بالهتاف ضد إسرائيل، والدعاء للشهيد، ودّع أبناء مركز سنورس بمحافظة الفيوم المجند إسلام إبراهيم عبد الرازق، الذي قُتل خلال خدمته في رفح مساء الاثنين 27 مايو/أيار الجاري. ورغم وفاة إسلام عقب ساعات من واقعة تبادل إطلاق النار بين قوات تأمين الجيش المصري، وقوات الاحتلال الإسرائيلي على الشريط الحدودي في رفح، أمس الأول، فإن أسباب الوفاة لا تزال غامضة.
كيف قُتل إسلام؟
وسط صمت رسمي، ونفي مصدر أمني مجهَّل سقوط جندي ثانٍ في رفح برصاص إسرائيلي، شيَّع أهالي عزبة جاب الله والقرى المجاورة جثمان إسلام مساء أمس.
الدكتور ياسر علي، خال المجند إسلام، قال إن قائد الكتيبة التي خدم فيها إسلام أبلغ الأسرة بأن مقتله "لا علاقة له بحادث المعبر، وإنما جاء برصاصة خرجت بالخطأ من سلاح مجند زميله أثناء تنظيفه".
وأبدى الخال المكلوم في حديثه لـ المنصة اتفاقه مع الجزء الأول من رواية القائد بقوله "إحنا متأكدين إنه ما ماتش في نفس الحادث اللي توفى فيه المجند عبد الله رمضان، لأن الحادثة دي حصلت الاثنين الصبح، ولما سمّعت عندنا هنا في الفيوم، كلمت إسلام بعدها، قبل المغرب بنص ساعة، علشان أطمن عليه".
"رد عليا قالي أنا تمام وأموري تمام، أنا بعيد وماليش دعوة بالموضوع ده، وبالتالي هو فعلًا مالوش دعوة بحادثة المعبر"، يستكمل الخال.
جثمان بلا نعش وصلاة عاجلة
أحضرت سيارة الإسعاف جثمان إسلام ممددًا على حامل معدني مغلفًا ببلاستيك أسود اللون، مطبوع عليه شعار هيئة الإسعاف. لم يُغطَّ النعش بعلم مصر مثلما حدث في جنازة المجند عبد الله رمضان، الذي قُتل في تبادل إطلاق نار على الشريط الحدودي في رفح.
وقبيل صلاة الجنازة أحضر الأهالي "الخشبة" الخاصة بالمسجد القريب من المقابر لوضع الجثمان فيها. وأخّرت هتافات الأهالي وغضبهم إقامة صلاة الجنازة في ساحة قريبة من مقابر العزبة، إلا أن القوة العسكرية من كتيبة إسلام التي ضمت مقدمًا ونقيبًا وعددًا من المجندين، وصاحبت الجثمان من العريش حتى مسقط رأسه، حاولت السيطرة على الأهالي الثائرين وتنظيمهم.
وأُديت صلاة جنازة عاجلة في ساحة مواجهة للمسجد القريب من المقابر، قبل أن يحمل الأهالي النعش ويسيروا به بسرعة شديدة باتجاه المقابر مرددين هتافات من بينها "لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله" و"تسقط تسقط.. إسرائيل".
وأمام غضب الأهالي وثورتهم على مقتل إسلام، وحيد والدته، تدخلت القوة العسكرية المرافقة لإسلام وبعض الأهالي لتقسيم المشيعين إلى جزئين، فدخلت مجموعة حتى قبر المجند، فيما وقف الآخرون على الطريق الذي تطل عليه المقابر.
وفي الوقت الذي كان يُبلغ فيه قائد الكتيبة أسرة المجند ومشيعيه عند القبر بأن فقيدهم قُتل خطأ برصاص زميل له يجري التحقيق معه تمهيدًا لمحاكمته، كان خطيبٌ ضمن وفد من وزارة الأوقاف شارك في تشييع الجنازة يخطب في الجزء الآخر من المشيعين خارج المقابر ويدعو على إسرائيل بالموت والهلاك.
فيسبوك يكشف وفاة إسلام
كان لغياب البيانات الرسمية بشأن مقتل إسلام أثره الواضح في أغلب المواطنين في مركز سنورس.
"اتفرجت على النشرة الفضائية المصرية امبارح، وقالوا إن فيه ضربة في رفح، وسمّعت في الحدود عندنا بس ما جابوش سيرة عساكر"، قال جمعة أحمد، السائق الذي تولى توصيل صحفي المنصة من موقف الأجرة بمركز سنورس إلى عزبة جاب الله، مسقط رأس المجند إسلام.
بينما يحكي خال إسلام "فيه ولد مجند من بلد جنبنا هو اللي قالنا، لأنه كان في نفس الكتيبة يومها بيسلم المهام بتاعته بعد ما خلص فترة التجنيد ونازل، هو اللي بلغ الدنيا كلها هنا، إحنا ما كناش نعرف، غير بعد ما بدأ ينشر على فيسبوك صور لإسلام ويقول إنه فيه حاجة حصلت".
"اتصلنا عليه، قال آه حصل بس أنا ما أقدرش أتكلم في تفاصيل"، يضيف علي "رحنا جايبين رقم مقدم الكتيبة، وقالنا على الرواية دي".
وحول ظروف وفاة إسلام بعد إصابته، قال علي "حسب ما وصلنا إنه بعد ما اتصاب قعد شوية لحد ما الإسعاف وصلت علشان تنقله لمستشفى العريش، إلا أنه مات في الطريق قبل ما يوصل للمستشفى".
خدم إسلام في الإسماعيلية وانتقلت كتيبته لرفح بعد الأحداث الأخيرة
كان القلق يحاصر أسرة إسلام طوال الفترة الماضية السابقة على وفاته، خوفًا على مصيره مع تصاعد الأحداث على الجانب الآخر من معبر رفح، يوضح علي "هو أصلًا كان في إجازة قريب واتصلوا عليه قبل ما يخلّص الإجازة بتاعته قالوله تعالى علشان شادين طوارئ، راح سايب الإجازة ومسافر".
يوضح الخال أن خدمة إسلام كانت في كتيبة مشاة خاصة في الإسماعيلية "بس خلال الأحداث الأخيرة استدعوا كتيبته لرفح، وكان باقي له 6 شهور ويخلص جيش".
وضعت الظروف إسلام في طريق الخدمة العسكرية، رغم أنه وحيد والدته، التي لم تنفصل رسميًا عن الأب الذي ترك الأسرة وتزوج بأخرى وأنجب منها أبناء آخرين، يحكي الخال علي "إسلام وحيد أمه، ووالده متزوج من زوجة ثانية على أمه، اللي ما رضيتش تطلق وقعدت على ذمة والده علشان تربيه".
أحلام إسلام تجاوزت قريته الصغيرة "كان صنايعي بيتزا شاطر، في القاهرة، وقرر يدخل الجيش ويخلص الخدمة علشان يطلع يسافر بره يشتغل علشان يتجوز ويخطب ويكوّن أسرة".
انتهت حياة إسلام، وتوقف الزمن بالأم التي كرست حياتها من أجله، وتبقى ملابسات مقتله غامضة، ربما تكشف عنها تحقيقات أو شهادات في زمن قريب أو بعيد.