حساب هيئة الإذاعة الإسرائيلية على إكس
مظاهرات في إسرائيل تطالب حكومة نتنياهو بعقد اتفاق مع حركة حماس يفضي إلى تحرير المحتجزين، 1 سبتمبر 2024

هل يُسقِط الشارع نتنياهو في شر أعماله؟

منشور الثلاثاء 3 سبتمبر 2024

لم يكد يمضي يومان على تسريب الاتهامات الحادة التي تبادلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف جالانت، في اجتماع عاصف لمجلس الوزراء السياسي الأمني يوم الخميس الماضي، حتى تحققت مخاوف جالانت الذي حذر من أن الإصرار على إبقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا سيؤدي إلى قتل المزيد من الرهائن.

فما إن أعلنت إسرائيل صباح الأحد الماضي العثور على جثث ست رهائن في نفق بالقرب من مدينة رفح، بينهم إسرائيلي-أمريكي اكتسب شهرة واسعة بعد أن تحدثت أسرته في مؤتمر ترشح كامالا هاريس للانتخابات الرئاسية، حتى عادت الحياة والزخم لمظاهرات أهالي الرهائن التي كان نتنياهو نجح في تهميشهم، بل والهجوم عليهم في وسائل الإعلام اليمينية بزعم أنهم لا يهتمون سوى بمصير أقاربهم، ولو على حساب الأمن القومي.  

وتشهد إسرائيل منذ مساء الأحد مظاهرات حاشدة، تزايدت حدتها أمس الاثنين، خاصة مع إعلان الاتحاد العام لعمال إسرائيل/الهستدروت تنظيم إضراب ليوم واحد يشل جميع المرافق الإسرائيلية بما فيها مطارها الدولي. ورغم أن محكمة العمل الإسرائيلية أمرت بوقف الإضراب، استمرت المظاهرات الحاشدة التي تخللتها اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين.

وبينما تكاد حرب الإبادة الصهيونية تكمل سنتها الأولى، تأكَّد بما لا يدع مجالًا للشك أن التطورات الداخلية في إسرائيل هي وحدها ما قد يؤدي لوقف الحرب؛ لا المناشدات ولا عبارات التفاؤل الأمريكية الخادعة ولا الميوعة الأوروبية. ويبقى أن نتنياهو مطمئن الآن إلى أنه مهما فعل، ومهما ارتفعت أعداد الشهداء الفلسطينيين وازداد حجم الفظائع، سيستمر الغرب الديمقراطي المنافق في تزويده بما يرغب من سلاح.

عين على اجتماع حكومي صاخب

نتنياهو وجالانت خلال اجتماع أمني أثناء زيارة الجبهة الحدودية مع جنوب لبنان، 25 أغسطس 2024

يمكن القول إن التصويت الذي أجراه المجلس الوزاري المصغر على محاذير نتنياهو، بالبقاء في محور فيلادلفيا في أي اتفاق محتمل مع حماس، شكَّل القشة التي قصمت ظهر البعير، وأدى إلى سقوط رئيس الحكومة الذي يرى نفسه الأكثر دهاءً في شر أعماله.

ففي اجتماع الحكومة الأكثر تطرفًا وعنصرية في تاريخ الكيان الصهيوني يوم الخميس الماضي، أصر نتنياهو على طرح خطته التفاوضية للتصويت، في إجراء لم يكن له أي معنى من الناحية العملية بعد أن سُلّمت الخرائط التي تحدد مواقع انتشار الجنود على طول محور فيلادلفيا بالفعل للوسطاء الأمريكيين والمصريين والقطريين، في جولات التفاوض اللا نهائية بين القاهرة والدوحة.

دعم ثمانية من الوزراء قرار نتنياهو، وامتنع الإرهابي إيتمار بن غفير عن التصويت كون القرار "ليس قويًا بما يكفي"، لأنه يُخفِّض تدريجيًا أعداد القوات الإسرائيلية في فيلادلفيا بينما يريد هو استيطان القطاع، وتركوا جالانت يصوِّت وحده ضد الخطة.

ربما يكون من المفيد نقل بعض المقتطفات التي سربها مشاركون في الاجتماع إلى الإعلام الإسرائيلي، كالمعتاد، لكشف مدى تعقيد التركيبة السياسية في إسرائيل، حيث لن تجد دولة أخرى في العالم يتبادل فيها رأس الدولة الاتهامات علنًا مع وزير دفاعه في خضم الحرب، لدرجة اتهامه بتبني "خطاب معادٍ لإسرائيل" وكأنه يمثل حكومة دولة أخرى.

