يونيسف مصر
سوريات يتسلمن المعونة الشتوية في مصر عام 2019

السبب غزة.. اللاجئون السوريون في مصر دون معونة

منشور الخميس 13 يونيو 2024

تعتمد أم راوية منذ سبع سنوات على المنح التي تحصل عليها من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بصفتها حاملةً للكارت الأصفر.

أم راوية، سورية، لجأت إلى مصر هربًا من المعارك الضارية في ريف دمشق، سكنت في مدينة العبور التابعة لمحافظة القليوبية وحصلت على الكارت الأصفر، الذي يوفر لها منحة تعليمية قدرها 1400 جنيه للطالب سنويًا تقدمها مؤسسة كاريتاس، بالإضافة إلى منحة غذائية 400 جنيه للفرد.

"إحنا 6 أفراد، كانت المعونة بتكفي حاجاتنا، لكن حددوها بـ 2000 جنيه منحة غذائية فقط كحد أقصى بغض النظر عن الأفراد"، تقول أم راوية لـ المنصة قبل أن تستدرك "لكنها وقفت من سنة فاتت".

معونات متناقصة

اهتزت حياة أم راوية مع بداية التخفيض التدريجي لقيمة المعونة، بالتزامن مع موجة "كورونا"، حتى غابت تمامًا الآن. تقول "لم أستلم أي دعم مالي من يناير 2023. وقدمنا كثيرًا شكاوى للمفوضية، والرد الوحيد مفيش حل".

العام الماضي لم تحصل المفوضية سوى على 30% فقط من الأموال المطلوبة

يتزامن مع انقطاع المعونات، ضغط الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر خلال السنوات الأخيرة؛ تضاعف إيجار سكن أم راوية عدة مرات "أول إيجار دفعته في مصر كان 700 جنيه، هلأ بدفع 6000"، توضح اللاجئة السورية، التي اضطرت إلى تغيير سكنها أكثر من مرة بحثًا عن مسكن يناسب إمكانياتها المادية.

يعمل أبو راوية باليومية في مجال شحن البضائع، وكحال عمال اليومية "يوم يشتغل واتنين لا" حسب زوجته، التي تحاول بعد توقف المعونة الغذائية تدبير أمورها بالاستغناء عن الكثير من المنتجات رغم أنها أساسية للأطفال "بطلنا نشتري بيض وبروتين.. ما نتحملش تمنه".

"بنتي الصغيرة ما شربتش حليب من وقت فطمتها"، تحكي أم راوية مأساتها مع أطفالها الأربع التي تتراوح أعمارهم من 4 سنوات إلى 14 سنة.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في مصر، منذ بدأوا التدفق إليها مع اشتعال الحرب الأهلية السورية عام 2011، 156.213 لاجئ وطالب لجوء، وفقًا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في نهاية شهر أبريل 2024.

خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية، حصل اللاجئون وطالبو اللجوء المقيمون في مصر على خدمات ومساعدات من المفوضية، وفرت لهم الحماية والمساعدة في الحصول على سكن، بجانب مساعدات شهرية وغذائية. إلا أن انخفاض التمويل على مدار الأعوام الماضية أدى إلى نقص ما تقدمه المفوضية من خدمات للسوريين، الذين زادت أعباؤهم في ظل عدم إمكانية العودة إلى سوريا، وعدم وجود فرص للسفر خارج مصر.

الحرب والتضخم

في 6 مارس 2024 أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيانًا يكشف عن "انخفاض التمويل المخصص للاجئين السوريين بشكل ملحوظ. إذ يقدر شركاء الخطة الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات في عام 2024، احتياجات الفئات السكانية الضعيفة والمؤسسات المتضررة من الأزمة السورية في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، بـ4.9 مليار دولار أمريكي".

وحدد البيان ما تواجهه الدول من تحديات تجعلها غير قادرة على الاستجابة لهذه المتطلبات "التضخم، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين النساء والشباب". كما أشار البيان إلى "أن الآثار المتتابعة لحرب غزة أثرت بشكل ملحوظ".

وحسب نسبة انخفاض تمويل خطة الاستجابة الإقليمية "من 60% للفترة من 2015-2018 إلى 40% في الفترة 2020-2022، ثم كان الانخفاض حادًا العام الماضي، إذ لم تحصل المفوضية سوى على 30% فقط من الأموال المطلوبة"، ما يعني أن عدد المحرومين من الدعم أكبر من عدد الذين يحصلون عليه. نقص التمويل كان له تأثير مباشر على الأسر والنساء ممن اختاروا مصر مكانًا للجوء بعد النزوح من سوريا.

وهو ما دفع حنان حمدان ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى مصر  وجامعة الدول العربية لدعوة المجتمع الدولي لتقديم المساعدات المطلوبة للبلد المضيف/مصر لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين وتقدم الحماية لهم.

