توصلت إثيوبيا والصومال، مساء أمس، لاتفاق بوساطة تركية يُنهي النزاع بينهما على خلفية أزمة صوماليلاند، ويُطلق مفاوضات تُمكن أديس أبابا من الوصول إلى منفذ بحري بالاتفاق مع حكومة مقديشو، إذ لا تملك إثيوبيا، الدولة الإفريقية الحبيسة، منفذًا بحريًا منذ انفصلت عن إريتريا في 1991.
وصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الاتفاق بـ"التاريخي"، بعد فترات مضت من الصراع بين البلدين، دعمت خلاله مصر الحكومة الصومالية في فرض سيطرتها على إقليم صوماليلاند، الذي أعلن انفصاله من جانب واحد عام 1991، دون أن يحصل على اعتراف دولي حتى الآن.
وفيما يعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي اتفاق مقديشيو وأديس أبابا "صفعة قوية" للقاهرة، تقلل الخبيرة المتخصصة في الشأن الإفريقي أسماء الحسيني من حجم الاتفاق، واصفةً إياه بـ"بداية اتفاق" قد لا يصل لنتيجة حقيقية.
مصر تدفع الثمن
ومنذ يناير/كانون الثاني الماضي تشهد العلاقات بين إثيوبيا والصومال توترًا منذ توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند الانفصالي، تسمح لإثيوبيا باستئجار 20 كيلومترًا على ساحل البحر الأحمر قرب ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، وهي المذكرة التي صدق رئيس الصومال في 6 يناير الماضي على قانون لإلغائها.
وعلى الفور دخلت مصر على الخط، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي وقتها دعمه للصومال، وقال خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود "مش هنسمح لحد يهدد الصومال، وما حدش يجرب مصر".
وأرسلت مصر في 27 أغسطس/آب الماضي طائرتين محملتين بالأسلحة والذخائر إلى الصومال، تبعتها بدفعة ثانية من المساعدات العسكرية أيضًا في سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك عقب توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو، منتصف الشهر نفسه، والاتفاق على إطلاق خط طيران مباشر بين العاصمتين.
في المقابل بدأت تركيا لعب دور الوسيط بين إثيوبيا والصومال وعقدت جولات تفاوض أسفرت في النهاية عن اتفاق.
واعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي الاتفاق الذي تم برعاية تركية "فشلًا ذريعًا لمصر"، وقال لـ المنصة إن الدور التركي بالقرن الإفريقي "كبير للغاية" منذ زيارة إردوغان للصومال قبل نحو 10 أعوام.
وأضاف أن مصر أخطأت من البداية بالتدخل في النزاع الصومالي الإثيوبي "وحاليًا تدفع الثمن"، موضحًا أن هذه الدول لطالما دخلت في نزاعات ومصالحات على مدار تاريخها، في الوقت الذي باتت منطقة القرن الإفريقي ساحة صراع لقوى إقليمية ودولية كبرى خلال السنوات الأخيرة.
وتتوتر العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا منذ سنوات على خلفية إجراءات إثيوبيا الأحادية في ملء وتشغيل سد النهضة. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت مصر انتهاء المسارات التفاوضية مع إثيوبيا بشأن سد النهضة. وساهم التدخل في أزمة الصومال في زيادة التوتر بين القاهرة وأديس أبابا.
ودعا هريدي القاهرة إلى مراجعة حساباتها من جديد بالقرن الإفريقي، معتبرًا أنها حاليًا غير قادرة على مجابهة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة بالمنطقة على غرار تركيا والصين والسعودية والإمارات والولايات المتحدة "حيث إن تلك القوى تمتلك تأثيرًا كبيرًا سواء على الصومال أو إثيوبيا، أو باقي دول القرن الإفريقي، يفوق التأثير الذي يمكن أن تحظى به مصر".
وطالب هريدي بضرورة أخذ "خطوة للخلف" فيما يتعلق بالصراع في القرن الإفريقي؛ انتظارًا لتحسن الوضع الاقتصادي بالشكل الذي يساعد على حضور أقوى، وتشكيل تحالفات حقيقية وليست "مُتغيرة" مع أصدقاء حقيقيين.
وتشهد مصر أزمة اقتصادية، أبرز ملامحها ما شهده الجنيه من تراجعات قوية أمام العملة الأمريكية خلال العامين الماضيين، فضلًا عن التزم الحكومة بتطبيق زيادات متوالية في أسعار الوقود وفق برنامج إصلاحي اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي في 2022.
الفشل.. احتمال وارد
من جانبها تقلل الخبيرة المتخصصة في الشأن الإفريقي أسماء الحسيني من حجم الاتفاق الأخير برعاية تركية، واصفةً إياه بـ"بداية اتفاق قد لا يصل لنتيجة حقيقة"، لا سيما وأن المشاورات ستبدأ بين البلدين بنهاية فبراير/شباط 2025 وتستمر 4 أشهر من أجل التوصل لاتفاق يقضي بحصول إثيوبيا على منفذ بحري في الصومال، بالشكل الذي يضمن سلامة ووحدة أراضي الصومال.
واتّفق البلدان على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولًا إلى البحر "موثوقًا به وآمنًا ومستدامًا تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية".
وذكرت وكالة الأنباء الصومالية أن هذه الترتيبات تشمل العقود والإيجارات التي سيُنص عليها في اتفاقيات ثنائية، وأن المفاوضات بشأنها ستبدأ بنهاية فبراير/شباط 2025 وتنتهي في غضون 4 أشهر، بتسهيل من تركيا.
وترى أسماء الحسيني، في حديثها لـ المنصة، أن هناك الكثير من العراقيل التي تقف أمام التوصل لاتفاق نهائي بين دولتي القرن الإفريقي، في مقدمتها موقف إقليم صوماليلاند الذي يسعى للحصول على اعتراف دولي باستقلاله عن الصومال الكونفدرالية، وسبق ووقع اتفاقية مع إثيوبيا في يناير الماضي لمنح الأخيرة قاعدة بحرية مقابل الاعتراف باستقلاله، وتبقى المُعضلة كيف تستطيع إثيوبيا المواءمة بين اتفاقها السابق مع صوماليلاند، والاتفاق الأخير مع الصومال، خاصة في ظل تضارب مصالح تلك الأطراف.
وعن الخطوة المقبلة للقاهرة، تشير المتخصصة بالشأن الإفريقي إلى أن مصر لن تتراجع عن مشاركتها في بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام بالصومال المقرر بدء عملها مطلع العام المقبل، مشددةً على أهمية الحضور بتلك المنطقة ولو عبر بعثة حفظ السلام، وذلك بالتزامن مع انتظار ما ستسفر عنه مباحثات مقديشو وأديس أبابا المقبلة، وما إذا كانت الأخيرة ستحصل على ميناء تجاري للبضائع والنقل اللوجيستي في مياه الصومال، أم قاعدة عسكرية قد تكون مصدرًا لتهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
وأكدت أن مصر لا ترفض حصول إثيوبيا على ميناء تجاري، إلا أنها ستقف أمام أي وجود عسكري لها على باب المندب.