لم تكن الكرة المصرية في حاجة إلى أزمة جديدة تضاف إلى سجل أزماتها الدولية في الفترة الأخيرة، وذلك بعد تحذيرات الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين/فيفبرو من تعاقد اللاعبين الأجانب مع أندية مصرية، بسبب تكرار المشكلات الخاصة بالمستحقات المالية، وتصعيد أكثر من ملف إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم/فيفا، والمحكمة الرياضية الدولية.
جاء البيان الصادم من فيفبرو، محذرًا اللاعبين الأجانب من الانتقال لأندية مصرية، ليضع كل أطراف الأزمة في مأزق، ما بين أندية واتحاد اللعبة. خصوصًا أن القضايا والشكاوى المعروضة أمام كل من المحكمة الرياضية الدولية وغرفة فض المنازعات بالفيفا بلغت مداها، وأصبحت بعض الأندية المصرية من بين الضيوف دائمة الحضور لدى تلك الجهات، من أجل إيجاد حل لمشاكل مستحقات لاعبين ومدربين سابقين.
وبعيدًا عن اتحاد الكرة المصري الذي اكتفى ببيان يعبر عن "الانزعاج"، فإن الأزمة تبدو أعمق وأكبر من مجرد تحذير من جهة تهتم بالأساس بحقوق اللاعبين على مستوى العالم.
أشيمبونج ورفاقه
ربما لا تكون تحذيرات فيفبرو، التي صدرت مطلع يونيو/حزيران الجاري للاعبين الأجانب من الانتقال لأندية مصرية، ملزمة لأي لاعب. إلا أنها سلطت دائرة ضوء كبيرة على أزمة تفاقمت بشكل واضح مؤخرًا، علاوة على ما تم رصده من تجاوزات تتمثل في "مساومة" الأندية للاعبيها الذين يريدون إنهاء التعاقد بأن يتنازلوا أولًا عن مستحقاتهم في سبيل منحهم أبسط حقوقهم؛ وهو جواز السفر الذي يخول لهم الرحيل.
ولعل أزمة الغاني بنجامين أشيمبونج، لاعب الزمالك السابق، من أبرز مشاكل المحترفين التي ظهرت في السنوات الأخيرة.
تقريبًا لا تذكر جماهير القلعة البيضاء للاعب الغاني غير هدفيه في مرمى الاتحاد عام 2017. لكن اللاعب نفسه يذكر ما هو أكثر منهما، فهو لم يتسامح في مستحقاته المتأخرة البالغة 180 ألف يورو، رغم إنهاء الزمالك للتعاقد معه وديًا، قبل أن يتبين لاحقًا أنه لم يتنازل عن مستحقاته.
وقبل أشيمبونج، كان هناك البرازيلي هندريك هليمكه، لاعب الأهلي السابق الذي انضم إلى الفريق الأحمر في 2014. ورحل أيضًا دون بصمة إلا إرث من المشاكل لدى الاتحاد الدولي، وشكاوى ضد النادي سعيًا للحصول على مستحقات متأخرة، إذ كان يحق له مليون دولار. وبعد اللجوء للفيفا، تم الاتفاق على تقسيط المبلغ ليُسدل الستار على الأزمة قبل أشهر قليلة.
المثير هو ما قاله هليمكه في تصريحات تليفزيونية قبل أشهر عدة، عندما أكد أنه تلقى بعض العروض من أندية مصرية وعربية بعد رحيله عن الأهلي. لكن الأندية كانت تخشى من التعاقد معه، خوفًا من الاصطدام بالقلعة الحمراء، كونه من بين لاعبين قلائل قرروا تصعيد أزماتهم معها إلى الاتحاد الدولي، وعدم التنازل عن مستحقاتهم مثلما حدث مع لاعبين أمثال النيجيري جونيور أجايي، والأنجولي جيرالدو، والكونغولي والتر بواليا، والموزمبيقي لويس ميكيسوني، الذين تتم تسوية مستحقاتهم من خلال إعارتهم لأندية أخرى.
وربما تتوافق تصريحات هندريك وأشيمبونج مع ما ندد به فيفبرو، المعني بالأساس بمصلحة اللاعبين وحقوقهم، حيث أن الاستمرار لسنوات من أجل الحصول على مستحقات مالية يمثل نقطة سوداء لدى أي نادٍ، ومن ثم ينسحب الأمر على الكرة المصرية ككل.