كانت حنان أكدت لـ المنصة أن أعداد اللاجئين بشكل عام مستمرة في الزيادة "أعداد اللاجئين المسجلين مع المفوضية في مصر وصل إلى ما يقرب 650 ألفًا، ولهم احتياجات كبيرة في جميع المجالات".

وأضافت في تصريحات خاصة "مجتمع اللاجئين بشكل عام في العالم يعاني من زيادة الأعداد ونقص التمويل"، مرجعةً ذلك إلى "زيادة الحروب وزيادة أزمات النزوح وزيادة المشاكل على مستوى العالم"، كما أشارت ممثلة المفوضية إلى "تعب الجهات المانحة من استمرار دعم الأشخاص المتأثرين بالأزمات، خاصة في ضوء الأزمات العالمية الاقتصادية".

منذ 2012 تعيش حبيبة حسن(*) في مصر مع زوجها المريض وبناتها وأحفادها، وفور وصولها إلى مصر سجلت بالمفوضية اللاجئين. حصلت حبيبة وابنتها التي تعول ثلاثة أطفال على راتب شهري قيمته 800 جنيه، بالإضافة إلى 200 جنيه منحةً غذائيةً ثم زادت إلى 450 جنيهًا، لكن توقفت المنحة الغذائية والراتب منذ ثلاث سنوات.

المساعدة الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي للاجئين عبارة عن تحويل نقدي لكل شخص يمكن استرداده في متاجر التجزئة الشريكة أو نقدًا من أكثر من 140.000 نقطة بيع في جميع أنحاء البلاد عبر بطاقة المستفيد الشخصي.

نفى برنامج الغذاء العالمي في رد رسمي على سؤال المنصة توقف المساعدات لأي مجموعة من اللاجئين في مصر، بما في ذلك اللاجئون السوريون، "تم توفير المساعدات الغذائية للاجئين السوريين بنفس قيمة المساعدات التي يتم إمداد اللاجئين من الجنسيات الأخرى بها" حسب الإيميل.

غير أنه أضاف "توقفت المساعدات لبعض المستفيدين، ممن خضعوا لإعادة التقييم لضمان وصول المساعدات للأكثر احتياجًا"، مع التأكيد على أنه إجراء روتيني متبع في البرنامج، "على العكس زادت قيمة المساعدات من الشهر الماضي تماشيًا مع ارتفاع الأسعار". 

الأسعار.. نار

تقول حبيبة لـ المنصة "أول ما جيت مصر كانت المعونة بتسد احتياجاتنا الأساسية من أكل وإيجار، لكن فضلت تقل مع الوقت لحد ما انقطعت خالص".

"حتى المنحة الشتوية قطعوها"، تؤكد حبيبة، ما دفعها للجوء كغيرها للجمعيات الأهلية من أجل الحصول على مساعدات شهرية، لكن هذا الوضع "المهين مش منتظم زي المعونة، ومش بيكفي إشي مع ارتفاع الأسعار كل يوم". 

انقطاع المعونات والوضع الاقتصادي المتأزم تضافرا لتغيير نمط حياة عائلة حبيبة، التي تجاوز عمرها السبعين، فقد انتقلت من شقة في مدينة 6 أكتوبر إلى شقة في حلوان لتقليل قيمة الإيجار. 

ورغم كبر عمرها وإعالتها زوجها الذي أصيب بالشلل قبل عامين، اضطرت للعمل في طهي الوجبات وبيعها للجيران، في محاولة لإعالة عائلتها وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.

الصحفية آيات الحبال في لقاء مع مجموعة من اللاجئات السوريات في جمعية "بكره أحلى"

كذلك الحال مع ناجية سمير(*) الخمسينية التي انتقلت إلى مصر. كان زوج ناجية اعتُقل في السجون السورية وفور خروجه أصيب بالعديد من الأمراض منها الضغط والسكر وتلف بالأعصاب.

يعمل زوجها مؤذنًا بمسجد الحي وراتبه 3000 جنيه لأنه لا يستطيع العمل في منطقة عرب المعادي، التي انتقلت أيضًا إليها ناجية مؤخرًا بحثًا عن شقة بإيجار منخفض بعد توقف المعونة.

ارتفاع الإيجارات وتكلفة الكهرباء والمياه، وغيرها من الالتزامات الأساسية التي كانت تسددها من راتب المعونة الشهري جعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها.

وصلت قيمة الإيجار إلى 3500 جنيه، أي أعلى من راتب زوجها، ما اضطرها وأبناءها للعمل "غير اللف على الجمعيات الأهلية ليعطونا أي شي"، تقول ناجية لـ المنصة.

