ساهم ارتفاع أسعار السكر مؤخرًا في إلقاء الضوء على البورصة السلعية، التي بدأت أعمالها نهاية العام الماضي، حيث باتت الدولة تعتمد عليها لتوفير السلع بأسعار أقل للتجار في السوق الحرة التي تشهد تذبذبات عنيفة بسبب ندرة العملات الصعبة وسيطرة سوق الصرف الموازية على التعاملات.
لكن بيانات حصلت عليها المنصة، من مصادر داخل البورصة، تعكس محدودية دورها في تغطية الطلب على سلع أساسية مثل القمح والذرة، وبينما توفر القدر الأكبر من الطلب على السكر فهي لا تزال عاجزة أيضًا عن توجيه أسعاره.
الحكومة تسيطر على التعاملات
انطلقت أعمال البورصة السلعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بعد عامين من تأسيسها وفقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء كشركة مساهمة مصرية، بهدف إتاحة المجال للتداول على سلع مختلفة، تتركز معظمها في مجال الغذاء.
وحسب مصدر رفيع المستوى من داخل البورصة السلعية، تحدث لـ المنصة طالبًا عدم نشر اسمه، فإن الجهات التابعة للدولة هي الطرف الأساسي الذي يقوم بطرح السلع في البورصة، بينما يتاح الشراء فيها لفئات مختلفة من التجار. "معظم السلع المتداولة من جهات حكومية، على رأسها هيئة السلع التموينية والشركة القابضة للصناعات الغذائية"، على حد قول المصدر.
تشمل السلع المطروحة بالبورصة القمح والذرة الصفراء والردة، وهي مستوردة من الخارج، وتطرح عن طريق هيئة السلع التموينية، وتستهدف الدولة من طرحها توفيرها لصغار التجار للسيطرة على أسعار العلف، كما يقول المصدر.
بينما توفر السكر شركات حكومية تابعة لوزارة التموين، بعد شراء محصولي البنجر وقصب السكر من المزارعين، كما يضيف المصدر بالبورصة.
ولا يزال الذهب والفضة المعدنين اللذين توفرهما مصلحة الدمغة والموازين، التابعة للتموين أيضًا، وفقًا للمصدر.
"الدولة تحدد الكميات المطروحة من كل سلعة حسب احتياج السوق، على سبيل المثال كانت تطرح من السكر في الجلسة الواحدة 5 آلاف طن خلال أغسطس/آب الماضي، ارتفعت إلى 30 ألف طن خلال الجلسات الأخيرة، مع ارتفاع سعر السكر في السوق الحرة"، يوضح المصدر.
ويشير المصدر إلى أنه خلال الفترة نفسها تقريبًا "تراجعت كميات القمح المعروضة من خلال البورصة من 20 ألف طن في الجلسة إلى 5 آلاف طن نظرًا لزيادة المعروض في السوق المحلية".
وتطرح البورصة السكر خلال جلسة يوم الخميس، والقمح المستورد خلال جلستين أسبوعيًا يومي الأحد والأربعاء، والذرة الصفراء المستوردة يومي الاثنين والخميس، والردة يوم الاثنين، والمعادن يوم الثلاثاء.
معدلات التغطية للاستهلاك المحلي
تمثل السلع المطروحة في البورصة النسبة الغالبة من الطلب المحلي على السكر، كما يوضح مصدر مسؤول بقطاع التجارة الداخلية في وزارة التموين، طلب عدم نشر اسمه.
وحسب المصدر، فإن البورصة السلعية تضخ في المتوسط 120 ألف طن شهريًا من السكر، بينما تحتاج السوق المحلية ما يتراوح من 170 إلى 180 ألف طن من السكر شهريًا.
وما يساعد الدولة على طرح تلك الكميات من السكر في البورصة هو سيطرتها على الإنتاج المحلي منه، حيث توجد 15 شركة في مجال تكرير السكر، ثمانٍ منها تعمل على تكرير القصب وسبع على البنجر، وتتبع الشركات الثمانية الشركة القابضة الغذائية، التي تتبع بدورها وزارة التموين، بينما يمتلك القطاع الخاص ثلاث شركات في مجال تكرير سكر البنجر والباقي تابع للدولة أيضًا.
وعلى صعيد القمح، فإن أقصى ما تطرحه البورصة السلعية شهريًا 80 ألف طن، بينما يبلغ الطلب المحلي 1.8 مليون طن شهريًا، توفر السوق الحرة منهم حوالي 800 ألف طن، كما يضيف المصدر بوزارة التموين.
