كشف الانخفاض الحاد للعملة الإسرائيلية في مواجهة الدولار، منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عن حجم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل، ما دفع العديد من الجهات المراقبة للاقتصاد الإسرائيلي لرفع التحذيرات بشأن طول هذه الحرب، ومدى قدرة تل أبيب على تحمل تكلفتها.
مثَّل تخطي الدولار لعتبة الـ4 شيكل في 16 أكتوبر الماضي صدمة لكثير من المتابعين للاقتصاد الإسرائيلي، كون العملة الإسرائيلية لم تسجل هذا المستوى منذ 2015.
وجاء انخفاض العملة مدفوعًا بعمليات بيع على المكشوف كثيفة للشيكل، وتحمل البنك المركزي الإسرائيلي تكلفة كبيرة لمساندة عملته المتهاوية، من خلال خطة عاجلة بـ45 مليار دولار، منها 30 مليار دولار تم ضخها في الأسواق مباشرة لحماية العملة، وتمديد اتفاقيات مبادلة بـ15 مليار دولار.
لكن الخطة على ضخامتها لا تمثل عبئًا كبيرًا على إسرائيل التي تتمتع باحتياطات ضخمة، تقترب قيمتها من 198.5 مليار دولار، وفقًا لآخر إفصاح في سبتمبر/أيلول 2023.
ويستشعر المراقبون للاقتصاد الإسرائيلي وجود مخاطر كبيرة على الوضع المالي للبلاد، وعبرت عن ذلك تكلفة التأمين على الديون الإسرائيلية، التي وصلت بعد الحرب على غزة إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا.
كما واجهت إسرائيل تعليقات سلبية عدة من مؤسسات التصنيف الائتماني خلال الأيام الأخيرة، فقد خفضت مؤسسة ستاندرد آند بورز تصنيفها للديون السيادية لإسرائيل من مستقرة إلى سلبية، وأرجعت ذلك إلى قلقها من إمكانية استمرارية الحرب في غزة إلى ما يصل لستة أشهر.
كذلك وضعت وكالة فيتش تصنيف الديون السيادية لإسرائيل تحت المراقبة السلبية، وعزت قرارها إلى قلقها من أن تشترك كل من إيران وحزب الله في الحرب الدائرة حاليًا ضد حركة حماس.
تأثير الحرب في النمو الاقتصادي
وفي بداية 2023 توقع الاقتصاديون انخفاض نمو الناتج الإجمالي لإسرائيل خلال العام، بسبب سياسات البنك المركزي الإسرائيلي برفع الفائدة، التي تؤثر سلبًا في حجم الإنفاق داخل البلاد.
وتوقعت رويترز في فبراير/شباط الماضي انخفاض النمو خلال العام الجاري إلى نحو 3% مقابل 6.5% العام الماضي، وبعد الحرب الأخيرة من المرجح أن يتباطئ الاقتصاد بصورة أكبر.
من أبرز العوامل الضاغطة على الاقتصاد الإسرائيلي حجم الاستدعاءات الضخمة للجيش، ما أدى إلى سحب جانب كبير من القوى العاملة في البلاد وتوجيهها إلى الحرب.
وبلغ عدد من استدعتهم إسرائيل إلى قوات الاحتياط في حرب غزة 360 ألف عسكري، وهو أكبر استدعاء في التاريخ الحديث لإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973.
عن ذلك يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية بإسرائيل، إيال وينتر "في حالات مثل السياحة يتعرض القطاع للجفاف بسرعة".
وبحسب آخر تقرير إسرائيلي، استقبل قطاع السياحة في البلاد 2.11 مليون سائح أجنبي خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، وهي لا تزال معدلات أقل من التي كانت تحققها إسرائيل قبل وباء كوفيد-19، عندما وصل عدد السياح في نصف عام إلى 2.42 مليون سائح، و تقدر إيرادات السياحة بـ6 مليار دولار .
و انعكست الحرب أيضًا على قطاع الطيران، حيث ألغت الكثير من شركات الطيران، أو علقت الرحلات إلى إسرائيل حتى نهاية العام الحالي على أقل تقدير، في حين ألغت شركة فين جميع رحلات تل أبيب إلي نهاية مارس/آذار من العام المقبل.
كما ساهمت الحرب في إغلاق حقل تمار الإسرائيلي، بسبب المخاوف من تأثره بالعنف الدائر في البلاد. ويعد النفط أحد الصناعات الاستراتيجية في إسرائيل، نظرًا لتحولها في الفترة الأخيرة إلى واحدة من أبرز البلدان المصدرة للغاز.
التكلفة العسكرية للحرب
هذا بجانب التكلفة المباشرة على إسرائيل للإنفاق العسكري، أو ما تتكبده من خسائر بسبب هجمات الصواريخ من الجانب الفلسطيني.
تختلف تقديرات المؤسسات المالية والبنوك الإسرائيلية لتكلفة الحرب الحالية، ووفقًا لكبير الاستراتيجيين في بنك هبوعليم في تل أبيب، مودي شافرير، تصل تكلفة الحرب الحالية إلى 7 مليار دولار ما يمثل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي.
وقُدرت تكلفة تلك الحرب استنادًا إلى حروب سابقة دخلت فيها إسرائيل، مثل حرب لبنان 2006، التي استمرت ما يزيد عن شهر، وبتكلفة وصلت إلى 2.4 مليار دولار. ويُقدر محللون التكلفة الحالية لليوم الواحد من الحرب بـ37 مليون دولار.
وتسبب الحرب ضغطًا متزايدًا على الموازنة العامة لإسرائيل وسط توقعات بارتفاع عجز الموازنة في 2024 إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يدفع إسرائيل إلى الاقتراض لتخفيض ذلك العجز، ويعد ذلك الحل مكلفاً للغاية مع ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا.
لكن إسرائيل تتمتع بمساندة دولية قوية، إذ وافقت الولايات المتحدة على توجيه مساعدة عسكرية عاجلة لإسرائيل مقدارها 10 مليار دولار، ويعادل ذلك المبلغ قيمة 3 سنوات من المساعدات العسكرية التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية للبلاد، كما يُمثل نصف الميزانية المخصصة للدفاع في إسرائيل.