الحرب فرقت ناجية عن أختها التي اختارت الأردن للجوء منذ 10 سنوات، وعند المقارنة تندم على عدم مرافقتها، تبرر "من اليوم الأول إلها هناك ما انقطعتش لا المعونة الغذائية ولا الشهرية".

توضح ناجية "المنظمات والجمعيات تقدم مساعدات مو طبيعية هناك، أما في هنا ما ضل فيه مساعدات ومش فاهمة ليش على الرغم إنه الوضع ذاته اللي في مصر هو اللي بالأردن"، حاولت ناجية وعائلتها الذهاب للأردن ولكن البلد أغلق أبوابه في استقبال مزيد من السوريين.

تفكر كثير من الأسر في العودة إلى سوريا لكن المخاوف الأمنية عائق أمامهم

تعثرت أوضاع معظم اللاجئين السوريين المعتمدين على المفوضية بشكل أساسي، وهو ما أكدته لطيفة دغمان قائدة مجتمعية، سورية-فلسطينية، ومؤسسة مبادرة "بكره أحلى" لدعم اللاجئين وأسرهم. تقول لـ المنصة "الدعم انقطع حتى عن النساء المعيلات ممن فقدوا عائلهم الوحيد ولديهم أطفال قصر ومرضى، وما في قدامهم بديل غير الجمعيات والمبادرات اللي بتجمع تبرعات من المصريين أو رجال أعمال سوريين".

تعيش لطيفة في مصر منذ 10 سنوات، وتعمل في مجالات خدمة اللاجئين وطالبي اللجوء وتعد من العناصر التي تتواصل معها المفوضية للوصول إلى المستفيدين، إذ إنها ترعى 96 أسرة من جنسيات مختلفة، أجرت عليهم بحثًا اجتماعيًا، ولديها بحث اجتماعي متكامل عن هذه الأسر.

تساعد لطيفة المفوضية بتقديم هذه الأبحاث لها وللجمعيات الشريكة "ما في حاليًا رد لا من المفوضية ولا من شركائها" رغم ما تقدمه من إثباتات على سوء أوضاع اللاجئين.

لا تمويل.. لا خدمات

وردًا على إيميل أرسلته المنصة قالت مفوضية شؤون اللاجئين في مصر "أجبرنا على تخفيض المساعدات الحيوية على مدى الأشهر الماضية"، نافية وقف أي من الخدمات المقدمة مع تقليص للبرامج الأساسية في محاولة للاستفادة من محدودية التمويل. 

وأرجعت كرستين بشاي مسؤولة العلاقات الخارجية بالمفوضية، في تصريح لـ المنصة، انخفاض التمويل إلى الأزمات العالمية المتتالية تقول "كل أزمة جديدة تسحب التمويل والانتباه من الأزمة السابقة"، في إشارة إلى حرب غزة وحرب السودان.

وناشدت المفوضية هذا العام الجهات المانحة للحصول على ميزانية قدرها 134.7 مليون دولار، وصل منها حتى 30 أبريل/نيسان الماضي 23% فقط.

وأقرت المفوضية في ردها، وفقًا لأبحاث الحالات لديها، بأنه مع افتقار العديد من اللاجئين إلى مصدر دخل ثابت ومحدودية الحصول على فرص لكسب الرزق إلى جانب ارتفاع التضخم، الكثير من الاحتياجات الأساسية لا تُلبى. 

وأوضحت المفوضية لـ المنصة أنها بصدد إطلاق خطة استجابة للاجئين في مصر بالشراكة مع وزارة الخارجية المصرية ومكتب الأمم المتحدة الإنمائي، وتشمل 28 شريكًا يطالبون بميزانية قدرها 313.5 مليون دولار لدعم اللاجئين من جميع الجنسيات والمجتمع المضيف.

وفي ظل هذه الأوضاع تفكر كثير من الأسر في العودة إلى سوريا، غير أن المخاوف الأمنية هي العائق أمامهم، خاصة من لديهم أبناء ذكور.

"أتمنى ارجع ع سوريا، بس خايفة لإنه أول ما بوصل ع المطار، هياخدوا ابني تجنيد إجباري 7 سنين"، تقول حبيبة التي تعلم أن منزلها هناك تمت تسويته بالأرض "لو حسبتها حضطر هناك أأجر بيت، فإيجار بإيجار خلينا في مصر أحسن"، يحدوها الأمل في أن تتحسن الأوضاع قريبًا. 

هذه القصة من ملف  اللاجئون في مصر.. ارتباك رسمي وعنصرية شعبية


الترحيل شبح يهددهم.. كيف تعامل الدولة "ضيوفها"؟

هدير المهدوي_  حصلت منى على الكارت الأصفر، لكنها لم تنجح في وقف ترحيل ابنها الكبير مصطفى في واحدة من الحالات التي تكشف طول الإجراءات والملاحقة الأمنية التي تزيد من صعوبة حياة اللاجئين في مصر.