في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، قَتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 6 أفراد من عائلة أبو قاسم بينهم الأم، جراء قصف منزلهم في غزة، فيما لم يسلم الأب وابنته آلاء وابنه عمرو من الإصابة، فنقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج.
كانت جراح آلاء طفيفة، بينما إصابة الأب متوسطة؛ كسور في القدم، أما عمرو فإصابته حادة. تعرَّض الشاب البالغ 19 سنة لحروق في غالبية جسده، تسببت في شلل يده اليمنى، وكشفت عظام ظهره.
لا يتوفّر العلاج في غزة، إذ استهدف الاحتلال كبرى مستشفيات القطاع وقنن دخول الأدوات والمستلزمات الطبية، وقتَل واعتقل أطباء وممرضين، ما دفع الصحة إلى تجهيز "تحويلة طبية عاجلة" للابن والأب لتلقي العلاج بالخارج، لكن "التحويلة العاجلة استغرقت حوالي شهرين"، حسب آلاء لـ المنصة.
تصدر وزارة الصحة الفلسطينية تحويلات طبية للجرحى والمرضى للعلاج خارج القطاع خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، التي انطلقت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب ضعف الإمكانات الطبية، وفقدها لغرف العمليات والمستلزمات والأدوات الطبية.
يصف مروان الهمص، مدير مستشفى أبو يوسف النجار، الأوضاع الصحية بالقطاع لـ المنصة "فقدت وزارة الصحة أكبر مجمعين طبيين في القطاع نتيجة الحرب الإسرائيلية: مُجمع الشفاء بغزة ومجمع ناصر بخانيونس. وهو ما تسبب في تراجع عمل القطاع الطبي، وساهم في إجبار الوزارة على تكديس التحويلات الطبية للخارج".
بعد الخروج
مع تأخر إجراءات الخروج من غزة، لم يكن أمام آلاء سوى اللجوء لمناشدة الجهات الخارجية للإسراع في إنقاذ أخيها، بعد مرور يومين على إصابته الخطيرة، تقول آلاء "تواصلت معي الخارجية الأردنية، وأبلغوني بالعمل على تنسيق سفره واستقبال حالته، انتظرنا 19 يومًا دون نتيجة".
توفي الشاب عمرو بعد قرابة 3 أسابيع من انتظار السفر لتلقي العلاج، ولم يتمكن أحد من مساعدته.
رغم آلام فقد الأخ، بعد أفراد العائلة، ظلت آلاء تحاول إنقاذ أبيها، حتى بدأت في جمع التبرعات عبر الإنترنت، حتى نجحت في جمع 10 آلاف دولار دفعتها كتنسيق لشركة هلا للخروج من قطاع غزة باتجاه مصر، ومن هناك إلى قطر حيث بدأ والدها بتلقي العلاج، والخضوع للجراحات اللازمة لزراعة عظام في قدمه المُهشمة، ليقوى على المشي من جديد.
تكلفة الخروج من غزة 5 آلاف دولار تُدفع تحت مسمى التنسيق
ولسخرية الموقف "جاءت الموافقة إلى وزارة الصحة الفلسطينية على سفر والدي ضمن كشف الجرحى اليومي بعد وصولنا لقطر بأسبوعين" تقول آلاء ضاحكة. تصدر الموافقة الأمنية من مصر وإسرائيل، وحين صدرت كان مرَّ على إصابة والدها 60 يومًا.
لدى المرضى الراغبين في الخروج من غزة مساران، إما الحصول على تحويلة من وزارة الصحة الفلسطينية، التي تتطلب موافقة إسرائيلية، أو دفع مبلغ مالي لشركة هلا مقابل الخروج من غزة عبر معبر رفح. وحسب بعض الراغبين في الخروج الذين تحدثت إليهم المنصة، تكون موافقة إسرائيل متباطئة في الحالة الأولى لأن الطلب يقدم من الجانب الفلسطيني، أما في الحالة الثانية، وبسبب أن الطلب مقدم عبر الجانب المصري، بما يشمل المخابرات الحربية، تكون الاستجابة أسرع.
قيد الفحص
ليست كل الحالات إصابات حرب. حسين(*) مثلًا، الذي يبلغ من العمر 33 عامًا، كان مُصابًا في ركبته اليسرى قبل الحرب، وكان من المفترض أن يخضع لجراحة في مستشفى الشفاء بغزة يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن هذا التاريخ أصبح ثالث أيام الحرب، فاعتذر المستشفى وأجلت العملية بسبب كثافة عدد الجرحى والإصابات الذي كانت يستقبلها يوميًا.
