تدخل مبادرة إعفاء سيارات المغتربين من رسوم الاستيراد شهرها السابع عشر في مارس/آذار الحالي، وهو على الأرجح الشهر قبل الأخير للمبادرة وفق تصريحات وزير المالية، ما يجعل الأيام الحالية بمثابة آخر فرصة للملايين من المقيمين في الخارج للتمتع بإعفاء سخي، في مقابل ترك وديعة دولارية لدى الحكومة واستلامها بالجنيه بعد خمس سنوات.
وبينما شهد سعرا الصرف الرسمي والموازي تقلبات عنيفة منذ انطلاق المبادرة، كان آخرها ارتفاع الدولار الرسمي إلى 49.5 جنيه، لا تشغل هذه التطورات جل اهتمام المغتربين. فالقيمة الأساسية للمبادرة تتمثل في نظرهم بالقدرة على استيراد سيارات بمعايير جودة مرتفعة غير متاحة في السوق المصرية.
لكن المغتربين يوصون في حال مد وزارة المالية تطبيق المبادرة لأشهر أخرى، كما فعلت في مرات سابقة، أن تقوم بتيسير الإجراءات البيروقراطية، التي يرونها أكثر العوامل التي تقلق المغتربين عند التقدم للمبادرة.
جودة السيارة الأجنبية
"لم أشغل بالي كثيرًا بالتغيرات التي طرأت على سعر الصرف بين السوقين الموازية والرسمية، لأنني أفكر في استيراد سيارة جيدة موديل 2023 بمواصفات غير متاحة في مصر" كما يقول أحمد علي، مغترب في السعودية منذ عشر سنوات، يسعى للمشاركة في مبادرة سيارات المغتربين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2022، أطلقت وزارة المالية مبادرة لإعفاء المصريين في الخارج من الرسوم الضريبية والجمركية على السيارات المستوردة بمعرفتهم، في مقابل إيداع هذه الرسوم لدى المالية بالدولار واسترداد قيمتها بالجنيه بعد خمس سنوات.
وبينما استهدفت المالية جني عشرة مليارات دولار من المبادرة، اضطرت لتمديد أجل المبادرة عدة مرات كان آخرها في يناير/كانون الثاني، على أمل تحقيق هذا العائد الطموح.
ومع قرار المد الأخير لأجل المبادرة، الذي ينتهي في أبريل/نيسان المقبل، خفضت المالية سقف توقعاتها لعوائد المبادرة إلى ملياري دولار، لكنها لا تزال تمثل رقمًا طموحًا للبلاد التي تعاني شح النقد الأجنبي.
"المبادرة تضمن لنا سيارة بمواصفات خليجية أو كورية أفضل من السيارات الموجودة لدى الوكلاء في مصر"، كما يقول إبراهيم عيبة لـ المنصة، وهو مهاجر مصري في إيطاليا يعمل في مجال البناء.
وينتظر عيبة إتمام إجراءات استيراد سيارته كيا سبورتاج موديل 2022، التي يصل سعرها في الخارج إلى نحو 27 ألف دولار (1.3 مليون جنيه بالسعر الرسمي)، حسب قوله.
وحسب القانون المنظم للمبادرة، يستحق المصري المقيم في الخارج إعفاءً من الرسوم الجمركية على سيارته المستوردة يصل إلى 70%، وهو رقم سخي كون الجمارك المستحقة تتراوح بين 40 - 135%، باستثناء المستورد من دول الاتحاد الأوروبي، التي تتمتع سيارات مستوردة منها، ذات مواصفات محددة، بإعفاء كامل من الرسوم.
أما محمد نوفل، المقيم في أستراليا ويعمل في مجال التسويق، فاختار شراء تويوتا كورولا موديل 2015، ويقول إنها الماركة الأكثر شيوعًا بين المتقدمين لأنها ضمن الفئات الأقل من حيث الرسوم الجمركية "هي سيارة جيدة بمواصفات عالية لن تجد نظيرتها لدى الوكلاء المصنعين في مصر، ومن الممكن بيعها في مصر بضعف الثمن على الأقل".
بادر نوفل بالانضمام للمبادرة كي يستفيد شقيقه منها، بعد أن فقد الأخير الأمل في تدبير سعر سيارة حديثة في ظل موجة الغلاء التي يشهدها سوق السيارات، الحديثة والمستعملة، في مصر.
ميزة تغير سعر الصرف
من جهة أخرى، يرى مغتربون أن التطورات الأخيرة في سعر صرف الدولار في السوق الموازية تجعلهم رابحين من الاشتراك في المبادرة حتى الآن، سواء على صعيد ارتفاع السعر الرسمي (الذي زاد من قيمة سياراتهم المستوردة) أو انخفاض سعر الصرف الموازي.
