ساهمت معدلات التضخم المرتفعة الناتجة عن تعويم العملة مطلع العام الجاري في إعاقة قطاعات كبيرة من المتعاملين مع البنوك عن الحصول على قروض استهلاكية، بحسب مصادر مصرفية تحدثت إليهم المنصة.
وقالت المصادر إن تزامن هذه الضغوط التضخمية مع ارتفاع أسعار الفائدة زاد من تكلفة القروض بحيث لم تعد مناسبة لدخول الكثيرين ممن كانوا عملاء محتملين في السابق للإقراض الاستهلاكي.
والإقراض الاستهلاكي هو قروض بنكية موجهة للأفراد، وتمثل وزنًا كبيرًا من نشاط الإقراض المصرفي، حيث تُظهر بيانات البنك المركزي أن هذه القروض مثلت نحو 20% من إجمالي القروض المقدمة لعملاء البنوك، مقابل 14% للقطاع الخاص الصناعي، حتى سبتمبر/أيلول الماضي.
"الزيادات في أجور العديد من العاملين في القطاعين العام والخاص لا تناسب زيادات الأسعار الأخيرة، وهو ما جعل حصول العديد من الفئات على قروض استهلاكية أكثر صعوبة"، كما يقول نائب رئيس أحد البنوك الخاصة للمنصة، مفضلا عدم ذكر اسمه.
وأرجع المصدر ارتفاع تكلفة التمويل على العميل إلى سببين؛ الأول زيادة تكلفة عبء الدين بسبب سياسات البنك المركزي الموجهة نحو رفع الفائدة، والثاني زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين، ما أدى إلى إحجام البعض عن الاقتراض خوفًا من عدم القدرة على سداد القسط.
وتصاعد التضخم بوتيرة متسارعة خلال الشهور الأخيرة على أثر انخفاضات الجنيه أمام الدولار، وسجل التضخم في يناير/كانون الثاني أعلى مستوياته في خمس سنوات.
وقاد البنك المركزي اتجاهًا لرفع أسعار الفائدة للحد من الآثار التضخمية، حيث زادت الفائدة على الإيداع والإقراض لدى البنك بنسبة 8% خلال 2022، ثم اتجه لتثبيت العائد خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسات النقدية في فبراير/ شباط.
ويضيف المصدر "على سبيل المثال، القرض الذي كانت قيمته 200 ألف جنيه كانت تكلفته العام الماضي حوالي 10 آلاف جنيه (نسبة الفائدة) وأصبح حاليًا 20 ألف جنيه سنويًا، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي تأثُّرا بزيادة سعر الفائدة الذي يدخل ضمن القيمة الإجمالية للقرض وهو ما يؤدي إلى انخفاض متوسط قيمة القرض".
وبحسب تقديرات رئيس قطاع التجزئة المصرفية في أحد البنوك الحكومية الكبرى، "ارتفاع سعر الفائدة وزيادة أسعار السلع تسببا في وجود بوادر تراجع حجم القروض المقدمة في البنك على مستوى متوسط قيمة التمويل للعملاء بداية من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، بسبب ارتفاع عبء تكلفة الدين (الفائدة)".
وأضاف أن بعض العملاء عند طلب تجديد القرض مرة ثانية بعد انتهاء سداد القسط الأخير لا يستطيعون تجديده بنفس القيمة بسبب ارتفاع تكلفة القرض مقابل دخل العميل.
ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2019 ألزم البنك المركزي البنوك بعدم تجاوز الحد الأقصى لنسبة إجمالي أقساط القروض الممنوحة للفرد لأغراض استهلاكية عن 50% من إجمالي دخل العميل الشهري، وعدم تجاوز الحد الأقصى لقروض الإسكان الشخصي (التمويل العقاري) 40% من مجموع الدخل الشهري لتجنب زيادة حالات التعثر.