الحال نفسها في مجال الذرة الصفراء، حيث يبلغ الطلب المحلي في المتوسط 800 ألف طن شهريًا تقريبًا في حين تتداول البورصة 80 ألف طن شهريًا بحد أقصى.
ونظرًا لعدم وجود بائعين للمعادن في البورصة حتى الآن غير مصلحة الدمغة والموازين، ولاعتماد الأخيرة فقط على طرح المعادن التي يتم مصادراتها من المخالفات في السوق، فإن البورصة لم تشهد بيعًا للمعادن سوى في جلسة واحدة 14 نوفمبر الماضي، حيث طرحت الهيئة فيها 107 سبائك تشمل 66 سبيكة ذهب و41 سبيكة فضة، وفقًا للمصدر بوزارة التموين.
أسعار منافسة للسوق الحرة
تنخفض أسعار السلع المطروحة في البورصة عن أسعار السوق الحرة بفارق لافت، كما يقول عضو مجلس إدارة في البورصة السلعية، لـ المنصة طالبًا عدم نشر اسمه.
وحسب المصدر فإن سعر طن السكر يتراوح في البورصة السلعية بين 24 و24.3 ألف جنيه، بينما يصل إلى ما بين 45 و50 ألف جنيه للطن في الأسواق.
شهدت أسعار السكر ارتفاعات غير مسبوقة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع وصول سعر الكيلو للمستهلكين إلى نحو 50 جنيهًا في أسواق القطاع الخاص.
كذلك تطرح البورصة طن القمح المستورد من روسيا بسعر 10 آلاف جنيه، في حين تتداوله الأسواق الحرة بحوالي 12 ألف جنيه، وعندما ارتفع بالأسواق مؤخرًا إلى 13 و14 ألف جنيه، عرضته هيئة السلع التموينية بـ11 ألف جنيه للطن.
على الرغم من تلك الأسعار التنافسية، فإن دور البورصة في توجيه الأسعار لا يزال محدودًا بسبب ضعف تغطيتها للطلب المحلي في مجالات مثل الحبوب، التي تؤثر على أسعار العلف والدقيق.
"لم تستطع البورصة السلعية خفض أسعار الأعلاف خلال الأشهر الماضية، نتيجة قلة المعروض فيها من مدخلات إنتاج العلف، مقابل زيادة الطلب على الأعلاف في السوق"، كما يقول مصدر مسؤول عن ملف الأعلاف في وزارة الزراعة، لـ المنصة طلب عدم نشر اسمه.
وعلى صعيد السكر، فإن قدرة البورصة على توجيه السعر محدودة، لأن التجار كانوا يشترونه من البورصة بسعر رخيص ويبيعونه بسعر مرتفع في السوق الحرة، كما يقول عضو مجلس إدارة البورصة.
ويعلق المصدر بقوله "رغم تداول البورصة نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلي الشهري للسكر تصل لنحو 66%، إلا أن أسعار الأسواق الحرة مرتفعة لمستويات غير طبيعية".
عجز عن تلبية الطلب
نتيجة لانخفاض أسعار السلع المباعة من خلال البورصة، تشهد بعض تعاملاتها إقبالًا قويًا من التجار، لكن ضعف الكميات المطروحة يعوق قدرة هذه السوق على تلبية طلبات المشترين، كما يقول عضو مجلس الإدارة بالبورصة.
ويضرب المصدر مثالًا على ذلك بتداولات القمح خلال جلسة 22 نوفمبر الماضي، حيث "طرحت الهيئة العامة للسلع التموينية حوالي 5 آلاف طن قمح مستورد للبيع لمطاحن القطاع الخاص والعام بسعر 11.4 ألف جنيه للطن، استقبلنا حوالي 97 طلب شراء، أي أن الكميات المطلوبة تجاوزت 17 ألف طن".
وحتى في مجال السكر الذي تستطيع البورصة توفير كميات كبيرة منه، فإن المصدر بمجلس إدارة البورصة يرى أن دورها لن يكلل بالنجاح دون وجود دور للدولة في الرقابة على الأسواق.
ويقول المصدر "يجب أن تكون هناك إجراءات حاسمة من الدولة للسيطرة على الأسعار من كافة الجهات الحكومية المعنية بذلك".
ويتفق المصدر بوزارة الزراعة مع المصدر السابق حول الحاجة لتقديم المزيد من الدعم لدور البورصة في توجيه الأسعار "البورصة أظهرت بعض التأثير لكن لا تزال تحتاج إلى تضافر الجهود والإمكانيات".