توارت أخبار البعثة المصرية المشاركة في أولمبياد باريس 2024 للألعاب الرياضية، إذ غطت عليها المشاكل والأزمات، منذرة بدورة جديدة من "التمثيل المشرف"، وطارحة العديد من الأسئلة حول مسؤولية الاتحادات الرياضية ومدى استعدادها للفعاليات الدولية المهمة.
شاركت مصر في 22 دورة أولمبية من أصل 32، وترتيبها الأولمبي الـ53 عالميًا وفقًا لعدد الميداليات المحققة، حيث حصلت مصر على 38 ميدالية مقسمة إلى 8 ذهبية و11 فضية و19 برونزية، وتشارك هذه الدورة بأكبر بعثة في تاريخها وتاريخ الشرق الأوسط، فإلى أين تمضي؟
تجاوز ميداليات طوكيو
تضع اللجنة المصرية زيادة أعداد المشاركين في الأولمبياد كواحد من أهدافها التي حققتها على مدار الدورات الماضية. يقول شريف العريان، الأمين العام للجنة الأولمبية المصرية ورئيس اتحاد الخماسي الحديث، لـ المنصة "شاركت مصر ببعثة مكونة من 121 لاعبًا ولاعبة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وكسرنا الرقم في أولمبياد طوكيو 2020 بـ134 لاعبًا ولاعبة، ثم في بعثة باريس بـ149 لاعبًا ولاعبة".
زاد عدد الألعاب التي تشارك فيها مصر إلى 22 لعبة "ده هدف تاني اتحقق، لأنه رقم قياسي غير مسبوق" يقول الأمين العام للجنة، موضحًا أن البعثة فشلت في التأهل بـ6 ألعاب فقط، إذ إن مصر لديها 28 اتحادًا رياضيًا لألعاب أولمبية.
يعتبر العريان أن ما حققته البعثة في طوكيو 2020 بحصد 6 ميداليات كان إنجازًا "دا أعلى رقم تحققه مصر في تاريخها"، مشيرًا إلى أن البعثة تستهدف كسر الرقم.
يبدو الحديث عن كسر الأرقام منفصلًا عما تتداوله وسائل الإعلام والسوشيال ميديا من أخبار عن البعثة التي ترتبط جميعها بأزمات متتالية، مثل أزمة منتخب كرة القدم، وأزمة لاعبة الدراجات شهد سعيد، إضافة إلى أزمة البطلين عمر عصر لاعب تنس الطاولة والسبّاحة فريدة عثمان، غير أن العريان اعتبر ذلك كله طبيعيًا ولن يُؤثر على مشوار البعثة.
بينما يرى العريان أن "منتخب كرة القدم هو الأكثر تضررًا، مع استمرار بطولة الدوري المحلي، ورفض الأندية التفريط في لاعبيها".
أزمة نجوم وتنظيم
رفضت الأندية، خاصة الأهلي وبيراميدز، السماح للاعبيهم فوق السن بتمثيل المنتخب في الأولمبياد، الأمر الذي أدى إلى خسارة المدير الفني للمنتخب، البرازيلي روجيرو ميكالي، ثلاثة لاعبين فوق السن ممن وضعهم على رأس اختياراته، فضلًا عن عدم تمكنه من ضم النجوم المحترفين في الخارج مثل محمد صلاح من ليفربول ومصطفى محمد من نانت الفرنسي، للسبب ذاته.
لم تكن هذه الأزمة الوحيدة للمنتخب الذي تأجل سفره بعد تأخر التقديم على تأشيرات دخول فرنسا. كان مقررًا دخول المنتخب معسكرًا مغلقًا بمدينة بوردو الفرنسية، قبل المغادرة إلى مدينة نانت استعدادًا لمبارياته الرسمية في 24 من يوليو/تموز الجاري في مواجهة منتخب الدومينيكان.
"دول نسيوا يطلعولهم تأشيرات لباريس" علّق رضا عبد العال الناقد الرياضي لـ المنصة على أزمة المنتخب الأولمبي لكرة القدم، مستبعدًا تحقيق نتيجة إيجابية في ظل هذه الأزمات.
اتحاد الكرة فرط في حقوق المنتخب
الناقد الذي اشتهر بتنبؤاته لأداءات المنتخبات الوطنية، يرى أن المقدمات تؤدي للنتائج "مفيش معسكرات إعداد ومفيش تجهيزات ولا مباربات ودية كفاية خاضها المنتخب. ومفيش راحة للعيبة اللي بتشارك في المعسكرات وفي الدوري مع أنديتها في نفس الوقت".