ولن تؤدي الضغوط الحالية إلى تراجع حاد في حجم القروض الاستهلاكية المقدمة، لكن قد تتجه للتباطؤ في النمو، وفق تقديرات رئيس تنفيذي لقطاع التجزئة المصرفية في أحد البنوك الخاصة الكبرى، حيث قال للمنصة "ثقافة الشعب المصري تميل دائما للاستهلاك، مما يخلق طلبًا دائمًا على القروض في البنوك ولكن سيكون بأحجام منخفضة وسيقتصر على برامج محددة".
يساهم تزامن ارتفاع التضخم والفائدة في الحد من شهية البنوك تجاه التوسع في الإقراض الاستهلاكي
وتتنوع القروض الاستهلاكية التي تقدمها البنوك لعملائهاـ ومن أهمها القرض الشخصي (النقدي) والذي يتصدر أغلب طلبات العملاء، وتليه قروض السيارات وبطاقات الإئتمان التي تشهد انتشارًا واسعًا بين العملاء، وكذلك السلع المعمرة (شراء مستلزمات المنزل مثل الأجهزة الكهربائية أو الإلكترونية) والتمويل العقاري.
وبحسب تقديرات مصدرين مصرفيين ممن تحدثت معهم المنصة كانت قروض السيارات أحد أكثر أنواع القروض التي تباطئ نموها منذ النصف الثاني من العام الماضي.
"زيادة أسعار السيارات، خاصة الكورية واليابانية الأوسع انتشارًا، التي تضاعف سعرها حاليًا مقارنة بالعام الماضي، أدت إلى عدم استحقاق العديد من العملاء للحصول على قرض سيارة لعدم توافق رواتبهم حاليًا مع قيمة القسط الشهري"، كما قال رئيس قطاع التجزئة المصرفية في بنك حكومي.
وتابع المصدر "متوسط قيمة قروض السيارات حاليًا بالبنوك أصبحت تتجاوز مليون جنيه وعدد قليل من العملاء لديهم القدرة على الحصول على هذا النوع من القروض".
وأوضح رئيس قطاع التجزئة المصرفية في أحد البنوك الحكومية، أن القروض المقدمة من البنك لتمويل السيارات تنحصر حاليًا في مبادرة إحلال السيارات للعمل بالوقود المزدوج (الغاز والبنزين) لكن قروض السيارات التجارية خارج المبادرة شبه متوقفة.
وكان البنك المركزي أطلق قبل عامين، خلال الربع الأول من 2021، مبادرة لإحلال المركبات للعمل بالوقود المزدوج (البنزين والغاز) بسعر فائدة 3% مقطوعة، مخصصًا لها شريحة تمويلية بقيمة 15 مليار جنيه قبل ما يتم نقل المبادرة إلى وزارة المالية بداية من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأضاف نائب رئيس أحد البنوك الخاصة، إن الطلب على قروض السلع المعمرة (تمويل شراء أجهزة كهربائية وإلكترونية وأثاث المنازل) تراجع للغاية بداية من العام الجاري بسبب ارتفاع أسعار السلع بعد تحرير سعر الصرف، وكذلك عدم وجود أجهزة كافية في السوق.
ويساهم تزامن ارتفاع التضخم الفائدة في الحد من شهية البنوك تجاه التوسع في الإقراض الاستهلاكي، كما يقول نائب رئيس أحد البنوك الخاصة "في هذا الوقت لا بد أن تكون البنوك حذرة تمامًا قبل الموافقة على منح قروض للعملاء بسبب ارتفاع مخاطر التعثر".
وأوضح أن 30% إلى 50% في القروض الاستهلاكية بالبنوك تتم بدون تحويل الراتب، وهي أكثر عرضة للتعثر حاليًا، خاصة الموظفين في القطاع الخاص أو أصحاب المهن الحرة.
والمقصود بتحويل الراتب هو قدرة البنك على النفاذ لراتب العميل مباشرة، وخصم قيمة قسط القرض من المنبع.
وأوضح أن البنوك تعمل حاليًا على انتقاء العملاء قبل الموافقة على القروض، مع تفضيل منح القروض للموظفين في القطاع العام أو الشركات الخاصة الكبرى، التي تضمن القدرة على الخصم من رواتبها مباشرة.