قال جالانت لنتنياهو وبقية الوزراء في اجتماع الخميس إن "أهمية هذا القرار هو أن حماس لن تقبله، وبالتالي لن يكون هناك اتفاق، ولن يطلق سراح الرهائن"، ليرد نتنياهو "هذا هو القرار". وعندما أصر رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية، السفير السابق لدى واشنطن والأكثر قربًا من نتنياهو، على طرح القرار للتصويت، هاجم جالانت نتنياهو مجددًا قائلًا إنه فرض على المؤسسة الأمنية موقفه بإجبارها على أن تقدم له الخرائط التي طلبها لبقاء القوات في فيلادلفيا رغم أنها لا تمثل رأيها الحقيقي.

تحققت مخاوف جالانت عاجلًا جدًا وليس آجلًا بعد العثور على الجثامين الستة

هنا جُنَّ جنون نتنياهو، وأخذ يردد، وفق تقرير تايمز أوف إسرائيل، "أنا فَرضت؟ أنا فَرضت؟" ورد جالانت "بالطبع قمت بذلك. كان لديهم خطتهم الخاصة. أنت الذي تدير المفاوضات شخصيًا منذ حل حكومة الحرب (في نهاية يونيو/حزيران). نحن نعرف القرارات بعد اتخاذها. المفاوضون قدموا الخرائط التي طلبتَها، بينما كان لهم موقف آخر". وعندها بدأ نتنياهو يطرق الطاولة بيديه غضبًا وأصر على التصويت.

رئيس أركان جيش الاحتلال هيرسي هاليفي كرر ما يقوله المفاوضون الأمريكيون أنفسهم لنتنياهو؛ بأنه يفتعل معركة لا معنى لها بشأن محور فيلادلفيا، ليس فقط مع حماس، بل مع مصر أيضًا. وقال هاليفي "إن جيش الدفاع الإسرائيلي يعرف كيف يدخل ويعود إلى محور فيلادلفيا في نهاية الأسابيع الستة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. هناك ما يكفي من القيود في المباحثات، ولا حاجة لإضافة قيد آخر".

وبحسب تقرير الصحيفة العبرية، أضاف رئيس الموساد ديفيد بارنيه الذي يشارك في مفاوضات القاهرة والدوحة "لا يوجد أي منطق لهذا التصويت الآن. في جميع الأحوال المفاوضات تركز الآن على قضايا أخرى، وليس محور فيلادلفيا".

وعاد جالانت للحديث قائلًا لنتنياهو إن إسرائيل "تواجه احتمالين. إما الاستمرار في نشر قوات جيش الدفاع في محور فيلادلفيا أو إعادة الرهائن إلى بيوتهم. أنت تصر على البقاء في فيلادلفيا. هل يبدو ذلك أمرًا منطقيًا بالنسبة لك؟ هناك رهائن لا يزالون هناك على قيد الحياة". فرد ديرمر حليف نتنياهو "رئيس الوزراء يحق له فعل ما يشاء". فعقّب جالانت "رئيس الوزراء يحق له بالتأكيد اتخاذ كل القرارات، ويمكنه أن يقرر أيضًا قتل كل الرهائن".

ولكن نتنياهو كرر زعمه الوهمي، وفق التقرير ذاته، بأن الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا هي الطريقة الوحيدة التي ستُمكِّنه من منع حماس من إعادة تسليح مقاتليها وشن هجوم مماثل لما وقع في السابع من أكتوبر. كما عبر عن قناعته بأن استمرار الضغط على حماس بالتمسك ببقاء القوات على طول الحدود مع غزة، هو ما سيدفعها لتقديم تنازلات، مشيرًا إلى أن استمرار حرب الإبادة هو ما دفع السنوار إلى التخلي عن شرطه السابق بالإعلان المسبق عن وقف القتال بالكامل، والحصول على ضمانات بعدم استئنافه لاحقًا.

بعد التصويت، تذكر تايمز أوف إسرائيل أن جالانت بدا معزولًا ووحيدًا أمام محاولة نتنياهو وحلفائه لدفعه إلى الاستقالة عوضًا عن إقالته من منصبه. ولكنه لم يتخلَّ عن موقفه، وقال بمرارة إن الوزراء سيضطرون "عاجلًا أو آجلًا" للقبول بموقفه والتخلي عن الأعذار التي يفتعلها نتنياهو لمنع الاتفاق، رغم كل الضغوط الأمريكية والدولية. كما حذر من أن عدم التوصل إلى اتفاق لن يؤدي فقط إلى قتل المحتجزين الإسرائيليين بل سيوسع نطاق الحرب ويشعل المنطقة برمتها.

تحققت مخاوف جالانت، الذي طلب المدعي العام للجنائية الدولية القبض عليه، رفقة نتنياهو، لاتهامهما بجرائم حرب، عاجلًا جدًا وليس آجلًا، بعد العثور على الجثامين الستة، ولم يأبه أحد لاتهام حماس بقتلهم، فالإسرائيليون والعالم كله يعرفون جيدًا مَن المسؤول عن قتل هؤلاء المحتجزين، ربما باستثناء نتنياهو الذي يعتقد أن بإمكانه التلاعب بالجميع للأبد.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.