بانتهاء منافسات الألعاب البارالمبية أمس الأحد 8 سبتمبر/أيلول الحالي، التي تلت دورة الألعاب الأولمبية في باريس، الشهر الماضي، نستعيد مسيرة اللاعبات الرياضيات؛ لا نتحدث هنا عن الإنجازات الرياضية فليس هذا هو الشاغل الأساسي، إذ شهدت مشاركة النساء المصريات في الأولمبياد زخمًا إخباريًا ونقاشات موسعة تدور جميعها حول كونهن إناثًا ولسن لاعبات يتنافسن في رياضات.
دائمًا ما تصبح النساء في مجتمعنا مادة للجدل المثار بصرف النظر عمّا يفعلنه، بدا ذلك جليًا في التعليقات التي تداولتها السوشيال ميديا، إثر الوقائع التي أصبحت عنوانًا للمشاركة المصرية في أولمبياد باريس 2024.
لا يتعلق الأمر بمخالفة الأعراف الاجتماعية أو القيم السائدة، والدليل ما تعرضت له لاعبتا كرة الطائرة الشاطئية اللتان ارتديتا زيًا رياضيًا مناسبًا للحجاب في المنافسات.
تبرر دعاء غباشي لاعبة المنتخب والنادي الأهلي لكرة الطائرة الشاطئية لـ المنصة موجات الانتقاد والتمييز التي تعرضت لها وزميلتها على السوشيال ميديا تجاه اللاعبات بـ"الجهل"، كما أنها تكشف عن الصورة الذهنية للمرأة لدى العامة، وأن مكانها المنزل فقط.
تقول دعاء إن الجماهير الفرنسية تتابع كرة الطائرة الشاطئية بشكل جاد، على عكس الجماهير المصرية، وعلى الرغم من كل ما يقال عن فرنسا والحجاب، تؤكد دعاء أن الفريق المصري بزيه حظي باحترام الجماهير خلال مبارايات الأولمبياد بطريقة لم تحدث مع الجماهير المصرية التي تتابع من خلف الشاشات.
تمارس دعاء الكرة الطائرة منذ 22 عامًا، وتمارس "الشاطئية" منذ عشر سنوات وتلعب بالحجاب الذي لم يمثل لها أي عائق، على حد قولها.
تشير دعاء إلى مسألة مهمة فيما يتعلق بالانتقاد الذي تتعرض له، "التركيز على اللبس أو غيره بيزيد بعد خسارة المباراة، في حالات الفوز الناس بتتبسط وبتحتفي بينا".
دليل التعامل مع اللاعبات
يبدو التعرض للانتقادات على خلفية المشاركة في البطولات الدولية نمطًا مكررًا، حسب أمنية دراز، بطلة العالم في رياضة الخماسي، تقول لـ المنصة "الانتقاد هو الطريقة الوحيدة اللي بيتعامل بيها الجمهور مع بطلات الرياضة".
ترى أمنية، التي شغلت سابقًا منصب عضو لجنة اللاعبين باللجنة الأولمبية المصرية، أن السبب في ذلك يبدأ من تعامل الاتحادات مع اللاعبات الرياضيات، "مافيش خبرة للتعامل، كان من حظي إن معايا مدرب أجنبي، واللي كان عنده خبرة كافية في تدريب النساء"، مشيرة إلى أن واحدًا من أسباب تألق لاعبات الأسكواش وتحقيقهن للإنجازات هو وجود فريق تدريب متفهم لطبيعة المرأة وقادر على التعامل معها.
تعتقد أمنية، الحاصلة على الدكتوراه في فلسفة الإدارة الرياضية وجودتها في إعداد أبطال رياضيين من كلية التربية الرياضية جامعة حلوان، أن الألعاب التي تحتاج لمجهود بدني قوي مثل المصارعة والملاكمة وغيرها تواجه فيها اللاعبة اتهامات بـ"الدلع" في محاولتها لممارسة حياتها الطبيعية كأنثى، "بيحاولوا يتعاملوا بشكل مهني لكن مش قادرين يتجاوزوا فكرة إنها ست وأي حاجة بتفكرهم بده بيعتبروه تقصير ما بيشفعلهاش التزامها بالتمارين" تقول أمنية.
