تصميم أحمد بلال، المنصة، 2025
أم كلثوم وكرة القدم

أم كلثوم وكرة القدم ومباريات المصارعة

منشور الجمعة 7 مارس 2025

في حواره مع أم كلثوم، سألها المذيع الفنان سمير صبري "لو ما كُنتيش أم كلثوم، كنتي تتمني تبقي إيه؟" فأجابته على الفور: حارس مرمى النادي الأهلي. كان هذا قُبيل وفاتها، والواقع أن تلك الإجابة كان لها أن تمر مرور الكرام، على غرابتها، لولا أن لها ظلالًا في علاقة الست بكرة القدم، بل والرياضة بشكل عام.

المُتفق عليه أنها كانت مهتمة ومشجعة لكرة القدم، لكن هناك أسئلة عن النادي الذي كانت تشجعه؟ وإلى أي مدى كان اهتمامها؟ وهل اقتصر على كرة القدم أم امتد لرياضات أخرى؟

في محاولة العثور على الإجابة، نبدأ بالسؤال الأول، وقد يكون بديهيًا أنها أهلاوية، على الأقل من إجابتها لسمير صبري. لكن هذه الإجابة لم تكن المصدر الوحيد للمعلومة، فلدينا شهادة فكري باشا أباظة عن علاقة ثومة بالقلعة الحمراء، تلك الشهادة التي قدمها في أسبوع وفاتها، معلنًا أن رحيلها أصابه بالمرض لصداقتهما المعروفة، وإن أحاطت شكوك ببعض المعلومات التي ذكرها أباظة.

مثلًا، يقول إنها عضوة بالنادي منذ 1916، وهذا يبدو مستبعدًا. فحينها لم تكن انتقلت بعد للحياة في القاهرة، حيث تركت قريتها طماي الزهايرة في السنبلاوين عام 1922، وليس متصورًا أنها اتصلت بالنادي لتنال عضويته وهي ما زالت هناك. ربما خانت الباشا ذاكرته، أو وقع خطأ مطبعي وكانت العضوية عام 1926 مثلًا.

سبب آخر يدعو للشك في معلومة 1916 أن السجلات الرسمية لأم كلثوم، طبقًا لدفاتر المواليد بطماي الزهايرة، تقول إنها مواليد 1904. أعرف أن هناك شكًا في صحة هذه السجلات، لكني أميل لتصديقها، وعلى الأقل هذا ما سُجّل في الورق. أي أن عمرها في الوقت المذكور كان 12 عامًا، على الورق، والنادي لن يستخرج لها شهادة عضوية في هذه السن.

عجيبة أم كلثوم لم أعرف لها اهتمامًا سطحيًا بأي شيء حتى المصارعة

على أي حال، شهادة فكري باشا المنشورة في مجلة الأهلي 7 فبراير/شباط 1975، بعد وفاتها بأربعة أيام، تحمل الكثير من الدلالات على أن علاقتها بالنادي تتجاوز كونها مجرد إحدى عضواته، إلى أنها من كبريات مشجعاته. كما حمل العدد الاحتفائي إشارات أخرى لكونها كانت تتابع نتائج المباريات، وتمنح مكافآت لمن ينقل لها خبر فوزه.

جانب آخر من علاقتها بالأهلي يتمثل في إجابة السؤال الثاني الذي طرحناه في بداية المقال، عن مدى اهتمامها بالكرة، ونجده في كتاب تذكاري صدر عن النادي الأهلي عام 1973، وفيه صفحة عن الكرة النسائية بالنادي. يستعرض الكتاب أسماء لاعبات الفريق الذي يدربه ساحر الكرة عبد الكريم صقر، ثم يوضح أن فريق الكرة هذا ينظم مباريات تقام في النادي منذ عام 1936، كثيرًا ما تولت تحكيمها "السيدة أم كلثوم"!

