في البدء، لم تكن إفريقيا هي الامتداد الطبيعي لمنافسات كرة القدم المصرية.
دعنا نعود بالأمور إلى أصولها؛ كرة القدم لعبة تنافسية، ولا يكتمل وجودك من دون وجود منافس يتحدد حجمك ووزنك مقارنة بحجمه ووزنه. من هنا تنشأ ثنائيات الديربي وتروج مصطلحات "المنافس التاريخي" و"الغريم التقليدي"، وغيرهما من العبارات التي تشير إلى طرفين محددين في سياق منافسة دائمة.
في بداية القرن العشرين، كان الهاجس المصري عمومًا هو الاستقلال، بالتالي شغلت أوروبا الحيز الأكبر من التفكير في المجال العام. انعكس ذلك بطبيعة الحال على نشاط كرة القدم الناشئ، الذي نظر إلى هذا الأوروبي باعتباره خصمه في المنافسات الخارجية، تمامًا مثلما تتشكل منافسات الداخل بناء على تفاعلات اجتماعية، ربما تناولناها في سياق آخر.
شارك منتخب مصر في الأولمبياد قبل تأسيس اتحاد الكرة المصري، بل قبل استقلال البلد نفسه عن بريطانيا، ثم ذهب إلى كأس العالم. لكن المسابقات الدولية لم تكن كافية، فهاتان المسابقتان تقامان كل أربع سنوات كما نعلم. من هنا، نشط المصريون في اختراع منافسات مع الأوروبيين.
في العشرينيات، حرصت الأندية المصرية على تنظيم رحلات لأوروبا، تقام فيها مباريات كانوا يسمونها "حِبِّيَّة". ورغم الكلفة العالية للسفر والإقامة والتدريب هناك؛ رأينا جولات ناجحة للاتحاد السكندري والأهلي والترسانة. والأخير بالذات كانت جولته من القوة التي جعلت منافسيه هناك يعتقدون أنهم يواجهون المنتخب المصري لا مجرد نادٍ.
ثم كانت هناك استضافة المنتخبات والأندية الأوروبية لمواجهات تقام في مصر سواء للمنتخب أو الأندية، تنال من الاهتمام والشعبية ما يفوق المسابقات الرسمية بمراحل، حتى إنه كان يحدث كثيرًا تأجيل، أو إلغاء، مسابقة محلية أو إقليمية من أجل لقاء مع فريق قادم عبر البحر الأبيض المتوسط.
فوق كل ذلك، نشطنا في اختراع مسابقات خارج إطار فيفا، مثل كأس الصداقة، ودورة البحر الأبيض المتوسط، وكل ما يجعلنا نواجه الأوروبيين. لذلك لم يكن مستغربًا أن نواجه إيطاليا رسميًا مرتين؛ في القاهرة وروما، في تصفيات كأس العالم 1954، بدلًا من مواجهة أحد منتخبات قارتنا الإفريقية.
تأسس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم 1957، وكانت مصر ضلعًا من أربعة أضلاع شكّلوا الاتحاد، صاروا ثلاثةً بعد فترة وجيزة مع استبعاد جنوب إفريقيا. لكن لم يكن هناك حماس شعبي لتلك المنافسات، ولنتأمل الوضع أثناء تنظيم السودان النسخة الأولى لكأس الأمم الأفريقية في عام تأسيس الكاف، من خلال تغطية جريدة الأهرام.
يوم المباراة الأولى بين مصر والسودان، كانت الإشارة للقاء في بضعة أسطر ليست في صدر الصفحة، وفي اليوم التالي زادت الأسطر قليلًا، وتغير مكانها، ربما بسبب فوزنا باللقاء. غير أن الحديث في بقية الصفحة كان عن زيارات الفرق الأوروبية مصر في وقت البطولة، بل إن لاعبي الأهلي لم يشاركوا في البطولة انشغالًا بزيارات من بوخارست وبرلين وغيرهما.