ماذا عن اتحاد اللعبة؟
يؤكد وليد العطار المدير التنفيذي لاتحاد الكرة، أنه لا يجب أن يشار إلى الاتحاد المصري بأصابع الاتهام في تلك الأزمة، مشددًا في الوقت نفسه على أن مجلس إدارة الاتحاد لم يصمت أمام اتهامات فيفبرو.
وأصدر الاتحاد المصري بيانًا ندد فيه بتلك الاتهامات دون إشارة إلى اتخاذه أي خطوات أخرى تجاه الأمر، كذلك لم يشر العطار في تصريحاته إلى المنصة إلى أي إجراءات مستقبلية للاتحاد في ذلك الملف، مكتفيًا بوصف بيان الجبلاية بأنه "قويًا" للرد على ما رأه مزاعم لفيفبرو، لافتًا أنه على اطلاع بما يحدث من قضايا مماثلة في اتحادات أخرى عربية وأفريقية، وقضايا لدى الفيفا من جانب بعض اللاعبين والمدربين. لكن اتحاد اللاعبين المحترفين لم يصدر بيانًا مماثلًا يحمل كمّا من التحريض، على حد وصفه، للاعبين الأجانب بالحذر من الانتقال لأندية هذه الدول.
وتبدو الأزمة أكبر وأعمق من حرب البيانات، سواء من رابطة الأندية المصرية أو اتحاد الكرة، تجاه جهة رياضية دولية ترنو في الأساس للحفاظ على حقوق اللاعبين، والتزام الأندية بتعاقداتها، بحسب مجدي عبد الغني، رئيس جمعية اللاعبين المحترفين المصرية، الذي يرى أن كثرة الشكاوى من جانب لاعبين أجانب ضد الأندية مصرية هو ما دفع لتلك التحذيرات تجنبًا لما يحدث من خروقات للتعاقدات.
عبد الغني، الذي كان عضوًا سابقًا باتحاد الكرة، قال أيضًا في تصريحات إلى المنصة، إنه كان من المتوقع أن تصل الأمور لذلك الحد طالما أن اتحاد الكرة ليس له سلطة على الأندية فيما يخص التعاقدات وعدم الالتزام بها، بجانب لجوء المحترفين الأجانب للفيفا مباشرة، نظرًا لعدم التوصل لحلول مع اتحاد الكرة المصري للحصول على مستحقات سابقة.
وأوضح أنه سبق وأن عرض بروتوكول تعاون مع اتحاد الكرة بشأن حفظ حقوق اللاعبين وجعلها أولوية، لكن لم يتم تفعيله.
من جهة أخرى يحمِّل مسؤول سابق بنادي الزمالك إدارات الأندية الخطأ، فبعضها لا سيما المشهور منها، تلجأ أمام ضغوط المشجعين لعدم الالتزام بتعاقداتها مع لاعبين أجانب لا يقدمون المستوى المأمول، ومن ثم تتراكم الغرامات والمستحقات على النادي ويصبح الأمر بمثابة كرة الثلج المتدحرجة.
ويشير المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، وكان قريبًا من دائرة اتخاذ القرار بناديه، في تصريحات إلى المنصة، عن سبب يراه رئيسيًا في تلك الأزمات، وهو التحايل من جانب بعض إدارات الأندية من أجل عدم الالتزام ببنود التعاقد مع اللاعبين الأجانب، وفسخ التعاقدات ما يترتب عليه أن يلحق الضرر بالنادي.
وأشار إلى أن بعض الأندية توقّع عقوبات عشوائية وخصم من المستحقات على اللاعبين الأجانب دون لائحة مالية تدعم ذلك، وهو ما يضع النادي في مأزق عند لجوء اللاعب الأجنبي للفيفا، حيث يستجيب الاتحاد الدولي للشكاوى من هذا النوع بسرعة، ويقر بأحقية اللاعب بالحصول على مستحقاته كاملة ما لم يكن هناك سند قانوني يدعم أي خصم من مستحقاته.
