تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
النساء وكرة القدم

سقوط نظرية "ع المطبخ".. ستات بتفهم في الكورة

منشور الخميس 17 يوليو 2025

تألَفُ الأذن صوتَ مدحت شلبي وهو يردد جملته الشهيرة "يا نهار أبيض"، ويحفظ الجمهور إفيهاته. ويعرف الجميع حتى من غير المتابعين لكرة القدم نبرة صوت المعلق التونسي عصام الشوالي المميزة، لكن ماذا لو رافق صوت امرأة لقطاتٍ من مباراة لكرة القدم؟ كيف سيكون استقبال الجمهور؟

في الأغلب سيستقبلها بعبارات من قبيل "هو فيه بنت بتفهم في الكورة؟"، "سيبوا الكورة للرجالة!"، "ع المطبخ يلا"، وغيرها من التعليقات التي تستهدف صانعات المحتوى الرياضي الكروي اللاتي دخلن المجال شغفًا، وعانين في سبيل ذلك من تحيز وتمييز وإساءة. 

رفاهية الاختيار

شيماء عادل، 33 سنة، صانعة محتوى وصحفية، دخلت صناعة المحتوى الكروي، مدفوعةً بحب الساحرة المستديرة، تصنع فيديوهات على السوشيال ميديا ويشاهدها الآلاف، واجهت في البداية عقبات كونها امرأة تتحدث في الكرة. 

"بدأت وقت كورونا، 2020، لأني بحب كرة القدم والرياضة بشكل عام، في البداية قابلتْ صفحة فيسبوك بتاعتي تحديات كتيرة من المتابعين اللي ما تقبلوش بنت تتكلم في الكورة أو حتى تقول إنها بتفهم فيها، وتحلل كمان الأداء"، تقول صاحبة المُشجع التي يتابعها 180 ألف على فيسبوك لـ المنصة. الإصرار وحده كان المحفز لشيماء على الاستمرار "أنا جيت هنا -تقصد القاهرة- من اسكندرية واستقريت عشان أكمل، معنديش رفاهية الاختيار".

لقطة من فيديو لـ شيماء عادل من صفحتها على فيسبوك "المشجع"

وعلى العكس من دائرة العمل، كانت دوائر شيماء الأخرى مثل عائلتها وزملائها تشجعها على الاستمرار ولولاهم لما استمرت في تقديم محتواها الذي تلقاه الجمهور في بدايته بتعليقات من قبيل "بصي إنتي كويسة لكن أنا مش متقبل إنه تقدم المحتوى ده بنت".

كما لم تخلُ التعليقات من الجملة الشهيرة "روحي على المطبخ"، و"دي كانت التعليقات المؤدبة إنما كانت في شتايم قذرة"، كما تصفها شيماء.  ورغم انتمائها وعشقها للنادي الأهلي، فإنها هوجمت من مشجعي الأهلي، إضافة إلى جماهير الزمالك، واستغرقت سنوات حتى تقبلها الناس وباتوا على استعداد لمتابعة ما تقدمه وينتظرون محتواها الذي تحرص على أن يكون خاليًا من "التحفيل" أو "الأخبار"، ويعتمد أكثر على تحليل الأحداث الرياضية الكروية. 

تفيد دراسة للمرصد المصري للصحافة والإعلام عن العنف والإساءة الإلكترونية ضد الصحفيات والإعلاميات (2024) بأن التحرش والملاحقة الإلكترونية والتمييز والتنمر والاختراق والتتبع والتهديد والتمييز أكثر الانتهاكات التي تقابلها الإعلاميات والصحفيات عبر الإنترنت بسبب عملهن ولكونهن نساء.

شيماء تتذكر واحدةً من أصعب تجارب العمل في برنامج تليفزيوني مع "كابتن كورة معروف"، وتصفها بأنها تجربة صعبة ومريرة؛ تعلل ذلك بأن "رئيس القسم كان متحفظ وتقليدي، وضد المرأة، خاصة الأهلاوية"، تتذكر أنه هاجمها قبل أن يطّلع على عملها بمجرد أن التقاها، واستمر عنفه ضدها من خلال التضييق عليها.

