تحاول أمينة عبد العاطي، الأربعينية، البحث عن عمل في مصر بعد هروبها من الحرب في السودان منذ ثلاثة أشهر.
كانت لدى أمينة حياة مستقرة في بلادها لولا الحرب، أهّلتها للعمل مديرة مالية في إحدى الشركات، وفي مصر تفاجأت هي وعائلتها بنفقات المعيشة المتصاعدة، واستغلال البعض للمهاجرين السودانيين بسبب ظروفهم الضاغطة.
تدور منذ 15 أبريل/نيسان معارك طاحنة تتركز في الخرطوم وفي إقليم دارفور، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن نحو مليونى شخص نزحوا بسبب الصراع، ولجأ أكثر من 523 ألف شخص إلى الدول المجاورة، وما يقرب من 250 ألف سوداني استقبلتهم مصر.
يسعى هذا التقرير إلى رصد تكلفة الوصول إلى مصر، وتتبع المصاعب التي يواجهها المهاجرون من جحيم الحرب لكي يوفروا لعائلاتهم حياة مستقرة في بلادنا.
الهروب من السودان إلى مصاعب مصر
بدأت أمينة وأسرتها رحلتها من أم درمان إلى مصر في 22 أبريل/نيسان الماضي، في رحلة استغرقت أكثر من 10 أيام "دفعت للفرد الواحد نحو 400 دولار ثمن التذكرة للوصول إلى وادى حلفا" كما تقول أمينة للمنصة.
ركبت أسرة أمينة بعد عبور الحدود أوتوبيس إلى أسوان، "أجرنا شقة مفروشة لمدة ليلتين في أسوان، لأن معانا ستات كبار على كرسي متحرك، وحجزنا قطر درجة مميزة للقاهرة بيقوم في الفجر، وكانوا بيقولوا يوصل القاهرة الخامسة مساء، لكن اتأخر كمان ووصلنا العاشرة مساء، ما فهمنا ليه".
بمجرد وصولهم القاهرة شعرت أسرة أمينة أنهم عبروا الجزء الأصعب في الرحلة، إذ وجدوا ثلاث سيارات في انتظارهم، كانوا "ولاد خالة صاحبتي" كما تقول أمينة.
"المجتمع السوداني مترابط، لديهم شبكة متواصلة وبتوفر المعلومات وتساعد في إيجاد المسكن وغيره من احتياجات المعيشة"، تقول الصحفية والباحثة في الشأن الإفريقي، مروة كامل.
ومع أن مصر بلد مألوف لملايين السودانيين، لكنهم فوجئوا بأن بعض السماسرة يستغلون الأزمة ويرفعون الأسعار.
كان من المفترض أن أقارب صديقة أمينة "أجروا شقة لنا في مدينتي، ولما وصلنا الساعة 11 مساء اتفاجئنا إن السمسار لغى الاتفاق، في النهاية وصلنا الساعة الواحدة صباحًا قدرنا نمضي عقد شقة غيرها للأسرتين".
نفس الموقف تكرر مع مدثر عبد الرحيم، مدرس رياضيات بالخرطوم، الذي كان يبحث عن شقة للإيجار في عباس العقاد في حي مدينة نصر "العمارة دي سكنت فيها من سنتين لما جيت لعلاج أبوي رحمة الله عليه، كانت بألف جنيه في اليوم، حاليا يطلب ثلاث آلاف".
تخرج مدثر في كلية التربية بجامعة الزقازيق، ولذلك اختار مصر عندما قرر الهروب من السودان "باعرف مصر كويس، ولما اتزوجت جيت شهر العسل، حتى إني فكرت أشتري شقة، لكن الأسعار حاليًا ارتفعت جدًا، واحنا جايين من حرب والمرتبات متوقفة".
استطاعت أمينة ووالدتها، في أول مايو/أيار تأجير شقة مستقلة، "لكن سعر الإيجار ارتفع ألفين جنيه، ووصل إلى حوالي 15 ألف".
لا يستطيع جميع السودانيين السكن في الأحياء الفاخرة كما تشرح الباحثة، حيث يلجأ كثيرون للأحياء الشعبية مثل فيصل وأرض اللواء وعين شمس.
يصل عدد السودانيين المقيمين في مصر إلى 4 مليون تقريبًا، منهم 111 ألف لاجئ مسجلين رسميًا.
