بينما كان مجلس الشيوخ في انتظار سماع رؤية الحكومة بشأن الاقتصاد الموازي غير المنظم وسبل دمجه في الاقتصاد الرسمي من وزير القوى العاملة، خرج الوزير حسن شحاتة، في أول ظهور له في جلسة عامة، عن النص، وأقر بعدم ثقة المواطنين في الحكومة، الذين تولد لديهم شعورًا بتربص الحكومة بهم.
كلام رئيس اتحاد العمال السابق، الذي صدم رئيس مجلس الشيوخ، يعد أول اعتراف من وزير بضعف ثقة المواطنين في الحكومة، وأن عدم الثقة تلك، حسب قوله، هو ما يعيقها عن اتباع سياسات تدفع لدمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي حاليًا.
لم يوضح شحاتة مبررات رأيه الذي ابتعد فيه عن ميوعة خطابات الوزراء، وأقر بالحقيقة في وقت تتخذ فيه الدولة إجراءات وقرارات تثير غضب قطاعات متعددة من المواطنين، منها فرض الفاتورة الإلكترونية على أصحاب المهن الحرة.
جاء ذلك الاعتراف مقترنًا بجملة الوزير "أتحدث بصفتي المواطن حسن شحاتة"، ما أعطى انطباعًا بأنه "المعارض" الذي جاء إلى أروقة الحكومة صدفة أو خطأ، وربما يؤدي إلى إبعاده من الوزارة لاحقًا أو على الأقل توبيخه وتعديل مساره.
كان الوزير، الذي تولى منصبه في أغسطس/ آب الماضي، ضيفًا على الجلسة العامة لمجلس الشيوخ أمس الثلاثاء، أثناء مناقشة دراسة مقدمة من عضو المجلس أحمد أبو هشيمة بعنوان "الشباب وسوق العمل غير الرسمي: مخاطر راهنة ومقاربات واعدة". وهي الدراسة التي استغرق المجلس في مناقشتها يومين، لبحث سبل دمج الاقتصاد الموازي، الذي تقدره الدراسة بأكثر من 60%، في الاقتصاد الرسمي. وانتهت جلسة الأمس بالموافقة عليها وإحالتها إلى رئيس الجمهورية.
تضمنت الدراسة عددًا من التوصيات، في مقدمتها تعظيم مصالح أصحاب الأعمال غير الرسمية إذا ما جرى دمجهم في الاقتصاد الرسمي، بما يساعدهم على نمو وتطور أعمالهم، ويوفر لهم فرص النفاذ إلى الأسواق المحلية والأجنبية، والمحافظة على حقوق العمالة بعقود رسمية تضمن لهم الحصول على المعاشات والتأمينات. كما تضمن حصول الدولة على حقوقها الضريبية، فضلًا عن تحقيق أهداف الشمول المالي بما يضمن بدوره إدارة نسب السيولة والسيطرة على معدلات التضخم بشكل أكثر دقة.
اعتراف الوزير
بعد انتهاء المناقشات، دعا رئيس مجلس الشيوخ عبد الوهاب عبد الرازق، وزير القوى العاملة للحديث وإبداء رأيه في الدراسة. فرد شحاتة مؤكدًا أن الوقت غير ملائم لاتخاذ إجراءات وسياسات تعمل على ضبط السوق ودمج الاقتصاد غير الرسمي.
وقال "المواطن يشعر أن الحكومة تتربص به وتعمل هذا علشان تاخد شيء ..أي حاجة نعملها دلوقتي لن تجد استجابة طيبة من الشعب".
تعقيب الوزير جاء خارج المتعارف عليه في ذلك النوع من المناقشات، "الموضوع شائك وكبير. وكحكومة مستعدين ننفذ لكن التوقيت غير ملائم. المواطن متخيل الحكومة قاعدة متربصة له تعمل المشروع للاستفادة منه رغم أن الدراسة تتحدث عن إعفاءات ضريبية، لكن المواطن لا يثق في الحكومة".
لم يلق رد الوزير استحسان رئيس مجلس الشيوخ الذي قال "أرجو ألا أكون فهمت خطأ أن فيه نبرة يأس من الإصلاح"، مضيفًا "نريد أن نسمع من الحكومة النقاط الإيجابية التي تمت، كلنا جايين على أساس أن نخطو للأمام ونطلب الاستماع لرأي الحكومة في مجالات متعددة للوصول لصيغة مقبولة الفترة المقبلة نتحرك من خلالها. نحاول مدّ يدنا للحكومة كبرلمان ونساعد في ضبط هذه المسائل والوصول لأكبر قدر من الإيجابيات وليس الأمر متعلق فقط بالقوى العاملة".
ولكن جاء رد الوزير مفاجئًا "أتكلم باسم حسن شحاتة المواطن"، فقاطعه رئيس المجلس "أنت هنا وزير القوى العاملة!"، ليبدأ بعدها شحاتة في عرض ضعيف متردد لبعض التحركات التي اتخذتها الوزارة مؤخرًا "بدأنا في وضع مشروع قانون العمل لحماية المواطن ليكون في مظلة قانونية". وأشار إلى بدء دراسة مشروع قانون بشأن العمالة المنزلية، ثم ختم كلمته مشيرًا إلى الدراسة محل المناقشة "المصداقية أن الدراسة جاية من ممثلين الشعب وليس الحكومة، فالحكومة مصدر قلق للمواطن".
