعجال مطروحًا بلا إجابات في أروقة المجلس، مع وجود علامات استفهام بشأن العلاقة بين مناقشات المشروع الذي تعتبره الحكومة تطورًا، واستعداداتها لاستخدامه في تحسين ملف حقوق الإنسان في مصر خلال المراجعة الدورية الشاملة بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان يناير/كانون الثاني المقبل. 

ارتباك إجراءات

بدأت لجنة القوى العاملة مساء الأحد الماضي مناقشة مشروع القانون الذي ينطبق على نحو 30 مليون عامل في مصر. وامتد الاهتمام بالمشروع لعدد من النواب غير الأعضاء في اللجنة، حيث حَضر عددٌ من النواب المحسوبين على المعارضة من حزب العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي والتجمع، وبعض نواب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين. 

استهل رئيس لجنة القوى العاملة النائب عادل عبد الفضيل أعمال اللجنة بطرح المشروع للتصويت من حيث المبدأ، وقال إن "المشروع جرى التصويت عليه من حيث المبدأ ثلاث مرات" في إشارة إلى تكرار مناقشة المشروع وتجميده منذ 2017 وإلى الوقت الحاضر "نظرًا لوجود نواب جدد في اللجنة ووجود حكومة جديدة أستأذن حضراتكم ناخد موافقة تاني من حيث المبدأ ولَّا نستمر". 

لكن النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل وأمين سر لجنة الخطة والموازنة الذي اهتم بحضور اجتماع اللجنة، استوقف عبد الفضيل "محتاج أسمع من الوزير ملامح عامة حول المشروع، كيف يمكن الحصول على الموافقة من حيث المبدأ دون الاستماع لفلسفة المشروع". 

ينبه إمام لأنه "من حيث الإجراء، الموافقة من حيث المبدأ تستلزم عرضًا ومناقشة لأهم ملامح القانون، ثم نناقش المواد والتصويت مادة مادة فيما بعد"، لكن عبد الفضيل يدفع في اتجاه التصويت "تم الموافقة على هذا المشروع ثلاث مرات".

سقطات الوزير

أمام إصرار إمام على الاستماع لوزير العمل تحدث جبران الذي جاء ضمن التشكيل الوزراي الجديد في يوليو/تموز الماضي، مشيرًا إلى الحوار المجتمعي الذي أجرته الوزارة "جبنا كل الناس، كل النقابات، حتى نقابة الفلاحين تحت التأسيس، جبنا حقوق الإنسان، والمعاقين، والمتخصصين، والغرف التجارية واتحاد الصناعات، والمستثمرين، كل القوى التي تتخيلوها، بقى لنا أكثر من شهر عملنا مناقشات جادة وحقيقية واتكلمنا بما يرضي الله عايزين القانون ده يطلع يقعد 30 سنة".

أرسل الوزير تعديلات غير رسمية للجنة البرلمانية وأقر بإجراء تغييرات كثيرة

لكن جبران يُفاجئ النواب بأن النسخة التي بين أيديهم ومطروحة للمناقشة ليست نهائية "عملنا مسودة، هنبعتها لمجلس الوزراء علشان تُعتمد وتيجي لحضراتكم". 

يستطرد الوزير مخاطبًا رئيس اللجنة "بعت لك نسخة مش رسمية، لكن بدايةً حطينا فيها ملامح عامة ماسبناش بند ما اتناقش مع الزملاء، وكان في أريحية وتوافق عليه وتعاملنا بشفافية ومنطق الواجب"، يشير إلى توافق بين المستثمرين والعمال وتقنين أنماط العمل الجديدة، وتخصيص باب كامل للعمالة غير المنتظمة، ونصوص تنظم حقوق عمال "التراحيل"، ويقر بإجراء عدة تغييرات في التعريفات والأجور والترقي وحقوق ذوي الإعاقة.

طالب بعض النواب بسحب مشروع القانون وإعادة تقديم نسخة جديدة للمجلس

يُعدد جبران مزايا مخرجات الحوار التي لم تنعكس على أي نصوص يمكننا الاطلاع عليها حتى الآن، ولا ينتبه لخطورة حديثه وسقطاته التي تكشف مشكلات إجرائية تهدد سلامة القانون. تتساءل النائبة ميرفت مطر "انتوا بتناقشوا إيه؟ لازم تاخد موافقة مجلس الوزراء"، فيبرر الوزير موقفه "أنا لسه مخلص يوم الخميس"، في إشارة إلى آخر جلسات الحوار المجتمعي. 

حاول رئيس اللجنة إقناع النائبة بالاستمرار في مناقشة المشروع القديم وإجراء التعديلات على النصوص خلال المناقشات، فقاطعه النائب عبد المنعم إمام "دي مشكلة إجرائية تتعارض مع لائحة البرلمان"، مشيرًا إلى أن الوزير يتحدث عن إضافة "فصول كاملة تتطلب أن يرسل مجلس الوزراء طلب سحب المشروع الحالي من البرلمان ويحيل مشروعًا جديدًا". 

استمر ارتباك جبران "أنا جاي أطرح الفكرة"، وكأن الموضوع يتحول لمجرد مناقشة في أفكار عامة وليس مشروعًا رسميًا من الحكومة.

ومع تواصل حالة الالتباس، أقر المستشار القانوني لوزارة القوى العاملة إيهاب عبد العاطي بأن الإجراءات المتبعة تسلتزم إحالة التعديلات لمجلس الوزراء.