يُحمِّل عبد العال اتحاد الكرة المصري مسؤولية ما يحدث للمنتخب الأولمبي "لو فيه حد هيتحاسب يبقى اتحاد الكورة واللي فرطوا في سمعة مصر وحقوق منتخب ما خدش أي دعم يؤهله لنتايج كويسة".
يُرجع المشكلة الأساسية في ضم اللاعبين إلى استمرار منافسات الدوري المحلي "غالبية دوريات العالم انتهت في مايو، الأندية مش غلطانة إنها مش عايزة تفرط في اللاعبين بتوعها"، واصفًا مشاركة اللاعبين فوق السن، أحمد سيد زيزو ومحمد النني مع المنتخب بـضيوف الشرف، وأنها جاءت اضطرارية بعد رفض أندية المحترفين التفريط في لاعبيها، على رأسهم محمد صلاح ومصطفى محمد.
بينما اعتبر الناقد الرياضي ماهر غريب أن أزمة المنتخب الأولمبي تعكس مشهد وحال الرياضة في مصر، يقول لـ المنصة "يدفع المنتخب حاليًا ضريبة سوء التنظيم والإدارة التي تسببت في تلاحم المواسم، لينتهي الدوري المحلي هذا العام تزامنًا مع بداية الدوريات الجديدة في غالبية دول العالم".
أزمة شهد سعيد
على نطاق أوسع، أثار إعلان الاتحاد المصري للدرّاجات اختيار اللاعبة شهد سعيد ضمن البعثة المشاركة في الأولمبياد طوفانًا من الانتقادات على السوشيال ميديا بمجرد ظهورها بزي البعثة، بالرغم من توقيع جزاء عليها باستبعادها من المنافسات المحلية بعد تعمدها إسقاط زميلتها في نهائي الجمهورية للدراجات.
تحولت الأزمة لقضية رأي عام، ما أدى إلى تدخل رسمي من وزارة الشباب والرياضة التي أرسلت خطابًا للجنة الأولمبية المصرية لإعادة دراسة موقف مشاركة اللاعبة وفقاً للوائح المحلية والدولية، قبل أن تصدر اللجنة الأولمبية المصرية قرار استبعاد اللاعبة من البعثة المتجهة إلى باريس.
شهد سعيد دفعت ثمن خطأ الاتحاد وحدها
يعلق الأمين العام للجنة الأولمبية المصرية "خطأ إداري يتحمل مسؤوليته الاتحاد"، يوضح العريان أن الخطأ نتيجة عدم إدراك لقواعد الاتحاد الدولي التي تنص على أن الإيقاف المحلي يستوجب إيقافًا دوليًا في الوقت نفسه.
يعتبر العريان أن شهد سعيد هي الوحيدة التي دفعت ثمن الخطأ "كان يجب معاقبة المسؤول الذي ترك الأمر 4 شهور دون قرار حاسم ورادع، خاصة وأن العقوبة التي صدرت بحقها كانت في أبريل (نيسان) الماضي، كان يجب حسم أمر مشاركتها من عدمه بشكل نهائي".
أزمة استعدادات
امتدت الأزمات إلى اتحاد التنس، وكشف عمر عصر لاعب منتخب تنس الطاولة عن مشاكل إدارية "كارثية". وقال إن الاستعداد كان متواضعًا "دفعت من جيبي تكاليف الإقامة والطيران بجانب سفر المدربين للمشاركة في البطولات الدولية".
أوضح عصر الذي حقق إنجازًا بتأهله لدور الثمانية في أولمبياد طوكيو 2020، عدم إرسال اسمه في الموعد المحدد للاتحاد الدولي للمشاركة في بطولة بمدينة بانكونك، وفوجئ في المطار بأن اسمه ليس مدرجًا على قائمة المشاركين في البطولة، التي اعتبرها مهمة من أجل رفع مستواه وتصنيفه قبل الأولمبياد.
كما يشكو اللاعب الدولي من عدم وجود مدرب في بطولة سماش السعودية، وعدم عقد معسكر تدريبي للفريق منذ أكثر من عام.
مع الضجة التي أثارها المصنف الـ22 عالميًا، تدخل وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي ليُعلن في مداخلة تليفزيونية تواصله مع اللاعب شخصيًا، وحَل جميع مشاكله.
