"إذا كانت صناعة السيارات التقليدية فاتتنا (..) ندخل في موضوع العالم كله شغال فيه"، هكذا قدم رئيس الجمهورية قبل أيام صناعة واعدة في مصر، وهي السيارات الكهربائية.
سيطر حلم صناعة سيارة مصرية على مخيلة أجيال متعاقبة من المسؤولين المصريين منذ ستينيات القرن الماضي، غير أن هذا الحلم الكبير انتهى إلى صناعة تجميع متواضعة الشأن، ومع بزوغ صناعة السيارات الكهربائية استعاد الحلم قوته، وتطلعت القيادات الحكومية إلى تعويض إنجازها المفقود فيه.
وبينما يزدحم شريط الأخبار بالبيانات والتصريحات عن قرب إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية، فإننا لا نعرف حتى الآن بدقةٍ متى سنرى أول سيارة من هذا النوع؟ وكيف سنقدِر على تعظيم المكون المحلي فيها، ونقنع بها من اعتادوا على السيارات التقليدية؟
خمسة أعوام من التصريحات البراقة
بدأت أولى محاولات صناعة سيارة كهربائية مصرية في عهد وزير قطاع الأعمال السابق هشام توفيق، من خلال رعاية اتفاق بين شركة النصر للسيارات وشركة دونغ فينج الصينية عام 2020، لإنتاج السيارة المسماة "النصر E70"، إلا أن المفاوضات تعثّرت بين الطرفين في أواخر عام 2021، بسبب أن "النصر" كانت في حاجة لخفض سعر المكون المستورد حتى تتمكن من طرح سياراتها بسعر تنافسي لكنها عجزت عن الوصول لاتفاق مع الجانب الصيني في هذا الشأن.
تمثل السيارات الكهربائية المستوردة نسبة ضئيلة من مبيعات السيارات المصرية يقدرها البعض بـ 0.1%
لم تثنِ هذه العثرات المسؤولين المصريين عن الاستمرار في حلم السيارة الكهربائية، و في عام 2023، تطلعت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، التابعة لوزارة التعليم العالي، لدعم شركات محلية بإبرام شراكات مع كيانات أجنبية متخصصة في إنتاج هذه السيارات، وفي هذا السياق شجعت الأكاديمية شركتين محليتين هما متجر وإيجبت سات أوتو، لكنهما لم يصلا بعد لمرحلة إنتاج سيارات الركوب.
بجانب المبادرات الحكومية، شهد 2024 إعلانات متوالية عن شراكات محلية-أجنبية لصناعة السيارات الكهربائية، لم تثمر أي منها حتى الآن بخروج سيارة إلى النور، من بينها شراكة ألكان أوتو، إحدى شركات المجموعة المصرية العالمية للسيارات، مع بايك الصينية، وشراكة السويدي-عز العرب مع بروتون الماليزية، وغبور أوتو/GB Corp مع فاو الصينية.
كما أُعلن خلال إعادة افتتاح النصر للسيارات، بعد 15 عامًا من التوقف، توقيع عقد تأسيس شركة لتصنيع بطاريات و"ميني باصات" كهربائية بالتعاون مع شركتين إحداهما إماراتية والأخرى سنغافورية تايوانية.
توطين أم تجميع؟
تستهدف المبادرات السابقة نِسَب تصنيع محلي قد تتجاوز 60%، وهي معدلات طموحة قياسًا بمعدلات التجميع المحلي في السيارات التقليدية.
"لدينا القدرة على إنتاج سيارات كهربائية بمكونات محلية تصل إلى 70% على الأقل، على عكس السيارات التقليدية التي تحتوي محركاتها على حوالي 7000 جزء يصعب تصنيعها محليًا"، كما يؤكد رئيس مجلس الإدارة الأسبق للشركة الهندسية لصناعة السيارات، رأفت مسروجة، لـ المنصة.
يوضح رئيس لجنة سيارات الطاقة النظيفة بشعبة السيارات، أحمد زين، لـ المنصة أن "العامل الحاسم في رفع نسبة المكون المحلي في السيارات الكهربائية هو التوسع في إنتاج بطارية محليًا".
وبجانب محاولة شركة النصر لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، التي لم يُكشف بعد عن تفاصيلها، تأسست في 2021 شركة Shift EV التي تحوذ مصنعًا للبطاريات الكهربائية بطاقة 500 ميجاوات/ساعة سنويًا.
وتشير تقارير صحفية إلى أن الهيئة العربية للتصنيع عملت أيضًا على إنشاء مركز لتصنيع وتجميع بطاريات الليثيوم لوسائل النقل الكهربائية، لكنها ستبقى محدودة الإمكانات لاستخدامها في الدراجات والسكوترات وعربات الجولف فقط.
متى تخرج السيارة الأولى للنور؟
حسب المنتجات المعروضة على موقع "متجر"، فإن إنتاجها الحالي لا يزال ينحصر في منتجات سيارات الجولف والأسكوترات الكهربائية، بجانب السيارات منخفضة السرعة، التي صممتها الشركة للتنقل داخل المدن.
كذلك تعرض إيجبت سات أوتو على موقعها سيارات الجولف الكهربائية، في الوقت الذي حصلت فيه على الرخصة الذهبية عام 2023 التي تتيح لها إقامة مصنع يشمل طيفًا واسعًا من أنواع المركبات الكهربائية، ويقول رئيس الشركة محمد الغمري لـ المنصة إنه سيجري إنتاج سيارة كهربائية بسرعات تضاهي السيارات التقليدية خلال العام المقبل 2025.
"تم الانتهاء من الأبحاث الخاصة بتصميم السيارة، وسيتم الانتهاء من تركيب خط الإنتاج الخاص بها خلال الربع الأول من 2025، على أن يبدأ التصنيع خلال الربع الثاني من العام المقبل"، يوضح رئيس إيجيت سات أوتو.
