تتذكر هاجر عبد العزيز بسعادة، ذلك اليوم الذي أجرت فية عملية ترميم أثر الختان في جسدها، رغم ما اختبرته من ألم أثناء إجراء الجراحة قبل عام ونصف، فإن ذلك لا يقارن بـ"الألم النفسي اللي كنت بحسه قبلها، إحساس أني اتعرضت لتشوه من غير ما حد يرجعلي".
لجأت هاجر للعملية بعدما تيقنت من أنها تعرضت لأسوأ أنواع الختان "إزالة كاملة للبظر والشفرات"، وذلك بعد فترة من القراءة والتصفح وأخيرًا زيارة طبيبة، "حسيت وقتها بالغضب الشديد والحزن علشان أخدوا شيء يخصني"، ولعل ذلك ما يجعلها تصف الجراحة في حديثها للمنصة كأحد انتصاراتها "في طريقي للمستشفى سمعت أغنية بالصدفة، كل أما أسمعها دلوقتي بستعيد اليوم ده، أجواء النجاح والفرح، وشعوري بالنصر والثقة".
هاجر واحدة من ملايين الفتيات اللاتي تعرضّن للختان، فبحسب إحصائية لليونسيف في العام 2016، تعرضت 92% من النساء والفتيات ممن تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة لشكل من أشكال الختان، 72% منهن من قبل الأطباء، بينما تراجعت تلك النسبة إلى 86% حتى العام 2021، بحسب إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة.
وتُعرِّف اليونسيف الختان أو تشويه الأعضاء الجنسية بأنه "جميع الإجراءات التي تنطوي على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية للإناث الخارجية، وتسبب في الكثير من الأحيان نزيفًا حادًا ومشاكل في التبول وعدوى وعقم ومضاعفات لاحقة في الولادة، وعادة ما يُنفذ الختان على الفتيات الصغيرات ما بين سن الطفولة وحتى الخامسة عشر".
طريق الترميم
لم تكن رحلة هاجر التي تبلغ 29 عامًا وتعمل طبيبة أسنان، إلى العملية سهلًا، فمن جهة خضعت لكل مراحلها بمفردها، دون علم أهلها الذين "حتى اليوم، ميعرفوش أي شيء، ولو عرفوا ممكن يمنعوني من الخروج والشغل"، ومن جهة أخرى صعوبة العثور على طبيب لإجرائها، فضلًا عن الإجراءات.
تشير هاجر التي تقيم في محافظة الشرقية، إلى أن عمليات الترميم غير منتشرة في مصر، وتتكلف الكثير "40 ألف جنيه وقت ما سألت عنها"، لذلك لجأت الطبيبة الشابة إلى أحد جروبات فيسبوك الخاصة بالتجميل، للسؤال عن متطوع لإجرائها، وبالفعل أوصلتها أدمن الجروب بطبيب، وجمعت تبرعات لتغطية تكاليف المستشفى.
زالت أول عقبة في طريق هاجر لتظهر أخرى، وتمثلت تلك المرة في طلب المستشفى لتقرير نفسي يؤكد استقرارها من الناحية العقلية والنفسية كشرط لإجرائها "رحت لعدة أطباء ومصحات، سواء في الشرقية، أو القاهرة، محدش وافق يكتبوا، واحد منهم قالي افرضي خدتي التقرير وعملتي بيه عملية تغيير في الجنس؟".
ولا يشترط القانون المصري تقديم هذه شهادات نفسية قبل إجراءات العمليات الجراحية، مثلما لا تعد عمليات تغيير الجنس ممنوعة في مصر، لكنها تخضع لإجراءات معقدة، ويليها وصم ورفض مجتمعي.
وتضيف هاجر "الطبيب اللي وافق كان في بنها، وبعد ما أداني التقرير تحرش بيا إلكترونيًا، فعملتله بلوك".
لا تعدّ الطبيبة الشابة الجهد الذي بذلته ضخمًا، فيكفيها أنها خففت من أسى ذكرياتها تجاه الختان "خدرني أهلي وعملولي العملية وأنا صغيرة، حسيت إن في حاجة غلط"، لذا عندما خضعت للترميم "كنت خايفة شوية قبلها خصوصًا من التخدير، لكن كل اللي حسيت بيه بعد ما فوقت هو الفخر وفرحة النجاح".
استعادة الحياة الجنسية
وإذا أرجعت هاجر دافعها للعملية إلى مواجهة شعور النقص وإصلاح أثر التعدي على جسدها، فإن ما اختبرته عالية حسن* يتجاوز ذلك، إلى أزمة عند ممارسة الجنس.