تدرج شيماء ما عانته في مجال عملها بالتحليل الرياضي تحت "الهيمنة الذكورية" بالأخص على هذا المجال، "كانوا بيتعاملوا معايا باعتبارهم أعلى مني وفاهمين أحسن مني"، قبل أن تستدرك "مع إن محدش كان بيعمل أداء أكثر مني، وكنت بجيب سكوبات للبرنامج؛ لكن عمرهم ما قالوا لي برافو عليكي إيه الشطارة دي! كان فيه رجالة في الفريق أقل مني في المستوى وبياخدوا تقدير أكتر مني".

ويكشف تقرير أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا في أغسطس/آب 2023 أن 12% فقط من أعضاء اللجان التنفيذية للاتحادات الوطنية لكرة القدم من الإناث و9% من الحكام إناث؛ بينما 5% من المدربين فقط إناث، ورغم ضآلة النسب فإن فيفا يعتبرها بارقةَ أمل على تشجيع النساء لدخول مجال كرة القدم على مستويات عدة.

الخروج من ظل هياتم

بتشجيع من أهلها، أقدمتْ الصحفية مروة المتولي، 33 سنة، على تقديم محتوى عن كرة القدم، ومثلها مثل شيماء واجهت تعليقات من قبيل "ع المطبخ، ومن امتى البنات بتفهم في الكورة، وسخافة فوق الوصف، حتى لو رأيي صح ومتفق معايا رجالة كتير، لكن شايفين نفسهم هما بس اللي بيفهموا"، تقول لـ المنصة.

في بادئ الأمر، كانت تتأثر مروة، مشجعة الزمالك، بالتعليقات السلبية، لكنها أدركت أنه مهما كنت مُقدم محتوى "شاطر" ستتعرض لتعليقات سلبية بغض النظر عن الجنس، فـ"قررت أتجاهل الشتايم، رغم إنها بتأثر فيا شوية"، هذا في مقابل حرصها على ألا تتأخر في الرد على التعليقات المُستفهمة أو النقد الإيجابي الذي يحثها على التطور.

وتتعرض 64% من الصحفيات للإساءة الإلكترونية، وتتنوع تلك الإساءات بين التهديد بالقتل أو الاغتصاب أو الإهانة أو التحقير من العمل أو التعليقات الجنسية أو إرسال صور فاحشة أو التنمر حسب استطلاع رأي عالمي نشره الاتحاد الدولي للصحفيين IFJ في العام 2018. 

الصورة النمطية المتجذرة عن النساء في عالم كرة القدم تُختَزل في الإثارة

لم تقف التعليقات السلبية وحدها في طريق مروة للعمل بالمحتوى الرياضي، لكنها تتذكر بعضًا مما لاقته في عام 2014 مع بداية عملها بالصحافة الرياضية، "كنت كل ما أقابل لاعب يحذرني من باقي اللاعيبة إنهم بيتراهنوا على البنات وبيعملوا عليهم حوارات"، فقررت ألا تغطي الأحداث الكروية كي لا تحتك باللاعبين. 

تتقاطع تجربة مرورة مع الصورة النمطية المتجذرة عن النساء في المجال الرياضي، التي تختُزل في الإثارة  كما جسّدتها الفنانة هياتم في فيلم غريب في بيتي

هذا بالإضافة إلى الإيمان بذكورية اللعبة وذكورية تحليلها، وهو ما يعبّر عنه اليوتيوبر عمرو شوقي، "الكورة في دمنا لعبناها وإحنا صغيرين اللي ملعبش في نادي لعب في الشارع، عارفين يعني إيه أرقص وأرفع وأباصي، فلما يجي راجل يحلل كورة هيفهم فيها حتى لو مش دارس لأنها حياته؛ لكن أغلب البنات ما عاشتش الحياة دي".

