سأل الصحفي الأمريكي الشهير بوب ودورد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وفقا لما جاء في كتابه عن حرب العراق خطة الهجوم الصادر في 2004، إذا ما كان استشار والده، الرئيس الأسبق، بشأن قراره غزو واحتلال البلد العربي في مارس/آذار 2003. ورد بوش الابن قائلًا "إن والدي هو الشخص الخطأ لكي أتوجه له بالسؤال.. هناك أب أعلى أتوجه له بالدعاء"، في إشارة إلى الله.
وفي لقاء لاحق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العام 2005، قال بوش له "تحركني مهمة كلفني بها الله. فالله قال لي: اذهب وقاتل هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان. وقمت بذلك. وبعد ذلك قال لي الله: جورج، اذهب وأنهِ الطغيان في العراق. وفعلت ذلك. الآن أشعر مرة أخرى بكلمات الله تصل لي: اذهب وحقق للفلسطينيين مطلبهم بإنشاء دولتهم، وحقق الأمن للإسرائيليين، وحقق السلام في الشرق الأوسط. وبمعونة الله، سأقوم بذلك".
لا يعرف أحد ما إذا كان الله تحدث بالفعل لبوش الابن وأمره بشن الحروب التي قتلت مئات الألوف من البشر، ومزقت أفغانستان والعراق حتى يومنا الحالي. ولا أعرف إن سامحه الله على تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب الشهير، أو كذبه على العالم بشأن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. ولكن بينما أعانه الله، حسب زعمه، في تدمير العراق وأفغانستان، فإنه لم يدعمه لتحقيق الدولة الفلسطينية الغائبة بعد عشرين عامًا من تصريحاته المذهلة.
ولكن الشعب الأمريكي حاسب الحزب الجمهوري الذي ينتمي له حسابًا عسيرًا، فقام بعد انتهاء فترته الثانية بانتخاب الرئيس الشاب من الحزب الديمقراطي، باراك أوباما، بدلًا من جون ماكين الذي تبنى خطابًا عنتريًا مماثلًا لبوش الابن.
عن السجن وإرادة الله
تذكرت تلك الوقائع، التي نقلتها عندما كنت مراسلًا للأهرام في واشنطن، وأنا أستمع للرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب في الإسكندرية في 14 يونيو/حزيران وهو يقول إن وجود آلاف المواطنين المصريين في السجون هدفه إنقاذ الوطن، وأن من سيحاسبه في هذا الشأن ليس من وجّه السؤال، ولكن الله. "ده إنقاذ وطن.. اللي ها يحاسبني عليه مش انت.. اللي ها يحاسبني عليه ربنا".
السجن لمجرد انتقاد سياسات الرئيس وطريقته في إدارة شؤون البلاد لا يمكن أن تكون له علاقة بتنفيذ مشيئة الله
كان التصريح مؤلمًا لي بشكل شخصي حيث كنت أحد هؤلاء السجناء، بصحبة رفاق آخرين كثيرين، ولا أعرف كيف أنقذ سجني الوطن، أو كيف كانت ستساهم حريتي في تدميره.
ربما كان يقصد الرئيس سجن المتورطين في العمليات الإرهابية، وهذا أمر مشروع يقره القانون. ولكن النائب البرلماني الذي وجه السؤال كان يطالب بالإفراج عن سجناء الرأي غير المتورطين في أي إرهاب.
فالسجن ظلمًا لمجرد التعبير عن الرأي وانتقاد سياسات الرئيس وطريقته في إدارة شؤون البلاد لا يمكن أن تكون له علاقة بتنفيذ مشيئة الله، بل هو قرار تتخذه أجهزة أمنية على الأرض التي نعيش عليها اعتقادًا بأن هذه هي الوسيلة المثلى لحماية أمن البلد واستقراره.
وطوال نحو عامين قضيتهما في السجن، لم تتح لي حتى فرصة معرفة تفاصيل الاتهامات وكيف يمكن أن يكون يساري علماني مثلي شريكًا لجماعة إرهابية في تحقيق أهدافها مع العلم بأغراضها، أو ما الأخبار الكاذبة التي نشرتها وكيف أسأت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وفي كل مرة كنت أسأل وكيل النيابة عن تفاصيل الاتهامات، يكون الرد "هذه جلسة تجديد وليست جلسة تحقيق".
لا أنكر أنني كنت أيضًا أتوجه إلى الله لكي يرفع الظلم عني وأحذر من يحققون معي من أن الظلم ظلمات يوم القيامة. ولكني لست رئيسًا وأخاف حساب الناس على الأرض، مثلما أخشى حساب الله عندما تقوم القيامة.
قد يكون من المطمئِن لكثيرين أن لدينا رئيس متدين يخشى الله ويستدعيه في الكثير من تصريحاته وينهي بعض خطبه بالأدعية المخلصة ويبكي بصدق أمام قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) طلبًا للعون والدعم للمهمة التي يرى أن الله وحده كلفه بها من أجل إنقاذ مصر.
