النادي الأهلي، فيسبوك
لاعبو النادي الأهلي يحتفلون بتتويج فريقهم بلقب الدوري الخامس والأربعين، 28 مايو 2025

الدوري الحائر المليء بالأندية

منشور الجمعة 6 يونيو 2025

انتهى موسم الدوري المصري 2024-2025 نهاية فاسدة.

توصيف "فاسدة" هنا ليس وجهة نظر، إنما هو تقرير لحالة لم تُنتِج ما تتنافس عليه الأندية: الفوز باللقب وتجنب الهبوط. فمن جهة تقرر إلغاء الهبوط دون الاستقرار على شكل المسابقة في الموسم الجديد، ومن جهة ثانية يلقي نزاع قضائي بين الأهلي وبيراميدز ظلالًا على هوية حامل اللقب وإن حُسِم الأمر رسميًا بتسليم الدرع للأهلي.

من السهل القول إن مجاملة هذا النادي أو ذاك هي السبب في تلك الأزمات المتتالية، غير أنه بتأمل الأحوال يتبين أن هذا ليس مربط الفرس ولا بيت القصيد، إنما يحدث ما يحدث لعيوبٍ في التنظيم، تنشأ عنها أحداث خارج الملعب أكثر مما يحدث داخله. من هنا تبدأ نزاعات يغلب عليها الطابع العرفي وشراء الخواطر وإحداث التوازنات، وتخرج جميع الأطراف بلا رضا، ونصل إلى النهايات الفاسدة.

صورة نشرها نادي بيراميدز على فيسبوك بعد فوز فريقه بآخر مباريات الدوري موسم 2024/ 2025 وكتب في شرحها "الحقيقة لن تمحى.. بيراميدز رقم واحد"، 29 مايو 2025

عيوب التنظيم التي نتحدث عنها عديدة لكن يبقى أولها وأهمها وأكثرها تأثيرًا هو "الحمل فوق الطاقة"، و"عدم مراعاة الطاقة الاستيعابية"، وهو مرض مزمن منذ انطلاق المسابقة في 1948 حتى الآن.

عندما تقرَّر تنظيم دوري عام كان هناك ما يشبه الإجماع على أن المسابقة لن تتحمل تنافس أكثر من ثمانية أندية، بالنظر للقدرات المادية ووسائل السفر والإقامة وقتها. هذا الاتفاق يتضح من سعي المسابقة منذ يومها الأول للوصول إلى هذا الرقم لمواسم متتالية، لكن هذا الرقم الذي يتفق عليه الجميع لم يحدث ولو مرة واحدة.

كل موسم تقريبًا بدأ باتفاقٍ وانتهى على غيره. كان عدد الأندية في الموسم الأول 11، أما الموسم الذي تلاه فلُعب بعشرة أندية. واستمر ذلك عدة مواسم حتى عاد إلى 11 ناديًا، ثم 14، ثم 16، حتى عدنا مرة أخرى لعشرة أندية، واستغرق هذا ما بقي من الأربعينيات وعقد الخمسينيات بالكامل.

في مطلع الستينيات بدا أننا قادرون على تنظيم مسابقة من عشرة أندية، فقرر اتحاد الكرة رفع العدد في موسمين استثنائيين ودوري مجموعات، قبل أن نستقر على 12 ناديًا، أي أعلى من الطاقة الاستيعابية بناديين.

عبر تلك الأيام كانت الشكوى الدائمة من عدم انتظام المسابقة وازدحام الجدول وكل ما نسمعه اليوم من مشكلات. الأمر ليس جديدًا بل متكرر وبالنبرة نفسها.

لن نتتبع المسار موسمًا فموسم، لكن في كل مرة نصل إلى القدرة على تنظيم البطولة بعدد، نتخذ قرارًا بزيادته، حتى وصل العدد منذ عدة مواسم إلى 18 ناديًا، وهو ما يفوق قدراتنا على التنظيم وإنهاء موسم بلا مطبات، فنعيش كل سنة موسمًا استثنائيًا بطريقة أو بأخرى.