توليها التحكيم إنما يعني عمق معرفتها بالرياضة وانخراطها فيها، فهي على الأقل تعرف قوانينها وعناصرها. والمهم في سياقنا هذا أنها كانت عضوة ومشجعة وممارسة للرياضة في جانب منها، وكل ذلك من خلال النادي الأهلي.

محمد لطيف يكتب عن أم كلثوم في العدد الخاص من مجلة الإذاعة والتليفزيون، 8 فبراير 1975

لكن، لدينا أيضًا ما يقول إنها كانت مشجعة لنادي الاتحاد السكندري، فعند وفاتها نجد مقالًا للكابتن محمد لطيف في مجلة الإذاعة والتليفزيون بعنوان "لماذا الفستان الأخضر؟"، لا يشير مطلقًا إلى أهلاويتها بينما يدلل على أنها من كبريات مشجعات سيد البلد.

يتحدث لطيف في المقال ليس فقط عن التشجيع المعنوي، إنما كذلك عن دعمها المادي للنادي، خصوصًا قبل النكسة وتحوّل الدعم كله للمجهود الحربي. فحتى مدرجات الملعب حصل عليها النادي من عائد حفلاتها المقامة خصيصًا للغرض نفسه، وكانت ترتدي فيها فستانًا أخضر بلون قميص الاتحاد السكندري.

اللافت أن مجلة الأهلي في عددها الذي حمل شهادة فكري باشا أباظة، نشرت مقالًا طويلًا للديبة، هداف الاتحاد السكندري التاريخي، يذكر تفاصيل هذا الدعم، ويحدد عام 1960 بدايةً لتلك الحفلات، ويوضح سياقها.

ففي ذلك العام كان على الاتحاد توسعة مدرجات ملعبه، وحصل من وزارة الشؤون الاجتماعية، التي كانت الأندية تابعة لها آنذاك، على خمسة آلاف جنيه، وكان شرط الدعم أن يُخصص النادي ضعف المبلغ الممنوح لتتم عملية التوسعة، وإلا سحبت الوزارة المبلغ المخصص للدعم.

ذهب وقتها مجلس إدارة النادي إلى أم كلثوم، التي قررت أن تمد يد العون، وكان 16 يونيو/حزيران 1960 تاريخ أول حفلة تقيمها الست لصالح الاتحاد، وقد درّ الحفل مبلغ 4 آلاف جنيه كجزء من المبلغ المطلوب، ثم تكررت الحفلات في السنوات التالية، قبل أن تتوقف مع النكسة، وكان آخر حفل أقامته لهذا الغرض في 1966.

نشر مقال الديبة في مجلة الأهلي يدل على أن شهادة لطيف لم تأت من فراغ، وإن كان يشير إلى أن النادي السكندري كان اختيارها الثاني في التشجيع بعد النادي الأهلي.

على أن هناك ما يشير إلى أن علاقة الست بالرياضة تمتد من كرة القدم إلى رياضات أخرى، فهناك تذكرة تعود إلى الثلاثينيات نشرتها جريدة الأخبار وقت وفاة أم كلثوم، لسماع الآنسة ومشاهدة مباراة في المصارعة بين البطلين عبد الحليم بك المصري والمسيو جورج قردرمان بتياترو الماجستيك. تذكرة واحدة لحضور الحدثين.

ربما ينصرف الذهن إلى أنه ليس من الضروري أن يكون الارتباط نابعًا من ثومة ذاتها، فقد يكون هذا نظام التياترو، لكن عندما نقرأ في الخمسينيات، تحديدًا 1957 في جريدة الجمهورية، أن أم كلثوم تتحمل نفقات منتخب المصارعة في معسكر تدريبي يقام بأوروبا على مدار 25 يومًا، فإننا سنرجّح أن علاقتها باللعبة تتجاوز نظام تياترو الماجستيك.

عجيبة أم كلثوم، لم أعرف لها اهتمامًا سطحيًا بأي شيء، حتى المصارعة.