برخصة المشاع الإبداعي: Janna7، فليكر
رجل وامرأة يطلان من نافذة أوتوبيس نقل عام بالقاهرة عام 2007

المال مقابل التخلي عن الطفل الثالث.. هل تنجح المبادرة؟

منشور الخميس 23 مارس 2023

قبل إعلان الحكومة مؤخرًا عن ادخار ألف جنيه سنويًا للمرأة المتزوجة التي لا تنجب أكثر من طفلين، تستحق صرفها عند بلوغها سن الخامسة واﻷربعين، اتفقت أميرة*، التي تستعد للزواج نهاية هذا العام، مع خطيبها على تأجيل الإنجاب لسنةٍ على الأقل، "عشان نعرف بعض أكتر وعشان الوضع الاقتصادي اللي في البلد".

ربما تساهم المنحة الجديدة في تعزيز موقف أميرة، ذات الـ24 ربيعًا، من الإنجاب الزائد، لكن هناك أخريات يشعرن بعدم الارتياح تجاه تلك المبادرة التي لا تزال تتسم بعدم الوضوح، وقد لا يظل المبلغ الذي تقدمه حافزًا أمام معدلات التضخم المتفاقمة وتناقص قيمة العملة، وبعضهن يلفتن إلى أن قرار الإنجاب يكون في أحيانٍ كثيرة بيد الأسرة، لا الأم.

إعلان دون تفاصيل

جاء الإعلان الحكومي عن المبادرة في سياق الإفصاح عن بروتوكول جرى توقيعه بين وزارتي المالية والتخطيط، كإحدى الخطوات التي تستهدف خفض الزيادة السكانية، ضمن المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير/شباط 2022، ويستهدف الحد من معدلات النمو السكاني، مع بلوغها 2.5 مليون مولود كمتوسط سنوي خلال الفترة بين 2012 - 2021.

وبحسب خبراء تحدثت إليهم للمنصة، فإن الحكم على فرص نجاح المبادرة الأخيرة يتطلب معرفة الكثير من التفاصيل التي ما زالت غائبة حول شروط هذه المنحة.

"ما تم إعلانه حتى الآن يتعلق فقط بالفئة العمرية للنساء الممكن انضمامهن للمبادرة، دون توضيح المدى الزمني أو النطاق الجغرافي لتطبيقها" كما تقول نانا أبو السعود، الباحثة في برنامج الجندر وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

أما خبير سياسات السكان والهجرة، أيمن زهري، فيشير إلى أن المبادرة الأخيرة تندرج تحت ما أشارت إليه وثيقة مشروع تنمية الأسرة، التي تضمنت تأسيس صندوق حكومي لتأمين وتنمية الأسرة المصرية، يمنح حوافز للأسر الملتزمة بمحددات ضبط النمو السكاني.

وفي هذه الحالة فإن تطبيق المبادرة لن يبدأ على مستوى الجمهورية كلها دفعة واحدة، بل فقط في النطاق الجغرافي لمحافظات المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، أي سيشمل نحو 1520 قرية ضمن 52 مركزًا في 20 محافظة بالوجهين القبلي والبحري.

وحتى المعلومة الواضحة المتعلقة بـ"الألف جنيه" سنويًا، فهي على قدر وضوحها أثارت تساؤلات الكثيرين عن القيمة الحقيقية لهذا المبلغ عند استلام المنحة، في ظل معدلات التضخم المتفاقمة.

"إذا اشتركت في هذا البرنامج سأحصل على نحو 20 ألف جنيه بعد 20 سنة، يمكن وقتها يبقى كيلو اللحمة بأكتر من 1000 جنيه"، كما تقول شيرين صلاح، وهي زوجة في منتصف عشرينياتها وأم لطفلين وتعيش في القاهرة.

ولكن الحكومة ردت على هذه المخاوف في وقت لاحق على إعلان المبادرة، على لسان وزيرة التخطيط التي أوضحت أن إجمالي المبلغ الذي ستحصل عليه المرأة الملتحقة بالبرنامج لمدة 24 سنة سيكون 65 ألف جنيه، وهو ما يتسق مع حديث مديرة المركز الديموغرافي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أميرة تواضرس لـ CNN حول احتساب القيمة النهائية للحافز مع الفوائد خلال فترة الادخار.

حوالي 20% من المواليد لم تكن الأسر تخطط لإنجابهم

لكن تدهور قيمة الجنيه خلال الأشهر الماضية، وتوقعات استمراره خلال الأشهر المقبلة، يحدّان من الثقة في مستقبل قيمة المنحة، كما يقول زهري.

وهناك مخاوف أيضًا من طول أجل المبادرة لدى بعض النساء اللاتي تحدثنا إليهن، ومنهن مي عبد الله، التي بلغت الثلاثين ولديها طفل واحد، إذ تسأل "ماذا يحدث إذا توفيت المرأة خلال فترة الالتحاق بالمبادرة؟ هل سينقطع المبلغ؟".

يرى زهري أن فكرة منح المبلغ في نهاية المدة كرقم مجمع "أمل بعيد الأجل، لا يتناسب مع عادات الشعب المصري"، وأنه من الأفضل صرفه على نحو شهري لكل امرأة متزوجة ولم تنجب، مع وقف الصرف في حالة انجاب أكثر من طفلين.

ليس قرارها وحدها

تفترض هذه المبادرة قدرة الأسرة التامة على السيطرة على عدد مواليدها، وهي بذلك تحرمهم من هذه المنحة في حالات "الإنجاب غير المخطط"، كما تقول أبو السعود.

