تصوير: يوسف عقيل
التكاتك وسيلة مواصلات رئيسية في مدينة أبو حماد بالشرقية. يونيو 2024.

"الكار مش كارنا بس ربنا يقدرنا".. التوكتوك مؤشرًا للتضخم والبطالة

منشور الأربعاء 24 يوليو 2024

قبل عامين، كان الشاب العشريني محمد فخري، المعروف بين أصدقائه في مدينة السلام باسم كالوشا، يحلم بشراء توكتوك يوفر له فرصة عمل مستقرة.

استند فخري في خطته على 80 ألف جنيه ورثها عن والدته، وجمعية كان ترتيبه فيها السابع، يحصل منها على 12 ألف جنيه، على أن يقترض من شقيقته 30 ألفًا. وقتها، في عام 2022، كان هذا المبلغ كافيًا لتغطية ثمن توكتوك جديد ثمنه 110 آلاف جنيه.

لكن كالوشا لم يتمكن من شراء التوكتوك، فمع موجات الارتفاع المتوالية للأسعار وصل ثمن المركبة ذات الثلاث عجلات في العام نفسه إلى 150 ألف جنيه، وبنهاية العام التالي ارتفعت إلى 220 ألف جنيه.

خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، صعدت أسعار التوكتوك، بوتيرة متسارعة، بالتزامن مع حظر استيراده وارتفاع التضخم لمستويات قياسية، ما حال دون قدرة الكثيرين على الادخار لشرائه، في وقت يمثل فيه مصدر رزق لنحو 10 ملايين مواطن، وفق تقدير صبري عبده، المتحدث باسم رابطة مالكي التوكتوك، في حديثه مع المنصة.

وبينما تعمل الدولة على الحد من انتشار هذه المركبات الصغيرة، التي تعد وسيلة نقل رئيسية في الريف وعلى أطراف المدن والحواري الضيقة، تسعى جهات عدة لتوفير بدائل لها أكثر أمانًا للركاب وأقل تلويثًا للبيئة، لكنها لن تكون أرخص سعرًا أمام الملايين من الشباب الذين يتطلعون لفرصة عمل.

ما فعله التضخم في "الباجاج"

إذا عدنا إلى 2020، كان سعر التوكتوك الذي تنتجه الشركة الهندية الشهيرة "باجاج"، وتقوم بتجميعه في مصر شركة غبور، يباع في الأسواق بـ36 ألف جنيه فقط.

وبالرغم من تواضع سعره في هذا الوقت، فقد بدا حلم اقتنائه مستحيلًا أمام أحمد عبد الله، الشاب العشريني من الإسماعيلية، الذي كان يتقاضى آنذاك 3500 جنيه شهريًا من عمله في إحدى شركات المنطقة الحرة بمحافظته.

كان المطلوب منه سداد 11 ألف جنيه مقدمًا والباقي على أقساط شهرية مضافة لها الفائدة، قيمة القسط الواحد تزيد على 2700 جنيه، أي ما يفوق ثلاثة أرباع راتب عبد الله. لذا قرر تأجيل الشراء حتى يتمكن من الادخار والشراء كاش.

قضى عبد الله الشهور التالية في الخدمة العسكرية، وبعد انتهاء تجنيده كان ادخر ثمن التوكتوك تقريبًا، لكنه فوجئ في نهاية 2021 بارتفاع سعره إلى 105 آلاف جنيه، ما جعله ييأس تمامًا من فرصة شرائه.

على مدار الفترة من 2020 - 2024 ارتفع سعر توكتوك باجاج بنحو 238%، ما يفوق معدل النمو في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (التضخم) في الفترة نفسها، والبالغ 87%، وبذلك يصبح المؤشر الأكثر تعبيرًا عن الضغوط التي يواجهها الملايين من الشباب الذين يعانون من وطأة البطالة. 


زادت أسعار التوكتوك خلال السنوات الخمس الأخيرة متأثرة بحظر استيراد مكوناته في 2021، التي تقوم شركة غبور بمهمة تجميعها منذ 1999، ما أدى لانحسار أعداد المعروض منه، بجانب الارتفاع القوي لسعر صرف الدولار أمام الجنيه منذ 2022، الذي كانت له انعكاسات قوية على التضخم.

فيما انخفض سعر التوكتوك، لكن بنسبة محدودة، خلال العام الحالي، متأثرًا بتراجع أسعار بعض السلع مع استقرار سعر صرف الدولار في السوقين الرسمية والموازية.

"نقص المعروض بسبب حظر الاستيراد مع ارتفاع سعر الدولار ساهما في الزيادة القوية في سعر التوكتوك" يقول محلل القطاع الاستهلاكي في بنك الاستثمار نعيم القابضة، هشام حمدي لـ المنصة.

يوضح حمدي أن جميع التكاتك المعروضة في السوق حاليًا هي من المخزون الباقي من فترة ما قبل حظر الاستيراد "شركة غبور، المجمع المحلي للتوكتوك، توقفت عن بيعه في الوقت الحالي".

وبالرغم من أن التكاتك المعروضة مستوردة من قبل ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 31 جنيهًا في 2023، ثم إلى 48 جنيهًا في 2024، لكن التجار كانوا يرفعون أسعار منتجاتهم بما يتماشى مع تغير سعر الصرف.