الحساب على الأرض
ولكن في الدول المدنية الديمقراطية الحديثة، حيث المؤسسات المختلفة من برلمان وقضاء وصحافة حرة، فإن حساب المسؤولين يكون على الأرض من الشعب، وليس من الله في السماء. فإذا نجح الرئيس، أي رئيس، وحقق وعوده، يدعمه الشعب ويجدد له فترة رئاسته المنصوص عليها في الدستور. وإذا أخفق ولم يحقق طموحات شعبه، يتم اختيار آخر لديه خطط مختلفة قد تنجح في تلبية طموحات الشعب.
ونالني الإحباط نفسه والشكوك في أن الحوار الوطني الذي أنهى شهره الأول سيكون مثمرًا، رغم تعهد الرئيس بتنفيذ كل ما سيصدر عنه من توصيات، وبعد أن أقر علنًا أنه لا يمكنه تنفيذ ما ورد في الدستور بشأن النسب المقررة للإنفاق على التعليم والصحة بسبب عدم توافر الإمكانيات.
يؤكد الرئيس مرارًا أن المشاريع الضخمة مثل العاصمة الإدارية هدفها تحويل التراب إلى فلوس
وكان قد أدلى بتصريحات مشابهة قبل سنوات عندما وصف دستور 2014، الذي كنا نعتقد أنه أهم إنجاز نجم عن إنهاء حكم الإخوان، بدستور "النوايا الحسنة". ما الذي يهم عموم المصريين أكثر من الصحة والتعليم وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم؟
وإذا كان الحوار الوطني سينجم عنه توصيات رائعة وشاملة، قد يترجم بعضها إلى قوانين وتشريعات مثل إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز أو قانون لحرية تداول المعلومات، فإن الأمر برمته سيكون مضيعة للوقت إذا بقيت تلك التوصيات حبرًا على ورق، تمامًا كما هو حال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي لو تم تنفيذ نصف التوصيات التي وردت فيها لما كنا بحاجة للحوار الوطني من الأساس.
العجب العجاب
ومن ضمن ما قاله الرئيس أيضًا إنه لم يعِد المصريين يومًا بتحقيق المعجزات، "عمري ما قلت كلام معسول، وأنا مقلتش إن الأمور خضراء ومعايا صفايح العسل وبرطمانات الزبدة". وأضاف "أنا ماخدعتش المصريين، وقلت معايا كل حاجة حلوة". وأعتقد أنه من السهل للغاية أن يتذكر تصريحاته المنشورة والمذاعة على مدى السنوات التسعة الماضية، والتي وعد فيها المصريين أن يصبروا عامين فقط وبعدها "سترون العجب العجاب في مصر".
وقبل أيام من توليه منصبه في العام 2014، وتحديدًا في 19 مايو/أيار 2014، قال الرئيس في حواره على قنوات النهار ودريم والحياة "المصريين ليهم سنوات بيعانوا، وأتصور السماء بدأت يصعب عليها المصريين. فلو شاءت إرادة ربنا أكون في الموقع ده هيكون أمر له العجب، هتشوفوا وهيقولوا إزاي ده حصل"، ووجه الرئيس حديثه للمصريين "لازم كمصريين نكون سعداء، إحنا كل اللي مطلوب منكم حاجة واحدة بس، اصبروا وسترون العجب العجاب في مصر".
وأخيرًا، كرر الرئيس تأكيداته التي تنفي أن المشاريع القومية الضخمة التي أطلقها، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، كلفت ميزانية الدولة أية أموال. وذلك من دون أن يقدم أي تفسير أو حتى إشارة إلى تضخم ديون مصر الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة حتى تخطت الـ 160 مليار دولار. أين أُنفقت تلك الديون إذن؟ ولماذا تعهدت الحكومة في خطاب النوايا الذي قدمته مؤخرًا لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار بوقف الإنفاق على المشاريع القومية الضخمة، ما لم تكن تكلف ميزانية الدولة أي أموال؟
وفي الوقت الذي تحذر فيه مؤسسات مالية دولية من أن مصر على وشك العجز عن سداد ديونها المتضخمة، يؤكد الرئيس مرارًا أن المشاريع الضخمة مثل العاصمة الإدارية هدفها "تحويل التراب إلى فلوس". قد يكون هذا صحيحًا نظريًا وعلى المدى الطويل، ولكن هل بيع أصول العاصمة سيكون سهلًا وسريعًا لكي نسدد ديوننا، بدلًا من اللجوء لبيع ممتلكات الدولة وبنوكها ومشاريعها وموانيها لتسديد أقساط فوائد الديون؟
هذه مجرد أسئلة مشروعة للرئيس وهو على وشك إعلان ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، حيث من المفترض أن يكون الحساب من الشعب عبر الصندوق، وذلك بافتراض عقد انتخابات حرة ونزيهة تختلف عن الاستفتاء الذي شهدناه في العام 2018.