تحمِّل أمنية الاتحادات مسؤوليتها عن توفير وسائل الرعاية للاعبة "الأندية الرياضية هي المسؤول الأول عن اللاعبات وتأهيلهن البدني والنفسي والرياضي، فور دخول اللاعبة منتخب مصر والاتحادات الرياضية تنتقل هذه المهمة إلى الاتحادات".
التأهل للأولمبياد، حسب سمر حمزة، لاعبة منتخب المصارعة، والمصنفة الأولى، هو "اجتهاد شخصي من اللاعب نفسه"، وتضيف لـ المنصة، "اللاعب بيعافر مع ضعف الإمكانات، ولو لاعبة المعافرة بتكون الضِعف في ظل مجتمع مش مؤمن بقدرات الستات وحاططها في أدوار محددة مش من بينها الرياضة".
يحتاج اللاعب لفريق تدريب يضم إلى جانب مدرب اللعبة مخطط أحمال ومسؤول تغذية وأخصائي علاج طبيعي، تقول أمنية "في البطولات الدولية اللاعبة الأجنبية بيكون معاها جيش بيحافظ على الحالة النفسية والبدنية للاعبات لكن عندنا كتير من الاتحادات ناقصها خبرات ومعاونين كتير".
الأمر ذاته يؤكده أحمد سامي(*)، مخطط أحمال عمل مع عدد من منتخبات الناشئين في بطولات دولية، ويقول لـ المنصة "فيه اتحادات مش بتهتم بوجود مخطط الأحمال مع الفريق، وده بيسبب مشكلات فنية زي زيادة وزن اللاعيبة أو عدم قدرة العضلات على تحمل الضغط".
ويضيف مخطط الأحمال "مش بس كده مافيش لا أخصائي علاج طبيعي ولا أخصائي تغذية أو نفسي وبالتالي كل المهام دي بتكون من مسؤولية المدرب اللي مش هيعرف يظبط كل الحاجات دي بنفس الكفاءة".
أمنية، التي شاركت في بطولة سباحة وهي حامل في الشهر السابع والثامن وتمكنت من اللعب بشكل طبيعي، تؤكد أنه لا يوجد أي قانون دولي يمنع مشاركة اللاعبات الحوامل، وتقول "ندى خضعت للتدريب والتأهيل للمنافسة وهي حامل وطبيبها أكيد كان متابعها".
تعتبر أمنية أن انتظار تحقيق جميع المشاركين لميداليات أمر غير واقعي "الاتحادات بتبعت اللاعبين عشان يكتسبوا خبرة كنوع من التدريب، وده من أهداف المشاركة"، ورغم تعرض جميع اللاعبين للضغط فهو يكون مضاعَفًا على اللاعبات.
تقول أمنية "كنت البنت الوحيدة المؤهلة للعب على مستوى العالم، وكنت بسافر أنا والمدرب بس، وما كنتش بعرف أتعامل مع الضغوط، وده طبعًا كان بيأثر على نتايجي".
لم يشفع لهن أنه في عدد من الرياضات كانت أوائل الميداليات العالمية من نصيب البنات، فقد حازت أمنية دراز أول ميدالية عالمية في رياضة الخماسي الحديث عام 2000، وحصلت على ميدالية عام 2002 ناشئين، كانت الأولى ضمن منافسات كأس العالم في الخماسي.
فيما ترى سمر حمزة، بطلة إفريقيا، أن ما يقف وراء هذه التعليقات هو عدم الوعي بماهية الرياضة وأنها مكسب وخسارة، وتقول "فيه فرق بين كرة القدم وتشجعيها والألعاب الفردية، الظروف مختلفة والضغوط على اللاعبين الفرديين أكبر بكتير في ظل غياب الدعم المادي والمعنوي اللي بياخدوه لاعيبة كرة القدم".