نزح حسين مع النازحين من غزة إلى رفح جنوب القطاع، وفي فبراير/شباط الماضي راجع وزارة الصحة التي أبلغته بمتابعة تطبيق المنسق الإسرائيلي، وهو أبليكيشن على الموبايل لمن يريد السفر والحصول على موافقة أمنية إسرائيلية. وبالفعل وجد طلبه على "المنسق" وحالته "قيد الفحص". يقول حسين "أنتظر منذ شهرين ولا رد. الجميع ينصحني بدفع تنسيق الـ5 آلاف دولار لشركة هلا لأتمكن من السفر، لكن وضعي الاقتصادي لا يسمح".
شكلت وزارة الصحة في غزة، نظرًا لعدم قدرتها على إجراء العمليات الكبرى، لجنة طبية لدراسة كل حالة تصلها، وفي حال عدم القدرة على توفير العلاج، تُحوَّل للخارج، حسب الهمص، غير أن ذلك مرهون بموافقة الاحتلال الإسرائيلي الذي يماطل.
يوجد 10 آلاف مريض سرطان... ولكن من تمكنوا من السفر للعلاج في الخارج خلال شهور الحرب 400 مريض فقط
"لدى الوزارة مئات التحويلات الطبية على قائمة الانتظار لجرحى ومصابين في الحرب، أو أصحاب أمراض مزمنة مثل السرطان والغسيل الكلوي، ومن هم بحاجة إلى عمليات كبرى لا تتوفر إمكاناتها في المستشفيات"، يقول الهمص.
يأسف الهمص كون الاحتلال الإسرائيلي يتحكم بالكامل في ملف المرضى والجرحى "هو المتحكم في الموافقات الأمنية، التي يمنحها في الغالب للإناث ويستثني الذكور، خاصة الشباب". ويصدر عن وزارة الصحة بغزة يوميًا كشف بأسماء الجرحى والمرضى، الذين سمح الاحتلال بسفرهم، ويتراوح عددهم بين 30 و40 جريحًا ومريضًا لا غير.
ضاعفت الحرب أعداد الجرحى والمصابين الذين يحتاجون العلاج في الخارج، غير أن تعنت الجانب الإسرائيلي "يعرض حياتهم للخطر وقد يعمل على قتلهم بالبطيء" حسب الهمص.
في انتظار الموت
يتجاوز عدد مرضى السرطان في قطاع غزة الـ10 آلاف مريض، منهم 4400 مسجلون للحصول على تحويلة للخارج، حسب الهمص، ولكن من تمكنوا من السفر فعليًا خلال شهور الحرب 400 مريض فقط، فيما ينتظر الآخرون الموت.
يعاني أصحاب الأمراض المزمنة من ظروف بيئية وصحية صعبة نتيجة مرضهم، بالإضافة إلى النزوح من شمال ووسط قطاع غزة باتجاه الجنوب، والعيش في خيام بين الرمال والأتربة واستخدام مياه مُلوثة.
أبو خليل(*) وهو في نهاية العقد الخامس من العمر، نازح من شمال القطاع إلى أقصى الجنوب على الحدود المصرية لمدينة رفح، يعيش في خيمة مع زوجته وأبنائه وعائلاتهم، ويعاني من سرطان في الدم منذ 5 سنوات.
يقول لـ المنصة "كنت بتعالج في المستشفيات الإسرائيلية من أول ما مرضت"، قبل الحرب بيومين دخل غزة لزيارة أهله، ولم يتمكن من العودة لاستكمال العلاج.
"حاولت التواصل مع وزارة الصحة في رفح لكن مافيش فايدة، ما قدرتش أجيب تحويلة للعلاج" يقول أبو خليل الذي بدأ يشعر بتراجع حالته الصحية، "مش قادر أحس بأطرافي لأني ما أخدتش علاج من 6 أشهر، وأنا هيني في انتظار الفَرَج أو الموت".
عند وصولهم إلى مصر، يواجه المرضى والجرحى عقبات جديدة منها إجراءات الخروج من مصر إلى دول أخرى تقدم لهم العلاج. يقول الهمص "وصلتنا شكاوى لمرضى في مستشفيات سيناء بسبب تأخير خروجهم إلى دول أخرى لتلقي العلاج خارج مصر، ونحن في الوزارة نعمل من خلال طواقمنا في مصر على تسهيل وتذليل العقبات مع الجهات المصرية".
وطالب مدير مستشفى أبو يوسف النجار الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ذات التأثير على الاحتلال الإسرائيلي، بالضغط على الاحتلال لفتح معبر رفح البري في كلا الاتجاهين 24 ساعة في اليوم، وإنهاء المماطلة والتسويف اللذين يمارسهما في ملف الجرحى والمرضى، محملًا الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياتهم.
تبدو اليوم مطالبات مدير المستشفى، مع احتلال معبر رفح وإغلاقه، بعيدة المنال، فلا سبيل لخروج مرضى أو دخول مستلزمات تحت القصف المستمر في القطاع المحاصر.