قال مجلس النواب إنه "لا يزال يفتح أبوابه لمناقشة أي تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد"، مشترطًا، حسب بيان مساء الخميس، أن يكون "هدفها إرساء نظام عدالة ناجز وتسعى لتعزيز الحقوق والحريات العامة".
جاء بيان مجلس النواب، الذي اطّلعت عليه المنصة، بعد ساعات من هجوم اللجنة التشريعية على نقيب الصحفيين خالد البلشي، بسبب إعلانه رفض النقابة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد. لتنطلق حملة تضامن مع النقيب، رفضًا لترهيب المعارضين لمشروع القانون.
في السياق نفسه، أعلن رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة، أحمد الطاهري، تخصيص حلقة برنامجه "كلام في السياسة"، الاثنين المقبل، لمناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بمشاركة البلشي، والمحامي الحقوقي وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني نجاد البرعي، الذي ساهم في إعداد ورقة قانونية تكشف "النصوص المعيبة في المشروع".
وبخلاف بيان لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، الذي تبنى خطابًا منتقدًا للمعارضين، أكد مجلس النواب، في بيانه اليوم، "حرصه على استيعاب كافة الآراء، إدراكًا منه بأن المسائل التشريعية قد تحمل وجوهًا متعددة، وجميعها قد تتماشى مع أحكام الدستور"، مشيرًا إلى أنه "يعمل على المفاضلة بين البدائل المتاحة لاختيار الأفضل من بينها، بما يحقق المصلحة العامة".
واعتبر مجلس النواب المشروع الذي وافقت عليه لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية "خطوة هامة فى تحديث النظام القانوني في مصر، تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية، حيث يمنح النيابة العامة اختصاصات أوسع فى تحريك الدعوى الجنائية، إعمالًا لحكم المادة 189 من الدستور".
وأشار إلى أن القانون "يشمل مجموعة من الضمانات التي تعزز حقوق الإنسان، منها تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتقييد سلطات مأموري الضبط القضائي في القبض والتفتيش، ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ".
وقال "المشروع يتضمن تنظيمًا متكاملًا لحماية الشهود والمبلغين والمتهمين والمجني عليهم، وتقديم تسهيلات لذوي الهمم في مراحل التحقيق والمحاكمة، بالإضافة إلى تنظيم التحول التدريجي للإعلان الرقمي والتحقيق والمحاكمة عن بُعد".
وعلى خلاف الشائع بأن مشروع القانون تم إعداده على عجل، أوضح البيان أنه "ثمرة مجهود استمر لعامين من العمل المتواصل بين اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، واللجنة الأصلية".
ولفت إلى استجابة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية للعديد من التعديلات المقدمة، سواء من أعضاء اللجنة، أو ممثلي الحكومة أو مجلس القضاء الأعلى، أو النيابة العامة، أو نقابة المحامين، وكذلك بعض مطالب الصحفيين.
وأكد مجلس النواب أن "الحوار الوطني إحدى الركائز الأساسية لتعزيز التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع"، معتبرًا توصيات الحوار "أدوات قيِّمة يمكن لمجلس النواب الاستفادة منها في إعداد تشريعات تتماشى مع تطلعات المجتمع وتستجيب للتحديات الحالية".
وقال المجلس إنه "قام بدراسة توصيات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطى والعدالة الجنائية، وتم بالفعل إدماج عدد منها في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد".
وفي أغسطس/ آب الماضي، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، موجهًا الحكومة بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية.
واستعرض مجلس النواب، في بيانه، بعض النصوص التي تعد انعاكسًا لتوصيات الحوار الوطني، من أبرزها تقليص مدد الحبس الاحتياطي ووضع حد أقصى لها، حيث نص مشروع القانون على "ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي أربعة أشهر في الجنح (بدلًا من ستة)، واثني عشر شهرًا في الجنايات (بدلًا من ثمانية عشر)، وثمانية عشر شهرًا فى القضايا المتعلقة بالسجن المؤبد أو الإعدام (بدلًا من سنتين)، كما تم تحديد مدة حبس المتهمين في محكمة النقض لمدة لا تتجاوز سنتين، بعدما كانت غير محددة في القانون القائم".
وسمح مشروع القانون بالتظلم من قرارات الحبس الاحتياطي بالطرق الإلكترونية، كما ألغى القانون رقم 83 لسنة 2013 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، الذي "منح لمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرًا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيًا لمدة خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد دون التقيد بمدة محددة"، وأشار البيان إلى أن "المادة 124 من مشروع القانون تقيد سلطة محكمة النقض في هذا الخصوص على النحو المبين سلفًا ليصبح الحد الأقصى لها بما لا يجاوز سنتين".
وحسب البيان، نظم المشروع التقدم بطلبات التعويض بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى عن كل يوم حبس احتياطي؛ كما اشترط صدور الأمر بالمنع من السفر أو الإدراج على قوائم الوصول والتحفظ على الأموال، من سلطة تحقيق قضائية، بمناسبة قضية منظورة، تقتضي طبيعتها هذا الإجراء، وأن يكون هذا القرار مسببًا ومحددًا بمدة زمنية معقولة؛ ولا تزيد على مدة الحبس الاحتياطي.
ووضع المشروع تنظيمًا متكاملًا لأوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول بتحديد السلطة المختصة بإصداره بقرار من النائب العام أو من يفوضه، أو من قاضي التحقيق المختص، على أن يكون هذا الأمر مسببًا ولمدة سنة قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة، لأمر تستلزمه ضرورات التحقيقات أو حسن سير إجراءات المحاكمة، كما نظم آلية التظلم منها.
وبشأن التقاضي عن بعد، أوضح البيان أن المشروع نص على أنه "في الأوضاع الاستثنائية التي تتطلب تجديد حبس متهم من داخل محبسه عن طريق التقاضي الإلكتروني، يجب أن تكون الأولوية لحضور المحامي مع المتهم فى نفس مكان تواجده (أي في محبسه)، والنص صراحة على حضور المحامي مع المتهم وعدم جواز الفصل بينهما عند اتخاذ إجراءات التقاضى عن بُعد".
وأكد مجلس النواب أن عددًا من توصيات الحوار لا تزال قيد الدراسة، لتضمينها في قوانين أخرى.
يذكر أنه خلال الفترة التي ناقش فيها الحوار الوطني أزمة الحبس الاحتياطي، وتزامنًا مع مناقشات اللجنة التشريعية لقانون الإجراءات الجنائية، تجددت حالات الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي، فألقت قوة أمنية القبض على الصحفي خالد ممدوح. كذلك أُلقي القبض على رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر بعدما اقتحمت قوة أمنية بلباس مدني مقر سكنه، واقتادته مكبلًا معصوب العينين إلى جهة غير معلومة إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة العليا بعدها بيومين تحديدًا في 24 يوليو/تموز الماضي، وما زال محبوسًا احتياطيًا حتى الآن.
ومطلع الشهر الماضي، أعلن المحامي الحقوقي خالد علي اختطاف مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية يحيى حسين عبد الهادي، وهو في طريقه لحضور ندوة بحزب تيار الأمل "تحت التأسيس"، قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة العليا لتأمر بحبسه احتياطيًا أيضًا.