الكلمة المُخططة
فور انتهاء شحاتة من كلمته، أرسل مستشاره الإعلامي لمحرري البرلمان بيانًا صحفيًا يتضمن ما ناقشه الوزير من سبل دمج الاقتصاد غير الرسمي، لكن ذلك البيان غفل ما تحدث عنه شحاتة في القاعة، بينما شمل الكلمة التي كان مفترضًا بالوزير إلقاءها أمام المجلس، وجاءت في 2000 كلمة.
الأكثر إثارة للانتباه من تجاهل تصريحات الوزير في البيان الصحفي، هو أن شحاته نفسه لم يعرض أمام الشيوخ أي من الجهود الورادة في الكلمة المكتوبة التي بدأت بإعلانه عن رؤية وخطة الوزارة بكافة إداراتها المعنية لدمج الإقتصاد غير الرسمي في "الرسمي تماشيًا مع سياسات الدولة وتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي".
وأوضح البيان أن الوزير سلم هذه الكلمة المكتوبة لإرفاقها في مضطبة المجلس، وتضمنت إشارات عامة لسياسة الوزارة خلال الفترة المقبلة بشأن توفير فرص العمل للشباب، وتنمية مهاراتهم وتدريبهم على المهن المطلوبة، ورعاية وحماية العمالة غير المنتظمة من خلال استراتيجية شاملة لدعم تلك الفئات، ومنهم من يعمل لحساب نفسه، ومنهم من يعمل داخل المنشآت، ومنهم من يعمل في القطاع الرسمي.
من هو حسن شحاتة؟
بالبحث عن مواقف شحاتة على مدار السنوات العشر الأخيرة، لن تجد ما يكشف شخصية واتجاهات الوزير خريج كلية التجارة، الذي عمل في شركة مصر للطيران وتولى رئاسة اللجنة النقابية للعاملين بالشحن الجوي فيها، ثم أصبح رئيسًا للنقابة العامة للعاملين بالنقل الجوي، فأمينًا للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ثم رئيسًا له. وهو المنصب الذي لم يستمر فيه أكثر من شهرين لتوليه حقيبة الوزارة.
يوضح تقرير دار الخدمات النقابية والعمالية بشأن انتخابات النقابات في 2022، أن شحاتة وصل لمنصب رئيس الاتحاد بعد منافسة مع عادل عبد الفضيل، رئيس النقابة العامة للعاملين بالمالية والضرائب والجمارك، وأمين صندوق الاتحاد في الدورة المنتهية، ورئيس لجنة القوى العاملة في مجلس النواب الحالي. ويوضح التقرير المنشور في يوليو/ تموز الماضي أن تلك كانت المرة الأولى في تاريخ الاتحاد التي يجرى فيها انتخابات على مقعد رئيسه.
وإذا كان من الصعب تصور أن الأجهزة الأمنية والحكومية فقدت اهتمامها بمن يكون رئيسًا للاتحاد، فربما تساوى لديها المرشحان المعروف تاريخ كليهما في علاقته الوثيقة بالأجهزة، وربما كانت قادرة على تقدير النتيجة التي ستنتهي إليها الانتخابات والاطمئنان إليها. لكنها على أي حال كانت محاولة لتبييض وجه الاتحاد، وتعديل الصورة السيئة السائدة عن الانتخابات النقابية بعد كل ما شهدته من تجاوزات، فالتغيير يطال مقعد رئيس الاتحاد، والانتخابات تجري بين متنافسين عليه.
يقول كمال عباس، رئيس دار الخدمات النقابية والعمالية للمنصة "إن هذا الرجل بلا مواقف"، مضيفًا "لغز شحاتة إن الوزير من اتحاد العمال، من مجلس إدارة اتحاد العمال، وهذه الفكرة تأتي بترتيبات أمنية وأجهزة الأمن صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الموضوع. فلا نتكلم عن كفاءة أو معيار. مهما بحثنا عن شحاتة لن نجد له مواقف، مجرد موظف في مصر للطيران، والشركة، بجانب شركات البترول، تحت سيطرة الأمن بالكامل".
واعتبر عباس أن شحاتة لا يفهم في الملف العمالي، لكنه يستخدم عبارات عامة، "حتى الآن لم تظهر له بصمة في الوزارة"، مضيفًا "هذا الشخص ليس له طعم أو لون أو رائحة".
واللافت كيف انتهت جلسة مجلس الشيوخ دون أن يناقش أحد وزير القوى العاملة في أسباب عدم ثقة المواطنين في الحكومة، وسبل إيجاد حل لحالة القلق التي تحدث عنها والسياسات التي بحاجة لتغيير.
وسنشهد خلال الأيام المقبلة استمرار مناقشة مشروع قانون العمل في مجلس النواب، وسنكتشف خلال المناقشات كيف سيتعامل الوزير الجديد مع الملف، وكيف سيرد في الجلسة العامة خلال المناقشات على الألغام الموجودة في مشروع القانون، أو ينتهي الأمر بإبعاده عن المشهد بعد إقراره في مجلس الشيوخ واعترافه بحقيقة قلق المواطنين من الحكومة.