البحث عن الاستقرار والعمل
القادمون من الحرب يواجهون ثلاث مشاكل، كما تعددها الباحثة مروة كامل، "أولًا، هم جايين في وسط سنة دراسية ومسألة صعبة جدًا إيجاد المدرسة المناسبة للأطفال. ثانيًا، ارتفاع أسعار الإيجارات لأنهم مترابطين، وبيفضلوا السكن جنب بعض، وده بيرفع الطلب على أماكن معينة فتزداد أسعار الإيجار. ثالثًا، المرتبات في السودان متوقفة والبنوك مغلقة، بالتالي أموالهم محبوسة في السودان".
وتضيف "معظم القادمين لديهم صدمة ما بعد الحرب من أصوات القنابل والمفرقعات".
كذلك يرى الصحفي السوداني، هيثم نوري، أن المهاجرين حديثًا تنتظرهم تحديات كبيرة "هو شعب مختلف عن باقي الشعوب العربية، ليسوا تجارًا مثل الشعب السوري واليمني، ويظل الهاجس الأساسي للبقاء في مصر أم لا هو إيجاد فرص للعمل".
قبل سفرها من السودان كانت أمينة تتمتع بوظيفة مستقرة كمدير مالي في إحدى الشركات الخاصة، لكن بعد الحرب"أصحاب العمل نزلوا القاهرة، وعندهم فرع في دبي ما نعرف إذا راح ينقلوا على دبي أم يستقروا في مصر. هم قالوا استمتعوا بالإجازة، لحد ما نشوف هنعمل إيه".
تعتمد أسرة أمينة على الإعانات من عائلتهم في الدول الأوروبية، لذلك بدأت البحث عن عمل في صفحات تجمعات السودانيين، بغية البحث عن وظيفة جديدة.
يحاول محمد عثمان، الشاب الثلاثيني، مساعدة السودانيين المهاجرين من خلال صفحة دليل الجالية السودانية، ويقول عن مشروعه "فكرة تجميع المشروعات وأصحاب الأعمال السودانية في تطبيق إلكتروني، تساعد الجالية في الوصول للعمل والشقة المناسبة وغيرها، وتوفير خصومات لمستخدميه".
ومن واقع مشروعه يقول إن أكثر الأعمال التي يقبل السودانيين على تأسيسها "مشروعات صغيرة، مثل مشروع المطبخ السوداني الذي يقدم الأطباق التقليدية السودانية، المتجر السوداني يبيع المنتجات الحرفية واللحوم والبخور، مركز تعليمي يقدم دورات في اللغة الإنجليزية والحاسوب والمهارات الحياتية للأطفال والشباب".
المستقبل أكثر صعوبة
تتوقع كامل الباحثة في الشأن الإفريقي، "أن تبدأ الفئة الفقيرة في اللجوء إلى مصر بعد أن بدأت أسعار السفر في الانخفاض"، ولذلك هناك حاجة للمزيد من الجهود للتوجيه الوافدين نحو فرص للسكن والعمل والاستقرار في مصر.
وكانت أسعار السفر وصلت إلى ما يقرب من 800 دولار للفرد الواحد في الشهر الأول من الحرب، أما في الأسبوع الثاني من يونيو/حزيران، وصل سعر التذكرة من الخرطوم إلى حلفا 70 ألف جنيه سوداني (100 دولار)، ومن الخرطوم إلى دنقلا 50 ألف جنيه سوداني، حوالي 90 دولارًا.
وتشرح كامل "هناك صراع عبثي الآن، وقد يتحول إلى صراع قبلي وبالفعل بدأ في الغرب في دارفور، ولا يبدو أن القائدَين العسكريّين المتناحرَين في عجلة من أمرهما لوقف المعارك وإنقاذ المدنيين".
وتناشد الباحثة السلطات المصرية "بوضع ملف لإدارة الأزمة، ومخاطبة القادمين عبر وسائل الإعلام لكي يتوزعوا في مناطق مختلفة، وإلا ستصبح تجمعات سكانية مكتظة داخل القاهرة تسبب مشاكل كثيرة".
أما أمينة، فلا تفارق عيناها نشرات الأخبار على شاشة التليفزيون، "ما نعرف الحرب هتستمر قد إيه، لو استقر الوضع بنرجع السودان أو نبحث عن عمل في مصر".