طب رياضي نسائي
تعتبر سمر أن ما حدث لزميلتها يمنى عياد، هو أزمة تعاني منها الرياضيات في مصر، "مافيش لجنة صحية أو جهة معنية بصحة المرأة الرياضية، يعني أنا كلاعبة لما بدأت اتعلمت من خلال خبرتي الشخصية ونصايح زميلاتي إزاي أتعامل مع الدورة الشهرية، والتغيرات الهرمونية والفسيولوجية زي ما بيقولوا".
تتذكر سمر "في بطولة دولية حصلي موقف زيادة وزني على الميزان عشان الدورة، لكن مافيش دكتور معانا يساعدني ويقولي أتصرف إزاي، كان فيه طبيبة تونسية مع المنتخب التونسي هي اللي ساعدتني".
ترجع سمر الأمر إلى التفكير الشرقي الذكوري الذي يحكم النظرة للرياضيات، مشيرة إلى الإشادة التي نالتها ندى حافظ من الأجانب مقابل ما تعرضت له من انتقادات في مصر.
هناك حالة من الاستهجان لممارسة النساء لأي نشاط مختلف عن الأدوار المتعارف عليها مجتمعيًا
عانت سمر ذاتها من انتقادات شبيهة بعد زواجها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي "كل اللي شافني قالي ودعي الإنجازات إنتي خلاص اتجوزتي ومش هتحققي حاجة لكني قدرت أجيب ميدالية ذهبية في بطولة كيليان الدولية بالسويد"، لتكسر القناعة الشعبية بأن الزواج عائق أمام تحقيق النساء أهدافهن.
التمييز الذي تواجهه اللاعبات رغم ما يحققنه من إنجازات ترجعه انتصار السعيد، المحامية ورئيسة مجلس أمناء مركز القاهرة للتنمية والقانون، إلى الموروثات الثقافية لدى الرياضيين والاتحادات الرياضية وغير الرياضيين.
"لا توجد سياسات تراعي النوع الاجتماعي داخل الاتحادات الرياضية" كما تقول لـ المنصة، وترى المحامية الحقوقية أن حملات الانتقاد التي وصفتها باللاذعة جزء من تفريغ حالة الغضب العام على النساء كونهن "الحلقة الأضعف".
فيما ترى لمياء لطفي، مستشارة النوع الاجتماعي، أن هناك حالة من الاستهجان لممارسة النساء لأي نشاط مختلف عن الأدوار المتعارف عليها مجتمعيًا والمحصورة في الزواج والإنجاب أو العمل لمساعدة الزوج، تقول لـ المنصة "أي واحدة تحاول تخرج من الأدوار دي بيحاربوها عشان ترجع للقالب المتوافق عليه مجتمعيًا".
تؤكد لمياء غياب المنظومة المشجعة على الرياضة للنساء، خاصة في الأقاليم، اختبرتها بنفسها، تقول "ماكنش سهل عليا وأنا بدرس إني أشترك في لعبة رياضية في مركز شباب مثلًا، غير إن مافيش رياضة في المدارس". وهو ما يجعل رحلة الوصول إلى البطولات الدولية رحلة شاقة وطويلة، تتطلب مجهودًا كبيرًا، فضلًا عن العوائق الاجتماعية والثقافية المتمثلة في العيب والأصول، التي تحول دون ممارسة البنات لألعاب فردية كثيرة.
ما بين الإمكانات الضعيفة، وغياب الرؤية والرغبة في تنشئة أبطال رياضيين، وبين النظرة المجتمعية للمرأة التي تحصرها في كونها أنثى، تبدأ وربما تنتهي مسيرة اللاعبة الرياضية التي لا تخلو من محاولات مستمرة لمواجهة العنصرية والتمييز.