وانخفض الدولار الموازي بقوة خلال فبراير/شباط الماضي، من أكثر من 70 جنيهًا في بعض التعاملات لأقل من 50 جنيهًا، مع أنباء إيجابية عن تمويلات خارجية من صندوق النقد وشركاء آخرين.
"هبوط الدولار بالسوق الموازية قلل من الفارق بين سعر الصرف الموازي والسعر الرسمي الذي سأسترد به وديعتي"، كما يوضح علي، المقيم في السعودية.
ويشرح علي أنه بعد أن كانت قيمة فرص الاستثمار البديلة لهذه الوديعة، من خلال بيعها في سوق الصرف الموازية، ستجلب له نحو 280 ألف جنيه، انخفضت قيمة الفرصة البديلة إلى 160 ألف جنيه حاليًا.
ويقول المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، حسين مصطفى، لـ المنصة إن "هبوط سعر الصرف بالسوق الموازية واقترابه من السعر الرسمي للدولار، يقطع الطريق أمام تردد الكثير منهم في وضع الوديعة الدولارية بسعر أقل من قيمته بالسوق الموازية".
الإجراءات الطويلة العائق الأكبر
في عام 2008 بدأ حماد رحلته للعمل مدرسًا بوزارة التربية الكويتية. قضى سنواته الأولى في البلد الخليجي بلا سيارة، إلى أن امتلك واحدة في 2013، وهكذا تيسرت حياته هناك. لكنه كلما زار مسقط رأسه في بني سويف، كان يستعيد مصاعب حياة ما قبل السيارة، في ظل ارتفاع تكاليف نقل السيارة من الكويت إلى بلده.
لذا يشعر حماد بالامتنان تجاه مبادرة سيارات المغتربين التي مكنته من التمتع في مصر بنفس الرفاهية التي كان يعيشها في الكويت، لكنه في المقابل عانى مصاعب إجراءات الاستلام.
تلك الإجراءات استغرقت ثلاثة أشهر، وبدأت من خلال التسجيل في منصة أنشئت خصيصًا للمغتربين، ثم إتمام التحويلات البنكية المطلوبة وانتظار صدور الموافقة الاستيرادية، إلى أن انتهت بإجراءات الإفراج الجمركي.
واضطر حماد بعد استيفاء المستندات المطلوبة إلى العودة لمصر لاستكمال إجراءات أخرى، تتعلق باستخراج شهادة تفيد بتحركاته خارج وإلى مصر خلال فترة إقامته بالكويت، إلى جانب اعتماد القنصلية المصرية البيانات الخاصة بالسيارة، وتشمل فاتورة الشراء وأخرى موثقة من الخارجية لبلد الإقامة والسفارة المصرية بتاريخ وموديل السيارة.
ونظير استلام سيارته، اضطر المدرس المقيم بالكويت إلى تسديد 17 ألف جنيه للمخلِّص الجمركي بميناء سفاجا، وهي رسوم يدفعها كل من يقوم بعملية استيراد وتصدير عبر الجمارك مقابل إنابة شركات متخصصة لتسهيل الإجراءات مع السلطات المختصة، وتتفاوت الرسوم من شركة لأخرى وتخضع للمضاربة، حسب حماد.
كذلك يشرح عيبة، المهاجر في إيطاليا، كيف كافح طويلًا من أجل شراء سيارة، وكانت المبادرة فرصة له لكي يستفيد منها خلال عطلاته السنوية في مصر. لكنه عانى من التأخر في الحصول على الموافقة الاستيرادية، وأرسل استفسارات للوزارة ولم يتلقَّ ردًا، حتى اضطر لإيفاد شقيقه إلى مصلحة الجمارك لإتمام الإجراءات.
ورصدت المنصة عبر مجموعات وصفحات أسسها مصريون عاملون بالخارج للتواصل فيما بينهم للتسجيل بالمبادرة، أن غالبية الشكاوى تدور حول عدم حصولهم على إفادات من البنوك المحلية، التي حددتها وزارة المالية، باستقبال الأموال المحولة من حساباتهم البنكية، لمدد تتجاوز الشهرين. وكذلك عدم استلام آخرين الموافقة الاستيرادية الخاصة بهم رغم استيفاء الشروط، وهو ما دفع بعضهم إلى إلغاء طلبات التسجيل عبر التطبيق الإلكتروني والمطالبة باستعادة الرسوم.
تنتقص الإجراءات البيروقراطية من جاذبية المبادرة، في رأي نوفل، لكنها لا تُفقدها بريقها تمامًا، فهي لا تزال فرصة لتحقيق حلم الكثير من المغتربين في نقل وسيلة المواصلات المريحة التي يتمتعون بها في الخارج إلى بلدهم الأم دون تحمل تكاليف الجمارك الباهظة.