انطلق الدوري المصري عام 1948، أي أننا نعيش الموسم رقم 76 في رحابه، باحتساب ما أقيم وما لم يُقَم، وما اكتمل وما أُلغي بعد أن بدأ، ومن هذه المواسم، عشنا 75 موسمًا استثنائيًا. والموسم الاستثنائي، أعزك الله، هو الذي لا تنتظم فيه المسابقة، ولا تسير حسب ما خُطط له في البداية.
هذا الرقم (75 من أصل 76) ليس مبالغةً، ولا نقوله على سبيل المبالغة الساخرة، إنما هو رقم دقيق وفقًا لما سارت عليه الأحداث وفرضته الظروف في كل مرة شهد الدوري فيها تأجيلات وتغييرات وتعديلات في النظام لننتهي إلى غير ما بدأنا به، عدا موسم واحد فقط، نذهب إليه بعد قليل.
قبل الحديث عن ذلك الموسم العجيب، لنقل بأمانة إن السبب في عدم انتظام المسابقة الأم للكرة المصرية لا يعود إلى ضعف أو فساد القائمين على الكرة، بالعكس، صدقًا نقول إن القائمين على الأمر يستحقون الإشادة لأنَّ المواسم تكتمل بالأساس، على أيِّ نحو لا يهم، المهم أنها تكتمل، وتلك معجزة كبرى.
لماذا إذن يحدث ما يحدث؟
أولًا، لا يمكن لأحد معرفة أو تحديد الارتباطات الخارجية للمنتخبات والأندية ولا مواعيدها، فكثيرًا ما نعلم هذه الأمور قبل قليل من موعد الاستحقاق. مثلًا؛ الموسم الماضي شارك الأهلي في كأس العالم للأندية فجأةً دون أن يكون له مكان بالفعل، فصار لدينا نادٍ يتعين عليه الغياب عن المشاركات المحلية والقارية لأربع مباريات كاملة، مما استلزم تعديلات واسعة في البرنامج القاري، ومن ثَمَّ تعديلات واسعة إجبارية في البرنامج المحلي.
عاد الأهلي هذا الموسم ليشارك في دوري السوبر الأفريقي الذي تحدد برنامجه فجأة، فتكرر الأمر على نحو أعنف، لأن المباريات الأربع التي غاب خلالها الأهلي جرت في ثلاث دول لا دولة واحدة، ثم إنها تزامنت مع كأس الأمم الإفريقية، ما يزيد الوقت الذي يغيب فيه اللاعبون إجباريًا عن المنافسات المحلية.
إذا عدنا في الزمان لأيِّ موسم أيًا كان، عدا الموسم الاستثنائي المنتظم، فسنجد ارتباطًا ما لم يكن مدرجًا ومحددًا قبل فترة كافية. فالبطولة الإفريقية الأم للمنتخبات من الوارد أن يتغير مكان أو زمان إقامتها بعد الإعلان عنهما، وكذا بطولات الأندية التي تشهد تعديلات واسعة وجذرية كل فترة وجيزة، ولهذا حديث يطول.
وقبل تأسيس الاتحاد الإفريقي 1957، لم تكن البطولات الخارجية منتظمة، وربما اتسع المجال لاحقًا للعودة إلى تفاصيل ذلك.
عندما نسمع كل عام أن هذا "موسم استثنائي"، نتذكر على الفور الموسم الاستثنائي الوحيد
هذا بالإضافة إلى عدم انضباط الجمعية العمومية لاتحاد الكرة، وهذا إرث أكبر من قدرة أحد على تجاوزه، إذ يستلزم تحديد معايير واضحة مثل ملكية الأندية وطبيعة علاقتها بالدولة وعناصرها من مجالس إدارتها ولاعبيها، وأمور كثيرة لم تكن محددةً منذ النشأة، فأصبح من الصعب إقرار جمعية عمومية لها معالم محددة. ومن ثم ليس بوسع أحد اتخاذ قرارات مصيرية كعدد أندية الدوري العام، بل يخضع الاتحاد دومًا لضغوط الأندية، وطوال الوقت تكون المسابقة أضخم من القدرة على تنظيمها.