فوزي ينقذ الاجتماع

وسط حالة الجدل، حضر المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية، الاجتماع، فأنقذ المناقشات وعدَّل موقف زميله المرتبك وضبَط البوصلة.

أكد فوزي أن المشروع الذي أحالته الحكومة للمجلس "أساس المناقشة"، مشيرًا إلى مشروع القانون الذي سبق وتقدمت به الحكومة ووافق عليه مجلس الشيوخ، موضحًا أن نتائج الحوار المجتمعي ستُعرض على الحكومة. يبرر موقف زميله "يمكن الوزير حب يطلع اللجنة على نتائج المشاورات التي تمت كنوع من أنواع الاسترشاد"، موضحًا أن التعديلات المنتظرة "لن تكون كثيرة". 

لكن النائب عبد المنعم إمام وجَّه ما أسماه "عتاب المحب للحكومة"، مشيرًا إلى أن مشروع القانون المقدم أدى لجدل في الشارع تبعه وقف مناقشة المشروع ثم توجيه الرئيس بحوار مجتمعي "أشركت الناس كلها في الحوار وحاجة تحسب لك، جيت عملت إيه؟ وسط جلسة فيها كتير من النواب والإعلاميين حطيت نفس مشروع القانون اللي فيه نفس الحاجات المثيرة للجدل". 

وأكد استمرار طلبه بسحب المشروع وإعادة تقديم نسخة جديدة وإضافة المواد التي تحدث عنها وزير العمل، لكن وكيلة اللجنة النائبة سولاف درويش اعتبرت أن ما يروج له الوزير عن أبواب العمالة غير المنتظمة والعمالة المنزلية غير جديدة ومنصوص عليها في المشروع المطروح. وتدخل رئيس اللجنة، عادل عبد الفضيل وحسم الجدل بالبدء بمناقشة المادة الأولى. 

الإضراب مصلحة

"الإضراب السلمي حق ينظمه القانون"، يقر الدستور في المادة 15 أن الإضراب حق، وقصر دور القانون على وضع أطر لتنظيمه. ورغم أن مشروع القانون الحكومي اعترف بحق العمال في الإضراب السلمي، فإن وزير العمل الذي سبق وترأس اتحاد العمال يعيد صياغة مصطلحات جديدة. 

قال جبران خلال حديثه عن الحوار المجتمعي وتوازن علاقات العمل إن الإضرابات "عليها كلام كثير، هل الإضراب حق أم مصلحة؟"، يستطرد "توصلنا إلى أنه مصلحة للعامل مش حق، لأنه لو حق ألزمه إن كل حاجة أعمل عليها إضراب، أما المصلحة مفهوم أوسع للحق". 

لم أفهم المقصود من حديث وزير العمل ولا تصوره عن نصوص الإضراب، وهل سيُجري المزيد من التعديلات عليها؟ أم تكتفي الحكومة بالنصوص الورادة في مشروع القانون؟ تضع هذه النصوص بالفعل قيودًا على الحق في الإضراب وتربطه بعدة إجراءات استباقية وتحظر إعلانه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها إخلال بالأمن القومي أو الخدمات الأساسية التي تقدم للمواطنين، ويمنح النص لرئيس الوزراء سلطة تحديد هذه المنشآت دون تقييد، ما يعني إتاحة التوسع في فرض القيود.

كانت دار الخدمات النقابية والعمالية لفتت في ملاحظات على مشروع القانون الحكومي إلى أن "الاستمرار في تقييد حق الإضراب بشروط تعجيزية والتوسع فى الحظر يؤدي بنا إلى استمرار الدوران في الدائرة المعروفة، استحالة تطبيق القانون، وبالتالى إدارة الظهر له أو عدم احترامه، لنجد أنفسنا أمام إضرابات تقع خارج القانون لأنها لا يمكنها الانضباط للشروط".

علاوة الأجر التأميني.. موافقة

وافقت اللجنة على مدار يومي الأحد والاثنين على عدة نصوص من مشروع القانون، من أهمها المادة 12 التي تنظم استحقاق العمال للعلاوة. ومررت اللجنة النص كما هو دون تعديل، رغم وجود اعتراضات عليه سابقة، سواء من جانب بعض أعضاء مجلس الشيوخ أو المنظمات الحقوقية.

وتنص المادة على أنه "يستحق العاملون الذين تسرى في شأنهم أحكام هذا القانون علاوة سنوية دورية في تاريخ استحقاقها لا تقل عن 3% من أجر الاشتراك التأميني، وتستحق تلك العلاوة بانقضاء سنة من تاريخ التعيين، أو من تاريخ استحقاق العلاوة الدورية السابقة، وذلك في ضوء القواعد المنظمة لهذه العلاوة، التي يصدرها المجلس القومى للأجور".

ويضر احتساب نسبة العلاوة الدورية من الأجر التأميني ببعض العاملين الذين يتجاوز أجرهم الأساسي قيمة أجرهم التأميني، وسبق واقترحت دار الخدمات النقابية احتساب نسبة العلاوة الدورية من الأجر الفعلي الذي يحصل عليه العامل، ووفقًا لنص القانون، فإن الأجر "كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله".

تستكمل اللجنة خلال الأيام المقبلة مناقشة المشروع، دون أن نعرف جدوى الحوار المجتمعي الذي دعا له الرئيس، وما الذي تخطط له الحكومة وسر الاستعجال. ويبقى السؤال هل يتجمد المشروع مرة أخرى ثم يعود؟ أم دارت العجلة ولن تتوقف حتى صدوره بتوقيع الرئيس؟