ووفقًا لأحدث تقرير أعده الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عن المسح الصحي للأسرة لعام 2021، وأعلن في يونيو/حزيران الماضي، فإن حوالي 20% من المواليد خلال الخمس سنوات السابقة على المسح لم تكن الأسر تخطط لإنجابهم، أي فوجئت الأسر بوجود الحمل دون إرادتهم.

"هذا المعدل يرتبط بشكل كبير بدرجة فاعلية موانع الحمل وجودة خدمات تنظيم الأسرة ومدى إتاحتها، إذ لاتوجد موانع فعالة بنسبة 100%"، كما تضيف أبو السعود.

وتشير الباحثة إلى أنه مع "عدم إتاحة الإجهاض الآمن لا يكون أمام المرأة إلا استكمال الحمل، وعلى أساسه قد تخرج من البرنامج بسبب حمل غير مرغوب فيه". 

كذلك تلفت ياسمين*، المقيمة في قرية بمحافظة الفيوم، انتباهنا إلى بعض الحالات التي تُجبر فيها المرأة على الإنجاب، ما يحرمها من المنحة لأسباب خارجة عن إرادتها، "أحيانا بيكون القرار دا بتاع العائلة مش بتاع الست، العائلات عندنا لسة شايفة إن العيال عزوة".

الموازنة المخصصة لموانع الحمل لا تكفي احتياجات الوزارة، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه

يتسم حديث ياسمين بواقعية لم يدركها من خططوا لمبادرة الـ "ألف جنيه"، عندما تشير إلى أن العديد من النساء في القرى يعشن في بيت العائلة، ما يجعلهن خاضعات لسلطتها وتدخلاتها بشكل كبير، "أنا عايشة في بيت واحد مع عيلة جوزي وإخواته، أربع إخوات كل واحد منهم عنده 5 عيال".

وفي السياق نفسه، تدعو أبو السعود إلى "مراجعة فحوى الرسائل المتعلقة بتنظيم الأسرة التي توجه عادة إلى النساء فقط، رغم أنه في أغلب الأحيان لا يكون قرار المرأة".

الخدمات قبل الحوافز

بإطلاق هذه المبادرة، تفتح الحكومة على نفسها بابًا للمساءلة حول إتاحة الخدمات الكافية للنساء لمساعدتهن على الحد من الإنجاب.

ووفقًا للتقرير المشترك للمركز القومي للسكان بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في 2019، فإن الموازنة المخصصة لموانع الحمل لا تكفي احتياجات الوزارة، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه. لذا تلجأ الوزارة لتوفير بعض الدعم لشراء الوسائل، وخاصة الوسائل طويلة المفعول "اللولب والكبسولات تحت الجلد" عن طريق الجهات المانحة.

وأظهر التقرير أيضًا انخفاضًا في أعداد اللوالب، وانخفاضًا أكبر في أعداد الواقيات الذكرية المنصرفة في عام 2018 مقارنة بالأعوام الأربعة السابقة، وهو ما يحرم عددًا كبيرًا من الأسر من وسائل منع الحمل، مثل تلك التي لا تستطيع المرأة فيها استخدام الوسائل. كما أنه يقلل من مبدأ مشاركة الرجل في تنظيم أسرته، وهو مبدأ هام يجب تنميته عند الرجال في مجتمعنا من منطلق المسؤولية المشتركة.

ورصد التقرير أيضًا غياب الأقراص التي تستخدم في حالة الطوارئ، وهي وسيلة لها استخداماتها وأهميتها خاصة لتقليل الحمل غير المرغوب فيه.

مبادرة قديمة - جديدة

ليست هذه المرة الأولى التي تفكر فيها الدولة في تقديم حوافز للحد من الإنجاب. يذكرنا زهري بمشروع قديم أعلن عنه في السبعينيات باسم "السكان والتنمية"، كان يحفز النساء لعمل مشروعات صغيرة. وازدياد انخراط المرأة في سوق العمل، يساعد في تقليل عدد مرات الإنجاب.

وبحسب البيانات الأولية لبحث القوى العاملة عام 2022، تبلغ مساهمة المرأة في قوة العمل 14.9% من إجمالي قوة العمل (15 سنة فأكثر) مقابل 69.1% للذكور، ويصل معدل البطالة للإناث 18.4% مقابل 5% للذكور، ومعدل التشغيل للإناث المشتغلات (15 سنة فأكثر) 12.2% مقابل 65.7% للذكور.

هذه العلاقة بين توفير فرص العمل للنساء وانخفاض معدلات الإنجاب، يشير إليها زهري مطالبًا بتعزيز حق المرأة في العمل باعتباره حل لمشكلة هيكلية، وسيكون له مفعول أكبر في حل المشكلة السكانية.

وبعيدًا عن التفاصيل المتعلقة بمدى جاذبية المبادرة في أنظار الأسر كحافز على عدم الإنجاب، فهناك حافز آخر قد يكون أكثر تأثيرًا، وهو موجة التضخم القوية التي تصاعدت منذ بداية العام الجاري، وتثير مخاوف الكثيرين من إنجاب فرد زائد في عائلة مثقلة بالمسؤوليات، أو كما قالت لنا أميرة "مش عاوزة أجيب للدنيا طفل جديد مش هقدر أوفرله حياة كريمة".


* اسم مستعار بناء على طلب المصدر.