تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
نادي الترسانة

شواكيش العمال التي كانت تطرق الملاعب

منشور الجمعة 1 أغسطس 2025

نشأت كرة القدم في مصر لعبةً للأفندية من المصريين والأجانب؛ طلبة المدارس والمدارس العليا، الموظفون والمهندسون. هكذا كان النادي الأهلي والمختلط، والسكة الحديد لمهندسي الشركة، وفي الإسكندرية نادي النجمة الحمراء الذي سيتحول إلى نادي الموظفين قبل أن يصبح النادي الأوليمبي، أينما وُجدت الكرة ارتبطت بالأفندية.

لكن ماذا عن العمال؟

في عام 1812، يصدر محمد علي باشا مرسومًا بإنشاء الشركة العامة لورش الري (الترسانة) لبناء السفن الحربية، والقيام بكافة أعمال الري والصرف، وصناعة الأهوسة وتطهيرات نهر النيل.

كلمة ترسانة من الكلمات التي تشكَّلت بمزج اللغات. بمعنى أن أصلها عربي، فعندما دخل العرب مجال السفن والأساطيل، أطلقوا على المكان المخصص لإنشاء الأسطول "دار صناعة"، دون إضافة صناعة السفن. وكما نعلم، فحرف العين المنطوق في العربية ليس منطوقًا في غيرها، لذا عندما انتقلت الكلمة إلى لغات أخرى حُذف آخرها، فأصبحت درصنا، ثم ترسانة. وبالإنجليزية أصبحت آرسنال.

شركة الترسانة لعبت دورًا كبيرًا في السلم وفي الحرب، عسكريًا ومدنيًا، لتداخلها الجذري مع ركني الحياة في مصر: الجيش والنيل. الأول تمده بالأسلحة والمعدات، والثاني تسهم في كافة المشاريع المتعلقة به، فكانت من أهم الشركات في مصر، وهي الأقدم في حدود علمي.

ثم دخل الإنجليز مصر عام 1882، أصبحت الشركة الكائنة في بولاق أبو العلا تحت أيديهم، ليتوالى على إدارتها ضباطٌ من الجيش البريطاني. وكما نعلم، أينما حلَّ الإنجليز جاءت معهم كرة القدم، وشركة الترسانة لم تكن استثناءً.

هكذا أصبح العمال يقضون بعض وقتهم في لعب الكرة على أرض فضاء في محيط الشركة اسمها أرض "كاش"، وبدأت أفئدة من الجمهور تهوي، وأصبحت فقرة المباريات ثابتة في المنطقة، لكن لم يكن هناك "فريق" معين، ولا حتى فرق من العمال تتنافس فيما بينها. لعب بلا هدف ولا ترتيب، عمال يلعبون وجمهور يشاهد وفقط.

صراع علي الكرة بين حسن الشاذلي وميمي الشربيني في مباراة بين الأهلي والترسانة

الميجور سلاوتر، أحد الضباط الإنجليز الذين تولوا إدارة الشركة، كان صاحب رؤية فيما يتعلق بكرة القدم التي تعلَّق بها، ويبدو أنه استلهم تجربة نادي ويستهام، المملوك لشركة تايمز آيرون ووركس لصناعة السفن والمعدات الحديدية. وكلنا نعلم أن ويستهام يلقبون بالمطارق، أي الشواكيش.

تأسس نادي الترسانة عام 1921. لكن ماذا كان يدور في ذهن سلاوتر هذا؟ الواقع أنه كان يسعى لتأسيس نادٍ بمقومات كاملة؛ أرض، منشآت، أدوات، أهداف، خطط، لكن الأهم هو الجمهور.

يذكر البعض كيف استقطب سلاوتر جماهيرَ للترسانة في وقت قليل، لكن ما أراه أنه لم يكن بحاجة للاستقطاب، كان فقط يحتاج توصيل النادي لجماهيره المحتملين. أهمية الترسانة وقتها إنه كان "نادي العمال"، بالتالي فجمهوره المحتمل هم العمال، وكان سلاوتر واعيًا بهذا، وبالفعل أصبح عمال كثر يشجعون النادي، وصار له ظهير شعبي في وقت قياسي.

ولكن هل يعني ذلك أنه الترسانة كان ناديًا كادحًا؟

الإجابة لا. فإذا كان أي عمال يحتاجون إدارة، وإذا كان شرطًا لتلك الإدارة أن تكون احترافية، فهكذا النادي. جمهوري من العمال؟ نعم، لكن على إدارة النادي أن تراعي الجانب الاقتصادي، لذلك كان الترسانة من أوائل الأندية التي فكرت في "الاحتراف"، وربما النادي الأول.

حسنٌ! إنها مبادئ الاحتراف البدائية، وهي بعيدة تمامًا عن الاحتراف التي نعرفه اليوم. لكن الفلسفة واحدة؛ اللاعبون يلعبون بمقابل.

هذه التركيبة جعلت لاعبي النادي أميل للخشونة. الخشونة لا العنف، والفارق كبير بينهما؛ الخشونة تعني حدة بدنية وقوة في الالتحامات، إنما العنف يعني الأذى، وهذا أمر آخر. لاعبو الترسانة لم يكونوا تلاميذ مدارس، بل عمال. وخشونتهم تلك ورثها لاعبو الفريق جيلًا بعد جيل، فأصبحوا هم أيضًا شواكيشَ على غرار ويستهام.

في سنوات قليلة، أصبح الترسانة واحدًا من أندية القمة، والضلع الثالث من أندية العاصمة مع الأهلي والمختلط ولا يقل عنهما مطلقًا. وفاز ببطولات، وأصبح اسمه رنانًا داخل مصر وخارجها.

عندما نقول خارجها في ذلك الزمن البعيد، فنحن نتحدث عن أمر شديد الصعوبة، وقتها لم تكن هناك فرصة طبيعية للاحتكاك بالكرة خارج القطر، بل حتى داخل القطر كله. لم تكن هناك بطولات دولية للأندية، ولم يكن ممكنًا تنظيمها، بل إنه حتى لم تكن هناك منافسات قارية، إذن كيف نقول داخل مصر وخارجها ونحن في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين؟

كان الأمر يعتمد على الصلات بالخارج، وكان هذا بدوره بحاجة إلى الثقل قبل الأموال. وفي سنة 1930، نقرأ عن جولة أوروبية أجراها فريقُ الترسانة لكرة القدم، تضمنت ألمانيا والمجر ويوغسلافيا، والتقى هنالك أندية كبيرة.

ظلت البعثة حريصة دائمًا على توضيح أن من يلعب المباراة ليس منتخب مصر، بل نادي الترسانة باتفاق مع هذا النادي أو ذاك. وربما تكون أهم مباراة خاضها الفريق في تلك الجولة أمام نادي هامبورج، وانتهت بالتعادل بهدفين لكل فريق. وبشكل عام كانت نتائج الفريق مع أندية أوروبا الثقيلة وقتها ممتازة.

كان يومًا ما لدينا نادٍ للعمال، ثم تغيرت الدنيا، غير أن هذا يحتاج حديثًا مستقلًا.