إذن، النظر لأوروبا باعتبارها الامتداد الطبيعي لمنافسات كرة القدم، بدأ مع نشأة الكرة المصرية نفسها، ولم يتغير بتأسيس الأفارقة اتحادهم للعبة، وظل ممتدًا حتى مع انطلاق مسابقات الكاف للأندية في 1964، فلم تتحمس الأندية المصرية للمشاركة حتى في نسخها الأولى.
في 1964، كان يحق للترسانة أن يكون أول نادٍ مصري يشارك في كأس الأندية البطلة الذي نعرفه اليوم باسم دوري أبطال إفريقيا. لكن الشواكيش لم يهتموا بما فيه الكفاية، ولم يشاركوا. وفي العام التالي جاء دور الزمالك في تجاهل البطولة، رغم نشاط القلعة البيضاء وقتها في استضافة الأندية الأوروبية، وعلى رأسها الزيارة الشهيرة لنادي وستهام الإنجليزي.
وحتى المشاركة الأولى المسجلة رسميًا، وكانت للنادي الأوليمبي في نسخة 1967، لا يمكن النظر إليها باعتبارها رغبة في المنافسة على المستوى القاري، لكنها تعلقت أكثر برغبة رئيس النادي الفريق أول سليمان عزت، قائد البحرية المصرية، في جعل الأولمبي أول نادٍ يمثل الجمهورية العربية المتحدة في منافسات رسمية أيًا كانت.
على أي حال، لم تكتمل مشاركة الأوليمبي بسبب الحرب التي جمَّدت النشاط برمته، بعد أن خاض الفريق ثلاثة لقاءات فقط، كانت ضد ناديين من السودان وإثيوبيا، نفس البلدين اللذين واجهنا منتخبيهما في النسختين الأولى والثانية لكأس الأمم الإفريقية. وبما أن البلدين جاران يشتركان معنا في حوض النيل، لا يمكن اعتبار مواجهتهما "منافسة قارية" بالمعنى الواسع.
أما أول من نظر إلى القارة السمراء كمنافس في كرة القدم، فكان المعلم عثمان أحمد عثمان.
ظهر "المعلم" في المجال العام من خلال "الشركة الهندسية للصناعات والمقاولات"، التي فازت بمناقصة لبناء السد العالي، ثم أُمِّمت جزئيًا، فكليًا، وصار اسمها "المقاولون العرب" في وقت تسمية كل شيء بـ"العربي"؛ الجمهورية العربية، التليفزيون العربي، وحتى منتخب مصر كان اسمه "المنتخب العربي".
المهم، نشطت شركة المقاولون العرب تحت قيادة عثمان أحمد عثمان في إفريقيا على مستويات رفيعة وحجم تعاملات ضخم جدًا. ونظرًا لمجالها في الإنشاءات وما يرتبط بها، كان طبيعيًا أن تتداخل مع كافة مناحي الحياة، من هنا حدث استثناء لتوقف نشاط الكرة.
كان عثمان أحمد عثمان أيضًا، وبحكم انتمائه، رئيس النادي الإسماعيلي. والإسماعيلي هو بطل آخر نسخة أقيمت في الدوري المصري قبل التجميد. ومع اقتراب انطلاق نسخة 1969 من كأس الأندية البطلة، ضغط لمشاركة الدراويش في البطولة القارية التي توُّج بها في النهاية.
شكَّل تتويج الإسماعيلي باللقب الإفريقي الأول لمصر في 9 يناير/كانون الثاني 1970، نقطة التحول الكبرى في طريقة نظرنا للمنافسات الإفريقية. وفي الطريق إلى لحظتنا الحالية التي تصنع فيها المشاركة في هذه البطولات والفوز بها المجدَ، مررنا بمنعطفات عديدة، يستحق كل منها وقفة قادمة إن كان في العمر بقية.