يضيف "الشركة تعقد خلال هذه المرحلة مفاوضات مع شريك ألماني للدخول كمستثمر أجنبي وتستهدف إنتاج 5 آلاف سيارة شهريًا، وستقوم باستيراد خلية البطارية المشغلة للسيارة من الصين، مع التطلع لتصنيع البطارية بالكامل خلال عام ونصف العام من بدء عملية الإنتاج".
أما عن الشراكات المعلنة هذا العام، فلم تكشف إفصاحات الشركات عن موعد إنتاج سياراتها، باستثناء غبور أوتو التي قالت إن إنتاج عربتها سيبدأ العام المقبل.
رحلة البحث عن شاحن
لا تزال السيارات الكهربائية المستوردة تمثل نسبة ضئيلة من مبيعات السيارات المصرية، يقدرها البعض بـ 0.1% ويقتصر عدد المرخص منها في مصر على نحو 8 آلاف و509، ما يجعل وجودها هامشيًا في بلد يتجاوز فيه عدد السيارات الملاكي المرخصة 5 ملايين سيارة.
قد يكون سعر السيارة الكهربائية ضمن العوامل التي تحد من انتشارها "السيارات الكهربائية التي تسير بسرعة 100 كيلو في الساعة يتراوح سعرها بين مليون، ومليون ومائتي ألف، ومليون وخمسمائة ألف جنيه، وهي تدخل ضمن شريحة الأسعار الاقتصادية"، يؤكد عمر سلمان، تاجر سيارات لـ المنصة.
وهو ما قد يفسر احتفاء الصحافة المصرية بتصريحات رئيس إيجبت سات أوتو، عندما تحدث في 2023 عن أن سعر السيارة الكهربائية المحلية، المصممة بسرعة محدودة للتنقل داخل المدن، سيكون في حدود 120 ألف جنيه.
لكن عندما سألناه عن السعر المتوقع في 2025 قال إنه من الصعب تحديد سعر معين للسيارات التي ستنتجها الشركة في ظل تغير تكاليف الإنتاج خلال الفترة الأخيرة، خصوصًا مع تصاعد معدلات التضخم.
فرص نجاح السيارات الكهربائية في مصر تبدو كبيرة جدًا
بعيدًا عن السعر، تواجه السيارات الكهربائية تحديًا آخر يتعلق بضَعف البنية الأساسية المهيأة لها، خصوصًا محطات شحن الوقود ومراكز الصيانة.
تضم قائمة الشركات الحاصلة على تصاريح شحن السيارات الكهربائية من جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك 5 شركات فقط، ويقتصر عدد نقاط الشحن على نحو 300 محطة، ولم يجدد جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك المصري تراخيص شركتين عاملتين في مجال شحن السيارات الكهربائية، لعدم جديتهما في تنفيذ أي من نقاط الشحن المقترحة حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
في المقابل، تشكو شركات إنشاء محطات شحن السيارات من انخفاض تعريفة شحن السيارات التي تقررها لهم الدولة، والتي تحددت في فبراير/شباط 2022 بينما تعرض الجنيه لانخفاضات متوالية منذ هذا التاريخ.
"حجم الطلب على السيارات الكهربائية تضاعف بنسبة 100% في العام الحالي، وهو ما يعكس إقبال الناس على التغيير من الوقود الأحفوري إلى الكهرباء، لكن لا تزال البنية التحتية غير جاهزة فيما يخص أماكن انتشار محطات الشحن"، كما يقول رئيس لجنة سيارات الطاقة النظيفة بشعبة السيارات أحمد زين لـ المنصة.
ولتجاوز عقبة ضعف البنية التحتية، يقترح رئيس لجنة الصناعة بنقابة المهندسين جمال عسكر تغطية الشوارع بشبكة واسعة من محطات الشحن، على غرار مشروع "الشواحن في محطات البنزين" الذي بدأ تطبيقه، وإن كان لا يحظى بانتشار على نطاق واسع، يمكن دعمه بتطبيق إلكتروني على الهواتف المحمولة يوضح أقرب نقاط الشحن للمستخدمين، لتسهيل استخدام السيارات الكهربائية في مصر.
وحسب تاجر السيارات عمر سلمان، فإن "الثقافة تغيرت بالفعل ناحية العربات التي تعمل بالكهرباء، لكن نقاط الشحن لا تزال المشكلة الأكبر لأن هناك طرقًا ومحافظات لم تصلها حتى الآن، وهذا ما يجعلها غير منتشرة بالكثافة المطلوبة، لكن ما نلاحظه أن هناك دفعة كبيرة لتنشيط سوق السيارات الكهربائية".
مستقبل السيارات الكهربائية
رغم التحديات التي تواجهها صناعة السيارات في مصر بشكل عام، وعدم تحقيق طفرات تذكر على مستوى التصنيع، فإن هناك من يرى أن السوق المصرية جاذبة للشركات الصينية الساعية للهيمنة على سوق العربات الكهربائية، إذ يقول أحمد زين إن موقع مصر الاستراتيجي والعمالة الماهرة والرخيصة وقدرتها على التصدير لأسواق إفريقيا والشرق الأوسط عوامل جذب للشركات الأجنبية المصنعة لإقامة مصانع لها بالقرب من أوروبا وآسيا وإفريقيا.
ويبدي رئيس لجنة الصناعة بنقابة المهندسين جمال عسكر تفاؤلًا بأن فرص نجاح السيارات الكهربائية في مصر كبيرة جدًا خصوصًا مع التوجه العالمي للحد من التلوث البيئي باستخدام سيارات صديقة للبيئة.