عندما نقول إن مسابقة تضم 18 ناديًا تفوق قدراتنا، نسمع ونقرأ من يقول ويكتب إن الدوري الإنجليزي مثلًا يضم 20 ناديًا، وهو مثال في الانضباط. من يروج لهذا لا يراعي فوارق عديدة ليس فقط بين مصر وإنجلترا، لكن بين إفريقيا وأوروبا، حيث المسافات قريبة ووسائل السفر مريحة وجودة الملاعب بل وجودة اللاعبين كذلك مرتفعة، ناهيك عن أسعار عقودهم وحجم رواتبهم. نحن نتحدث عن إمكاناتنا نحن وفقًا لارتباطاتنا وقدراتنا.

دوري يضم 18 ناديًا يعني 34 جولة، إضافة إلى المسابقات المحلية الأخرى، ثم الالتزامات القارية والتوقفات الدولية. هذا يعني أن لاعبي الفرق التي تخوض المنافسات وتضم دوليين مطالبين بخوض أكثر من 70 مباراة في السنة، وهو رقم مستحيل إذا كنت ستتنقل في ربوع إفريقيا من تنزانيا إلى جنوب إفريقيا والمغرب ثم أبو قير للأسمدة.

بعد مواسم عديدة تبيَّن للجميع انعدام القدرة، ولكن بدلًا من اتخاذ القرار السليم بتخفيض عدد الأندية ليصبح 14 كحدٍّ أقصى، لجأ المسؤولون إلى نسخة مشوهة من بطولة دوري تفتقد أبسط أساسيات المنافسة، لا تواجه فيه جميع الأندية بعضها البعض ذهابًا إيابًا، وادَّعوا أنها "تجربة بلجيكية"، وهي ليست كذلك.

ما حدث هذا الموسم مسابقة يشوبها عوار واضح، فعقب انتهاء مباريات الدور الأول ينقسم الدوري إلى درجتين لا مجموعتين، الخلاف ليس في الاسم بل في طبيعة المنافسة، فهناك أندية تخوض الدور الثاني بلا هدف مثلا حرس الحدود وفاركو في الدرجة الأعلى وزد في الدرجة الأدنى. كما أن الأندية لا تتساوى في عدد المباريات التي تخوضها على ملعبها وخارجها.

يمكن الكتابة بلا توقف عن فساد شكل الدوري وعدم مطابقته لقواعد المنافسة الطبيعية وتكافؤ الفرص، ناهيك طبعًا عن القرعة وآلياتها، وغيرها من الأمور التي استندت إليها الأندية وهي تطالب بجرأة أن يلغى الهبوط أو غيرها من الأمور التي آلت إليها المسابقة.

نتيجة ما حدث هذا الموسم ستمتد لعدة مواسم مقبلة، فإلغاء الهبوط لا يعني إلغاء الصعود، وهو ما يؤدي بداهة لزيادة عدد الأندية مجددًا. وإذا كنا عاجزين عن تنظيم مسابقة تضم 18 ناديًا بشكل طبيعي، فإن العجز سيزيد عندما يصبح العدد 21 أو 22 ناديًا، وهو ما يعني البحث عن مساحة أوسع من "التأليف" في شكل المسابقة، ومن ثم ثغرات أوسع، لا يعلم إلا الله مداها، ومدى ما تسببه من فساد.

والنتيجة!

النتيجة المزيد من إهدار الوقت والجهد في تجربة ترقيعات لمرض واضح له علاج محدد؛ دوري من 14 ناديًا يقام مثل دوريات العالم بنظام الدورين، بالتالي يمكننا وضع لوائح واضحة وتنظيم قرعة بآليات محددة، بشكل لا يسمح بتفسير أو تأويل أو إعادة تأويل أو منازعات لا تخص المستطيل الأخضر.

لا يمكن وضع قواعد لمسابقة لا تجد الوقت الكافي لأداء استحقاقاتها ولعب مبارياتها بانتظام، لا يمكن، فحتى يقتنع الوسط الرياضي بهذا، علينا أن نستمتع بالعك الحصل، لأن العك الحقيقي لم يبدأ بعد، فاربطوا الأحزمة.