تروي عالية، وهي امرأة في الأربعينيات من عمرها وتزوجت مرتين، ضرر علاقتها بزوجيها، دون أن تستبعد الختان" كنت دايمًا بلوم نفسي، وفاكرة أني باردة جنسيًا، خصوصًا أن استجابتي بطيئة، زواجي الأول استمر تقريبًا 10 سنين، محستش فيها بأي متعة جنسية، وجزء كبير من الأزمة كان بسبب غياب الإحساس في منطقة البظر".
وتقر طبيبة النساء والتوليد ياسمين أبو العزم، للمنصة، أن "إزالة البظر، الجزء الأكثر حساسية من المهبل، تفقد المرأة والفتاة الصغيرة إلى حد كبير جزء أساسي من متعتها الجنسية"، مشيرة إلى أن لذلك السبب تلجأ الأسر المحافظة له "بيعتبروه وسيلة لحماية شرف الأسرة من العلاقات خارج إطار الزواج، وكذلك يجعل فتياتهن مناسبات للأزواج ضعاف القدرة الجنسية".
تضيف عالية "في زواجي الثاني استمر الوضع نفسه، حاولت أتجاوز ده بالدراسة لنفسي وجسمي وفهم أن جزء من الإثارة بيحصل من عقلي، لكن ده بياخد وقت طويل، بالنسبة لي الأمر مثير للغضب".
وامتد ذلك الشعور إلى شركائها "عدم استمرارهم في محاولة مساعدتي للوصول لمتعة معقولة كان بيديني إحساس متناقض، إنهم غير مهتمين وبالتالي مبيحاولوش، وفي نفس الوقت إشفاق عليهم، هم ذنبهم إيه والمشكلة في الختان".
ترك كل ذلك أثر نفسي عميق على عالية، "بسأل نفسي أحيانًا ليه أنا؟ أتمنى أعمل عملية الترميم، ولكن مش عارفة لو تنفع لكل السيدات، أحيانًا من كتر الإحباط بحس أن مفيش فايدة".
لكن الطبيبة تؤكد فوائد الترميم "من الناحية النفسية استعادة المرأة إحساسها بالثقة بنفسها، وأنها قادرة على إصلاح الضرر والأذى الذي تعرضت له، ومن الناحية الجسدية فتعالج الضرر الفسيولوجي الذي يؤثر على حياتها اليومية".
الترميم ليس واحدًا
تشرح الطبيبة تقنيات الجراحة "لها أكثر من شكل، هناك طريقة تعتمد على فصل الشفرات الخارجية المخيطة ببعضها البعض، كمحاولة لاستعادة الشكل الطبيعي للمكان، وزيادة اتساع المهبل، ما يجعل العلاقة الجنسية والولادة الطبيعية ممكنة، وكذلك إبعاد مجرى البول عن المهبل فيمنع الالتهابات".
وتضيف "الطريقة الثانية بحقن البظر المدفون تحت العانة بمادة تجعله أكثر حساسية، وبالتالي زيادة الاستمتاع، الطريقة الثالثة بكشف جزء من البظر المدفون للخارج".
ونبهت إلى الفارق بين عمليات تجميل المهبل والترميم "التجميل بنلجأ له عندما يكون لدى المرأة أو الفتاة شفرة أكبر من أخرى، يتم قصها بحيث يكونا متساويين، أو يقص كلاهما لتقليل بروزهما في بعض الحالات، ولا توجد عمليات تجميل في البظر نفسه، بل في الشفرات فقط، أما الترميم فهناك جزء مقطوع ونحاول كأطباء إعادة تشكيله لإعادة وظيفته إليه".
الختان سجنًا
وعلى خلاف العوائق التي واجهت هاجر، واستطاعت التغلب عليها في النهاية، فإن مجرد رغبة أمنية إبراهيم، وهي ناشطة نسوية وصانعة أفلام، في معرفة نوع الختان الذي تعرضت له، وضعها في محنة أخرى، وشكل لها صدمة تحاول أن تتجاوزها حتى الآن.
تتذكر أمنية، صدمتها الأولى في الختان، وهي في الحادية عشر، "لم يتعامل أهلي معي بحنو بعدها، ولا حتى حصلت على رعاية طبية كافية، اضطررت إلى استخدام الفينيك لتطهر الجرح، يبدو ذلك الآن جنونيًا لكن وقتها كنت مرعوبة من تلوثه وموتي، فكان هذا المطهر الوحيد الذي وجدته أمامي".
تضيف "في سن الـ30 قررت الذهاب لطبيبة أمراض نساء لمعرفة نوع الختان، الطبيبة عاملتني بشكل مهين، ونصحتني بالزواج ونسيان الأمر، عندما أصريت على الكشف، قالت أني يجب أن أذهب للطب الشرعي للحصول على موافقة من المحكمة لأني عذراء".