ثم تأتي الجماهير. فالأندية، خصوصًا الأهلي والزمالك، تعتمد على قاعدة جماهيرية عادةً ما تكون ضاغطةً، ومع كل تعديل "إجباري" تثور الحملات ضد الاتحاد ولجنة المسابقات، مع اتهامات جاهزة بالمحاباة والمجاملة لهذا النادي أو ذاك، مما يستلزم دومًا الحرص على توازن كان من الممكن تجاوزه، لكن "اشمعنى" التي تبرز بمناسبة وبغير مناسبة تزيد صعوبة الأمر في كل مرة.
حسنٌ، يحدث هذا في كل موسم منذ انطلاق المسابقة، فالنسخ الثلاث الأولى ارتبكت لعدم القدرة على إقامة المسابقة بالعدد الذي قرره الاتحاد، نتيجة ضغوط الأندية، ثم إن النسخة الرابعة لم تقم من الأساس لانشغال منتخب مصر في أولمبياد هلسنكي 1952، أو هكذا أعلنوا. وهكذا وصولًا إلى عامنا هذا باستثناء موسم 2004-2005، الذي جرت فيه الأمور، ويا للعجب، كما خطط لها.
ماذا حدث حينها؟
في مصادفة قدرية كونية، خلت الأجندة الخارجية للأندية والمنتخبات من أي عراقيل، ففي أبريل/نيسان 2004، أي نهاية موسم 2003-2004، خرجت جميع الأندية المصرية المشاركة في البطولات الإفريقية من كل المسابقات، في تزامن نادر من الأدوار التمهيدية: خسر الأهلي من الهلال السوداني، والزمالك من الجيش الرواندي، والإسماعيلي من الملعب التونسي.
خروج جميع الأندية المصرية من هذا الدور المبكر جعل أقرب مشاركة لأي نادٍ مصريٍّ في إفريقيا ليست قبل ربيع 2005 مع انطلاق منافسات الموسم الإفريقي الجديد. لا مرحلة مجموعات، لا سفر، لا طائرات تتعطل، ولا مشاركة في سوبر إفريقي، ولا أي مفاجأة تربك الجدول.
ثم تزامن ذلك مع خلو أجندة المنتخب في الفترة نفسها. فكأس الأمم الإفريقية القادمة في 2006 كانت ستستضيفها مصر، ما يعني أنَّ المنتخب المصري لن يخوض تصفياتها. كما فقد المنتخب المصري مبكرًا فرصة المنافسة على مقعد في كأس العالم 2006، بعد الخسارة من كوت ديفوار ثم ليبيا، والتعادل مع بنين.
كان هذا يعني أن المنتخب لم يعد مضطرًا للمشاركة في مناسبات خارجية، إنما أصبحت لديه الفرصة لتخطيط برنامجه كما يحلو له، أو كما يحلو لاتحاد الكرة، دون ضغوط جماهيرية من أي نوع. ومن المصادفات القدرية، أنَّ اتحاد الكرة في ذلك الموسم، التالي لما يعرف تاريخيًا بصفر المونديال، كان معينًا بقيادة عصام عبد المنعم، فلم تكن له حسابات انتخابية ولم تكن لديه أسباب للخشية من ضغوط الجمعية العمومية، ولا جماهير الأندية.
ثم اكتمل الأمر بعدد أندية المسابقة القليل الذي بلغ 14 ناديًا فقط، ما جعل كلَّ نادٍ يخوض 26 مباراة في الموسم، وهو أقل كثيرًا من الزمن المتاح بعد هذا الفراغ غير القابل للتكرار.
لذلك، فإننا عندما نسمع كل عام، كل عام، كل عام، أن هذا "موسم استثنائي"، نتذكر على الفور موسم 2004-2005، الذي جعله انضباطه هو "الموسم الاستثنائي الوحيد".