تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
بينما لا تحتسب الفيفا العديد من أهداف حسام حسن للمنتخب، يقترب محمد صلاح من اقتناص لقب هداف منتخب مصر التاريخي.

معضلة الهداف التاريخي لمنتخب مصر

منشور الجمعة 3 تشرين الأول/أكتوبر 2025

من المعلوم بالضرورة أن محمد صلاح يقترب من عدد الأهداف الدولية لحسام حسن، وحالما يتجاوزه سيصبح الهداف التاريخي للمنتخب المصري. "الأرقام" تقول إن حسام هو أكثر من سجل أهدافًا بقميص منتخب مصر؛ 68 هدفًا، في حين أصبح سجل صلاح حتى الآن 61 هدفًا، أي أنه مطالب بثمانية أهداف أخرى ليعتلي العرش. فهل الأمر كذلك؟

أهداف مهدرة

في البداية، دعنا نتحدث عن معيار اختيار الهداف، وهو يبدو للوهلة الأولى بديهيًا، إذ إن الأمر يختلف عن لقب "أفضل لاعب" مثلًا، لأن الأفضلية نسبية وتخضع لوجهات النظر المختلفة، ومن الممكن الحديث عن مائة صفة يتفاضل فيها اللاعبون كالمهارة والإنجازات وحجم التأثير والاستمرارية.. إلخ. نحن نتحدث عن "الهداف" فإما أن تسجل هدفًا فيحتسب لك أو لا تسجل، الأمر بسيط إذن.

غير أن المتابع لتاريخ الكرة في مصر والعالم يعرف أن الأمر ليس كذلك، فما يتحدثون عنه هو فقط الأهداف التي "تعترف" بها فيفا، وتطبيق هذا الاعتراف بأثر رجعي على أزمان وأحداث لم تكن معايير الاعتراف ظهرت بعد، بما يعني حذف الكثير والكثير والكثير من مسيرات لاعبين سابقين، وإضافة الكثير للاعبين آخرين، وهذا هو ما يهمنا في المقام الأول.

أصبح هناك خط فاصل بين المنتخب الأولمبي والمنتخب الأول

مثلًا، لا تعترف فيفا بالمسابقات الأولمبية، فهي لا تجري تحت مظلتها، من ثم فإن كل ما جرى في تصفيات الأولمبياد، أو نهائياتها أو دورات الألعاب الإفريقية مثلًا، كأنه لم يكن. قد يكون هذا مفهومًا منذ التسعينيات، عندما أصبح هناك خط فاصل واضح بين المنتخب الأولمبي والمنتخب الأول، فالأولمبي صار شبيهًا بمرحلة سنّية إلى حد ما، لكنْ ماذا عن الماضي؟

حتى دورة سيول 1988، كنا نخوض التصفيات والنهائيات الأولمبية بمنتخبنا الأول، ولم يكن هناك أدنى فارق بين المنتخبين. في تصفيات لوس أنجلوس مثلًا عندما واجهنا منتخب الجزائر وصعدنا على حسابه، كان الأمر مطابقًا لتأهلنا عبرهم إلى كأس العالم 1990، لا فرق.

كان ذلك امتدادًا لعشرات السنوات التي خضنا فيها غمار المنافسة الدولية الأعرق (الأولمبياد) كمنتخب مصر الأول، وعبر الأزمان الطويلة مثّلنا لاعبون شاركوا ومنهم من سجل أهدافًا، غير أن فيفا التسعينيات قررت أن هذا التاريخ "لا يعتد به". هكذا ببساطة.

أجيال تُظلم

لا يقتصر الأمر على المنافسات الأولمبية، فهناك العديد من المسابقات "الرسمية" التي خاضها منتخب مصر عبر تاريخه، لم تحظ بقبول الاتحاد الدولي لكرة القدم لاحقًا، أي بعد انعقادها بعقودٍ طويلةٍ، مثل كأس الصداقة، وبطولات دورة البحر الأبيض المتوسط، وغيرهما من المنافسات التي كنا نخوضها باسم منتخب مصر بل كنا نفضل بعضها أحيانًا على المنافسات المعروفة حاليًا، وبعضها مباريات ومسابقات مجيدة كانت في وقتها من الأهمية بحيث تضارع أقوى المنافسات حاليًا، كل هذا شطبوه بجرة قلم، كأن اللاعبين لم يبذلوا قطرة عرق في أيٍّ منها.