"بس هل معنى كده إنه مفيش بنات تعرف تعمل ده؟ لأ، في صانعة محتوى اسمها منة هيكل محتواها جميل وجذاب بس مش بتحلل، وزملكاوية والناس بتحبها فا تقدر البنات تصنع محتوى"، بشرط يضعه بحسم "بس مش أي محتوى"، يقول شوقي لـ المنصة.

ويعود صاحب محتوى الأرض كروية لنظرته الذكورية تجاه عمل المرأة في التحليل الرياضي، بتأكيده أنه ربما يكون هناك صانعات محتوى يقدمن الأخبار بطريقة ترفيهية، "لكن صعب الستات يبقوا محللات كرويات ويقدموا تحليلات معمقة تقنعني، ده مجال الرجالة". 

جيل جديد

لقطة من فيديو على صفحة سارة محسن على تيكتوك تعلق فيه على أداء لاعب

نما حساب سارة محسن، 30 سنة، عبر تيكتوك إلى أكثر من 170 ألف متابع في عام، وتحظى بأكثر من 2 مليون إعجاب لمحتواها، ومن خلاله تتابع وتحلل وتناقش الأخبار والأحداث ومباريات كرة القدم.

على عكس ما يراه عمرو شوقي، لا تؤيد سارة أن الكرة مجال ذكوري، فهي نشأت على حب الكرة منذ صغرها وعملتْ في أكثر من مكان وحققت نجاحات مهنية وقدمت تغطيات لبطولات عدة.

"اتربيت على حب الكورة. بابا كان دايمًا بيتفرج على الماتشات وورثت حبها منه ومارستها كمان وأول ما اتخرجت اشتغلت في BBC، كنت بغطي بطولات وقابلت اللاعيبة اللي كنت بتفرج عليهم فى التليفزيون، وعملت معاهم حوارات وأثبت نجاحي في سن صغيرة، مش مجرد إني شكلي حلو فالناس بتتفرج عليا"، تقول سارة لـ المنصة.

رغم نجاحاتها، فإنها تتذكر بداية عملها في قناة الأهلي حيث كانت تواجه انتقادات من المتابعين لمجرد أنها امرأة "أنا لقيت إنه في رجالة بتهاجمني عشان أنا بنت والمفروض إني مفهمش في الكورة رغم إني أحيانًا ببقى بتكلم عن حاجة هو مش عارفها أو فاهمها"، لكن هذا الخوف لم يستمر سوى بضعة أشهر "بقيت عارفة إن الجمهور هينتقدني عشان أنا ست".

تشير سارة محسن إلى أن الجملة الشهيرة التي تقال للنساء اللاتي يتحدثن عن كرة القدم "ع المطبخ" لا ترتبط بمصر والعالم العربي فقط لكنها مفهوم عالمي مشهور باسم Go to The Kitchen، مؤكدة على أنها لا تعير هذه الجملة انتباهًا، وفي كل مرة وُجّهت إليها اختارت أن تتجاهلها.

بالعكس فكثيرًا ما انقلب التمييز ضد سارة من المتابعين الذين يفضلون محتواها، لتظهر تعليقات من قبيل "يالا يا رجالة إحنا ع المطبخ نعمل كيكة عشان هي طلعت أجمد مننا وبتفهم في الكورة عننا".

لا يختلف الأمر كثيرًا  في ستوديوهات التحليل بالقنوات الرياضية، فظهور المرأة مذيعة أو محللةً لمباريات كرة القدم استثنائي، مثل المحللة الإماراتية نورا المرزوقي، وفي مصر ينحصر ظهور النساء في دور مذيعة الربط، أو أن تتنافس مذيعتان في مساحة محدودة. فعقدة التفوق الذكورية لا تسمح لأنثى بالتفوق في مجال كرة القدم إلا إذا تصرفت مثلهم أو بدت في مظهرها كالرجال ليحظين بنفس المكانة والقبول.

لكن شيماء عادل لا تقبل التحفيل على لاعب أو نادٍ، ولا تتحدث سارة محسن بخشونةٍ. ليمثلن نماذج قادرة على اقتحام منطقة كانت حكرًا على الرجال.