بينما يهاجم شريف العريان اللاعب "يتحجج بكلام فارغ ويستعمل شماعة لتبرير فشله"، مندهشًا من توقيت إثارة الأزمة قبل أيام قليلة على انطلاق المنافسات، التي من شأنها أن تؤثر عليه وعلى باقي زملائه في منتخب تنس الطاولة.
فيما اعتبر الناقد الرياضي محمد البُرمي أن عمر يدفع ثمن التخبط الإداري في الرياضة المصرية، يقول لـ المنصة "مالقاش غير التجاهل وعدم الاهتمام على مدار الـ4 سنين الأخيرة، حتى بات يجاهد للحصول على أبسط حقوقه ومتطلباته".
أزمة تفسير لائحة
تمتد يد الإهمال لتطول بطلة السباحة المصرية الأشهر، فريدة عثمان، التي أعلنت عدم مشاركتها في منافسات أولمبياد باريس 2024، عبر صفحتها على فيسبوك "ببالغ الأسف ولأسباب خارجة عن إرادتي، أعلن أنني لن أكون ضمن بعثة مصر المشاركة في الدورة الأولمبية بباريس".
أرجعت اللاعبة فشل تأهلها للأولمبياد، لتأثرها بالمشاركة في أكثر من منافسة على غرار بطولة العالم بالدوحة، ودورة الألعاب الأفريقية بغانا، بطلب من الاتحاد المصري للسباحة، إضافة إلى خطأ في تفسير بنود لائحة التأهل للأولمبياد بواسطة الاتحاد المحلي.
بدأت الأزمة عندما لم تتمكن اللاعبة من تحقيق الرقم التأهيلي/A CUT للمنافسات مباشرة بفارق جزئين من الثانية، ما جعلها تنتظر بطاقة الدعوة التي توجهها اللجنة الأولمبية الدولية للأبطال العالميين، والذين يُقدر عددهم بنحو 48 لاعبًا ولاعبة، لا سيما وأنها صاحبة الرقم الأعلى في تصنيف B CUT.
تأهل زميلها في المنتخب مروان القماش الذي يتنافس في سباقات الـ800 و1500 متر، للأولمبياد ما فتح الباب أمامها للحصول على الدعوة، وهو القرار الذي أبلغها به اتحاد السباحة.
غياب الخبرة ينتج عنه أخطاء في منتهى السذاجة
غير أن الاتحاد لم يدرس جيدًا بنود منح الدعوة للاعبة، التي تتضمن شروط عدم المشاركة في أي دورات أولمبية سابقة عن طريق الدعوة وأن يكون اللاعب صغير السن.
لم تنطبق الشروط على فريدة بسبب السن، كما أنها سبق وشاركت في أولمبياد لندن 2012 بدعوة، وبالتالي أبلغ الاتحاد الدولي نظيره المصري عدم تأهلها.
بقدر ما يعكس ذلك تهاون الاتحاد المصري في التعامل بجدية مع متطلبات الاتحاد الدولي، فإنه يكشف عن عدم وجود خطة تساعد اللاعبة العالمية على تحقيق الرقم المطلوب للتأهل.
الأخطاء الإدارية إلى أين؟
وفي تفسيره لهذه الأزمات المستمرة، يرى البرمي أن المشكلة الدائمة ليست في اللاعبين أو الألعاب بقدر كونها في الأخطاء الإدارية وتقصير وزارة الشباب والرياضة في متابعة أداء الاتحادات الرياضية المختلفة، معتبرًا أنها السبب الرئيسي وراء الأزمات التي طفت على السطح في الأسابيع الأخيرة.
ويؤكد الناقد الرياضي أن مصر تعاني في مجال علم الإدارة الرياضية، الذي لا يلقى اهتمامًا بالقدر الكافي، حيث إنه علم يجب دراسته بشكل مستفيض. إلا أن الغالبية التي تدير المنظومة الرياضية غير مؤهلة لذلك، سواء لعدم حصولهم على العلم بالقدر المناسب، أو غياب الخبرة، ما ينتج عنه أخطاء "في منتهى السذاجة".
ويتساءل الناقد الرياضي، ما أهمية المشاركة بأكبر بعثة أولمبية دون تحقيق نتائج على قدر التطلعات، منتقدًا عدم تنظيم الاتحادات الرياضية المُشاركة في الأولمبياد مؤتمرًا صحفيًا للكشف عن أهدافها بالمنافسات المقبلة، التي تخوضها تحت مبدأ "إن شاء الله نجيب ميدالية".