أما وكيل اللاعبين سالم محمد سالم، فيرى أن اتحاد الكرة كان يتوجب عليه أن يلزم الأندية باللعب المالي النظيف، بحيث تتناسب مداخيلها مع مصروفاتها، بما لا يدع مجالًا لعدم الالتزام بمستحقات لاعبين أجانب أو حتى محليين.
وأضاف، سالم في تصريحات إلى المنصة، أن اتحاد الكرة في تعامله مع مديونيات الأندية، ينتهج سياسة الموائمات، إذ أن قراره الأخير بحرمان أي نادٍ لديه مديونيات لدى الاتحاد من المشاركة في الدوري، تم العدول عنه سريعًا وتعديله بأن يتم جدولة هذه المستحقات.
ولفت سالم إلى أن الجدولة هي الأسلوب المتبع بالفعل من جانب اتحاد الكرة لتحصيل مديونيات الأندية، لكن الأزمة تكمن في عدم التزام غالبية الأندية بالسداد لفترة طويلة.
ويستشهد سالم بنموذج الكرة المغربية، التي يعدها أكثر انضباطية فيما يخص إجبار الأندية على الالتزام بمستحقات اللاعبين والمدربين، لافتًا إلى أنه سبق أن تم حرمان نادي اتحاد طنجة في 2019 من قيد 8 لاعبين دفعة واحدة لحين سداد مستحقات سابقة. الأمر الذي يضرب مثلًا على دور اتحاد اللعبة في تحقيق الانضباط المالي للأندية، ومن ثم التناغم مع متطلبات فيفبرو بشأن حقوق اللاعبين، حسب قوله.
فشل الحلول الودية
قضية الناميبي بينسون شيلونجو، لاعب الإسماعيلي السابق، واحدة من الأزمات الطازجة في ذلك الملف. فرغم أنه رحل عن الإسماعيلي منذ موسمين، فإن مستحقاته لدى النادي لا تزال متأخرة.
يوضح شيلونجو للمنصة أنه كان يأمل أن تسير الأمور وديًا دون اللجوء للفيفا، لافتًا إلى أنه لم يقرر التصعيد للاتحاد الدولي إلا بعد أن ضاقت به السُبل للحصول على مستحقاته، التي تزيد عن 200 ألف دولار، بشكل ودي.
اللافت أن النادي الإسماعيلي نفسه كان ضحية قرار من الاتحاد الدولي بخصم 3 نقاط من رصيده كعقوبة على تأخر سداد مستحقات إحدى الصفقات. وهي العقوبة التي تجنبها نادي الزمالك بعدما وجد نفسه في وضعية مماثلة من حيث مستحقات لاعبين ومدربين سابقين، إذ أن لائحة الاتحاد الدولي تغيرت وبدلًا من خصم النقاط، يُحرم النادي من قيد لاعبيه وهو ما حدث بالفعل مع الأبيض.
بالكلام يا حبيبي بالكلام
يملك مجدي عبد الغني نظرة متشائمة تجاه أزمة تحذيرات فيفبرو التي يرى أنها لن تجد حلًا في القريب، وربما تسير نحو الأسوأ، لا سيما أنه لا يجد في منظومة الكرة المصرية من يرغب في إيجاد حلول جذرية، تجعل العلاقة بين اللاعب وناديه أكثر احترافية، حسب قوله.
وبخلاف اتحاد اللعبة الذي اكتفى ببيانه المندد فإن أي جهة أخرى سواء الأندية أو رابطة الأندية لم تشرع في اتخاذ خطوات جادة للتدخل لحل الأزمة، أو البحث عن سبيل للحد من ظاهرة الشكاوى المتكررة للاعبين الأجانب لدى الفيفا والمحكمة الرياضية الدولية.
يبدو الواقع الحالي، وفق ما هو مطروح، أن ثمة مناخًا طاردًا للاعبين المحترفين يسيطر على الدوري المصري، بما يعزز فكرة تصنيفه كواحد من الجهات غير المُفضلة للأجانب، في وقت يتهافت فيه نجوم العالم على الانتقال لدوريات عربية أخرى، مثل الدوري السعودي الذي ارتفعت قيمته السوقية بشكل قياسي. ورغم ذلك يبدو أن الوضع سيبقى على ما هو عليه.