"أصررت على أن ما تقوله غير صحيح، فوافقت تكشف على مضض، اللحظة التالية وجدتني على كرسي الكشف وقطعة معدنية باردة بداخلي تؤلمني لدرجة الصراخ، صرخت عاليًا، فانتزعتها ثم أدخلتها مرة أخرى بقسوة أكثر" تقول أمنية.
أكملت "خرجت من عيادة الطبيبة وأنا مصدومة وأنزف، ولعدة أيام لم أتناول الطعام أو أتحدث مع أي شخص، حتى أتت صديقة لي وأخذتني إلى طبيبة أخرى فرنسية، وما أن طلبت مني أن أستلقي على كرسي الكشف حتى بدأت في الصراخ والبكاء بإنهيار. وأشارت إلى أن "الموقف مر بشكل سيئ للغاية، وأيقظ كل الصدمات النفسية السابقة"، وغادرت بعد الحصول على دواء يوقف لها النزيف.
ومنعت الصدمة والخوف أمنية من أن تشتكي الطبيبة الأولى "لم أكن في حالة نفسية تسمح بذلك، أصبت بانهيار.. تقديم شكوى من هذا النوع يعني العرض على الطب الشرعي وإجراء كشف مرة أخرى وتعرضي لذلك الشعور بالمهانة والألم". لكنها لم تتخذ نفس الموقف تجاه والديها "واجهتهما بما فعلاه، ورفضت سماع مبرراتهما وأخبرتهما أن يقولوها أمام الله".
ونتيجة تلك الصدمة، تعجز أمنية عن مجرد التفكير في الخضوع للترميم، رغم أنه عُرض عليها "لدي صدمتان كبيرتان بسبب تلك المنطقة من جسدي، كل منهما لا أستطيع تذكره سوى بالألم، فلا أرغب في أن يمسها أي شخص آخر".
أكملت "لا أرى أن الختان يمكن عكسه أو ترميمه، فكيف أرمم الثقة في العائلة أو شعوري بالأمان الذي زال للأبد، والطمأنينة في التعرف على جسمي، فالحل ليس في إعادة الجسم لوضعه الأصلي، أتعامل مع الختان مثل قطع يدي، شيء فقدته للأبد ولن يمكن استرجاعه ولكن أستطيع الحياة من دونه".
كن ينزفن
وعلى عكس أمنية، ترغب رضوى محمد في الخضوع للعملية مثل هاجر. تقول الفتاة العشرينية التي تنتمي إلى إحدى محافظات الصعيد، بينما تقيم الآن في الإسكندرية، "كان عندي 9 سنين لما عرفت أن اللي حصلي هو الختان. كان حصلي قبلها بسنة، مكنتش بلغت، ولا أعرف حتى معنى كلمة بلوغ".
ولفتت رضوى إلى أن وعيها بدأ يتشكل لأول مرة نتيجة الحملات المضادة للختان في وسائل الإعلام "وقتها فهمت العبء اللي اتحملته بدون أي ذنب".
تهدج صوتها عندما تذكرت تجربة شقيقاتها الأصغر "فاكرة لما ده حصل لأخوتي البنات وهم 5 سنين، شفتهم بينزفوا، وتعقيدات العملية حصلت لواحدة منهم، ومحاولة الطبيب تصليح ذلك الخطأ، وصراخها".
تتمنى رضوى لو استطعن هي وشقيقاتها إجراء عملية الترميم "لكن قبلها محتاجة أعرف نوع الختان اللي اتعرضتله، ومرعوبة من المعرفة".
وتكمل "نفسي أعمل العملية وأحس أني عادية زي باقي البنات، مش ناقصة، ولا خايفة". ومثل أمنية أيضًا، واجهت رضوى أهلها بما فعلاه "أحبهم ولكن لا أستطيع مسامحتهم".
وإذا كانت رضوى تعجز عن الخضوع للعملية الآن، فإنها تحاول على الأقل التوعية بمخاطر الختان، وحماية أخريات من المرور بالتجربة نفسها، "عندنا في البلد جارتنا عايزة تختن بناتها، لكن أنا وأخواتي بنحاول نقنعها إنها متعملش ده، كل مرة برجع ببقى خايفة تكون عملت الجريمة دي".
وجرم قانون العقوبات ختان الإناث، بعدما وافق البرلمان في يونيو/ حزيران من العام 2008 على ذلك، وفي مارس/ آذار 2021 تم تغليظ عقوبته إلى "السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات".
وبينما تتعايش رضوى مع خوفها، من معرفة حقيقة ما تعرضت له أو الخوف على بنات جارتها، فإن هاجر تحررت من الخوف الذي صاحبها لسنوات، بعد الترميم، لكنها لا زالت محاطة بقصص كثيرات حولها، تتمن لو استطعن خوض طريقها نفسه، فضلًا عن حماية الأخريات من التحرش.
* اسم مستعار لحماية خصوصية المصدر.