"السبب باختصار هو استغلال واحتكار وعدم رقابة من الدولة. سايبين الناس تاكل في بعض"، كما يقول المتحدث باسم رابطة مالكي التوكتوك، صبري عبده لـ المنصة، مُفسرًا ارتفاع سعر التوكتوك.

التوكتوك والبطالة

حسب بيانات رابطة مالكي التوكتوك، التي اطلعت عليها المنصة، فإن إجمالي أعداد التكاتك العاملة في مصر تصل لنحو 5.4 مليون مركبة، ما يعكس مدى اعتماد قطاعات واسعة على هذه الوسيلة مصدرًا للرزق.

"دلوقتي التوكتوك فاتح بيوت ناس كتير، لأن فيه تكاتك بيشتغل عليها 2 أو 3 سائقين، فأنت هنا بتتكلم على الأقل على 10 ملايين مواطن، يعني حوالي عُشر سكان مصر شغالين على توكتوك" كما يقول عبده.

توكتوك في مدينة أبو حماد، محافظة الشرقية، يونيو 2024.

الانتشار الواسع للمركبة الصغيرة يجعل التضخم في أسعارها عبئًا ثقيلًا على الملايين ممن يُقبلون عليه كمشروع صغير للتكسب، مثل الشاب الثلاثيني أحمد محمود من مركز أبو حماد بمحافظة الشرقية، الذي اضطر للاستدانة لشرائه.

يضع محمود على ظهر مركبته عبارة "الكار مش كارنا بس ربنا يقدرنا"، التي تلخص مشواره من دراسة اللغات الشرقية في جامعة الزقازيق، إلى العمل على التوكتوك، ولا يكفي دخله الصافي مصاريف أسرته المكونة من زوجة وطفلين بسبب الديون "أيام بجمع 300 جنيه، وبعد خصم مصاريف البنزين والزيت والقسط يتبقى حوالي 120 جنيهًا".

يعد ارتفاع البطالة في أوساط الشباب من المشكلات المزمنة في الاقتصاد المصري، حيث تقدر دراسة أن واحدًا من كل اثني عشر شابًا في مصر عاطل، وتزداد فرص البطالة مع ارتفاع مستوى التعليم حيث يقول الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن 82.5% من إجمالي المتعطلين هم من حملة المؤهلات العليا.


سعر التوكتوك ليس العبء الوحيد، فمن ظفر بهذه المركبة الصغيرة عانى خلال السنوات الأخيرة من الارتفاعات المتوالية في أسعار البنزين الذي يشغلها. فما بين عامي 2014 و2024 ارتفع سعر بنزين 80، الأكثر استخدامًا في التوكتوك، بنسبة تتجاوز الـ1100%.

بجانب ارتفاع تكلفة التراخيص، الذي تسبب في تهرب الكثيرين في رأي عبده "ترخيص التوكتوك حتى وقت قريب كانت تكلفته 4 آلاف جنيه، لكن حاليًا 13 ألفًا. فبدل ما تساعد على زيادة تقنين التوكتوك بتعمل على إن الناس تتهرب".

وبحسب بيانات رابطة مالكي التوكتوك، فإن 5% فقط من العربات العاملة في مصر هي التي تحمل ترخيصًا رسميًا، والنسبة الباقية خارج رقابة الدولة.

البدائل أعلى سعرًا

مع حظر استيراد التوكتوك، أعلنت شركة غبور في 2021 عن سعيها للبحث عن إنتاج عربات بديلة، وخلال الشهر الجاري قالت الشركة إنها ستنتج بالتعاون مع شركة حلوان للآلات والمعدات (مصنع 999 الحربي) سيارة جديدة مجمعة بمكونات مستوردة من باجاج الهندية.

السيارة الجديدة المعروفة باسم Qute تحمل مواصفات شبيهة بالتوكتوك، من حيث صغر حجمها، ما يجعلها بديلًا متاحًا أمام نفس الفئات التي كانت تتطلع لهذا النوع من السيارات، لكن محلل القطاع الاستهلاكي يقول إن قرب طرحها لن يُخفض من سعر التوكتوك.

"السيارة الجديدة ستكون مرتفعة السعر، وبالتالي لن يقبل عليها الكثيرون كبديل عن التوكتوك، كما أن التوكتوك ضروري للغاية لشرائح واسعة فهو يستطيع السير في القرى والحواري الضيقة التي لا يمكن لسيارة أن تدخلها" يقول حمدي.

مبادرة غبور ليست هي الوحيدة من نوعها، فهناك مشروع آخر تدعمه وزارة التعليم العالي لإنتاج سيارة صغيرة تعمل بالطاقة الكهربائية، لكن السعر المتوقع ليس بعيدًا عن السعر السائد للتوكتوك التقليدي في السوق المصرية حاليًا وهو 200 ألف جنيه.

بعد سعي لاهث وراء الأسعار المتفاقمة، وجد كالوشا ضالته في سوق المستعمل، حيث استطاع شراء توكتوك موديل 2019 بـ85 ألف جنيه، لكن مثل هذه الفرص ستتضاءل بمرور الوقت، حيث يصل سعر موديل 2022 في الوقت الحالي إلى 140 ألفًا، مع نفاد الكميات المعروضة من هذه المركبات الشعبية وحلول العربات الجديدة التي ينعكس فيها بوضوح أثر التضخم المرتفع الذي شهدته مصر في السنوات الأخيرة.