تصل المفارقة إلى مداها، عندما نعرف أن البطولات العربية مثلًا، بعضها حظي باعتراف فيفا وبعضها لم يحظَ، فالنسخة التي أقيمت 2021 معترف بها ونتائجها مسجلة وأهدافها محتسبة، بينما كأس فلسطين 1972 على سبيل المثال غير محتسبة مع أن النسختين من تنظيم الاتحاد العربي، بل إن الاتحاد العربي نفسه لم يكن يحظى بالاعتراف حتى دخلت قطر في الصورة.

https://www.youtube.com/watch?v=_tcuxuFWVGk

لا يقتصر الأمر على المنافسات أو المسابقات أيًّا كان نوعها أو منظمها، فهناك جزء كبير من تاريخ أي لاعب اسمه "المباريات الودية". هذه المباريات لم تكن تجري تحت مظلة فيفا أو تنظيمها حتى التسعينيات، ومع إشرافها وتنظيمها، وحصولها على عائدات، من تلك المباريات صارت تحتسب.

عند استعراض أهداف حسام حسن مع منتخب مصر، نجد أن أكثر من نصفها، حرفيًا، مسجل في مباريات ودية، سواء كانت تجري استعدادًا للبطولات الكبرى، أو حتى لقاءات احتفالية مثل كأس ملك تايلاند، أو كأس السنة القمرية الجديدة، ولو احتسبنا له فقط ما سجله في مسابقات رسمية فإنها لن تزيد عن الـ30 هدفًا بكثير.

الطريف أن حسام حسن يشكو من أمر ما، فعندما سئل عن شعوره إزاء اقتراب محمد صلاح من إزاحته على عرشه، قال إن أهدافه مع المنتخب 83 هدفًا وليس 68، أي أن هناك 15 هدفًا سجلها غير محتسبة. بالتدقيق نجد أن كلام حسام حسن لا يخلو من الصحة، فهناك على الأقل 10 أهداف سجلها ولم تحتسبها فيفا (طبقًا لإحصائي الشخصي) فلماذا حدث ذلك؟

الإجابة، ببساطة، لأن الأهداف المذكورة سجلها الهداف الكبير في مباريات أو منافسات لم تجر تحت إشراف فيفا، مثل هدفه في المنتخب السوفيتي 1991، الذي لا يختلف مطلقًا عن هدفه مثلًا في النرويج 1998، كلتاهما مبارتان وديتان، لكنها الفيفا.

حسنًا! فلنأخذ شكوى حسام حسن بعين الاعتبار، ونحتسب له الأهداف الملغاة، ماذا إذن عن أجيال وأجيال وأجيال خاضت مباريات ودية، وسجلوا أهدافًا، والفيفا حتى لم تحتسب لهم بعضها وتحذف بعضها، بل تعاملت مع كل هذا كأنه والعدم سواء.

ذاكرة الملاعب

مرة أخرى، لا يعنينا مطلقًا اسم الهداف التاريخي للمنتخب، بل ما نفكر فيه هو مفهوم "تاريخ المنتخب" ذاته، هذه الطريقة تمحو من الذاكرة أجزاء معتبرة ومهمة من قصتنا وحكايتنا مع الكرة ومع الحياة. رجل عجوز مثلي يتابع الكرة باهتمام منذ مطلع الثمانينيات، ماذا أفعل بما حققناه مثلًا في دورة لوس أنجلوس 1984، تصفيات ونهائيات؟ ماذا أفعل بدورة الألعاب الإفريقية 1987 التي حصلنا على كأسها؟

ماذا عمن سبقوني وعاصروا السيد الضظوي وعبد الكريم صقر وحسن الشاذلي وغيرهم وغيرهم، وانفعلوا وتفاعلوا مع إنجازاتهم وأهدافهم فيما خاضوه من لقاءات؟  

هل يجدر بنا أن نخترع آلة زمن، ونعود إلى تلك اللحظات التي عشناها، وننبه أنفسنا عندما كنا صغارًا؛ لا تفرح! فهذا الماتش لا تعترف به الفيفا؟

ماذا نفعل بـالتاريخ؟