لم يتبق على دوران عجلة انتخابات الرئاسة 2024 سوى أشهر قليلة، فمع نهاية العام الحالي من المفترض أن تُعلن إجراءات ومواعيد الاستحقاق الرئاسي، ومع ذلك خرجت بعض الدعوات من الخارج تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في ظل ما وصفه الداعون بـ"فشل جميع السياسات التي يتبعها النظام الحالي".
الدعوات التي لم تتبنَّها سوى كيانات وتكتلات ليس لها أي وزن سياسي أو قواعد جماهيرية مؤثرة وأُطلقت بالتزامن مع الذكرى الـ12 لثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك، جاءت في وثيقة دعت بشكل صريح إلى تنحي الرئيس عبد الفتاح السيسي عن منصبه.
وقع على الوثيقة التي حملت عنوان "مطالب الشعب المصري"، شخصيات سياسية وإعلامية معارضة مقيمة بالخارج وعدد من الأحزاب التي لم يعد لها أثر في المشهد السياسي المصري، فيما رفضتها معظم الأحزاب والتيارات المعارضة التي تمارس نشاطها من مصر. أما جماعة الإخوان المسلمين فلم تُبدِ رأيها فيها حتى كتابة هذه السطور، لكنها روجت لها على منصاتها الإعلامية.
لم تُضف المطالب التي تضمنتها الوثيقة جديدًا على ما تنادي به القوى السياسية، سواء التي قبلت التحاور مع السلطة والمشاركة في الحوار الوطني، أو تلك التي تحفظت ورفضت المشاركة واعتبرت الحوار مضيعة للوقت ومحاولة من السلطة لـ"تجميل وجهها وتجبير شرعيتها المشروخة".
إذًا، القوى السياسية الفاعلة سواء المعترفة بشرعية ودستورية نظام 30 يونيو الحاكم، أو تلك التي لم ترفض الاعتراف به، لم تطرح فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة، ولم تطالب في بيانات أو خطابات بتنحي الرئيس خارج الأطر الدستورية المتعارف عليها.
على النقيض لم تتوقف دعوات أُطلق معظمها من أفراد بالخارج يطالبون بإسقاط النظام، مرة عبر محاولة تثوير الناس وحثهم على الخروج إلى الشوارع والميادين كما حدث في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأخرى تدعو الرئيس للتنحي لإتاحة الفرصة أمام انتخابات رئاسية مبكرة.
السادات فاجأ شركاءه في الحركة المدنية وقوى المعارضة بسؤاله عن واجب التوافق على برنامج ومرشح رئاسي لخوض استحقاق 2024
وكما لم يتجاوب أحد مع دعوات "11/11" وفشلت محاولات الداعين لحشد الجماهير إلى الشوارع، ليس من المتوقع أن تلقى الدعوة الثانية أي صدى، ليس فقط لأنها أطلقت من الجهات المجهولة نفسها، أو لأن الناس لم تعد تُلقِ بالًا بالفرقعات السياسية الموجهة من الخارج في ظل انشغالهم بمعاناتهم اليومية الناتجة عن سوء إدارة السلطة للملف الاقتصادي، بل لأن من يمكن اعتبارهم فاعلين سياسيين تعاملوا معها على أنها "دعوات هشة خرجت من أشخاص لا تربطهم بالمشهد السياسي ولا تعقيداته أي صلة"، على حد تفسير أحد قادة الحركة المدنية الديمقراطية.
رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات فتح بابًا جانبيًا للتفاعل مع الدعوات، فرغم أن اشتباكه معها جاء في سياق الرفض والتأكيد على الشرعية الدستورية للرئيس السيسي، فإنه –بقصد أو بدون قصد- استدعى ملف الانتخابات الرئاسية المقبلة وطرحه على مائدة الحوار.
وفي البيان الذي أصدره قبل أيام، شدد السادات على عدم جدوى مطلب إجراء انتخابات مبكرة، خاصة وأن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية العام المقبل، "لا يجب إرباك المشهد السياسي الحالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون جميعًا".
طرق السادات على أبواب الاستحقاق الرئاسي المقبل من مدخل "رفض دعوات الانتخابات الرئاسية المبكرة"، فسلط الضوء على ما هو أهم وأجدى، وهو "ضرورة استعراض فرص إعداد مرشح رئاسي تتوافر فيه الشروط الدستورية والقانونية من كفاءة وخبرة حتى يتمكن من خوض المنافسة".
السادات فاجأ شركاءه في الحركة المدنية وقوى المعارضة بسؤاله عن واجب التوافق على برنامج ومرشح رئاسي لخوض استحقاق 2024 "هل تستطيع القوى السياسية والشعبية ومعهم جماعة المثقفين الاتفاق على مرشح أو أكثر يتم المفاضلة بينهم والدفع بهم لعمل استطلاع رأي بشأنهم من خلال تلاحم شعبي ومؤسسي من الآن، ووضع برنامج وخطة عمل متميزة للتنفيذ حال نجاحهم، حتى نشهد مرة أخرى انتخابات حرة ونزيهة على نمط الانتخابات الرئاسية 2012 غير معروف نتائجها سلفًا ويظل الجميع ينتظر ويترقب الفائز حتى لحظة إعلان النتيجة ويتم احترام نتائج الانتخابات وشرعيتها للتوجه نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة".
والحقيقة أن السادات حاول أن يُذكِّر شركاءه في الحركة بمسؤولياتهم، فقوى المعارضة التي دخلت دوامة الحوار مع السلطة واستغرقت نفسها في مناقشة ضوابطه ومحاوره وقواعد اختيار المشاركين فيه، وعقدت جلسات ودبجت بيانات عن الأوضاع الاقتصادية والحريات السياسية، غابت عنها حتى هذه اللحظة محاولة الإجابة عن سؤال استحقاق 2024.
وبحسب عدد من قادة الحركة المدنية، لم يُطرح حتى الآن وبشكل رسمي الملف على طاولة حوار أحزاب الحركة، ولم يتم تداوله كما لم تجرِ المُفاضلة بين أسماء ساسة يمكن الدفع بأنسبهم لخوض معركة الرئاسة المقبلة، وبالتبعية لم يجر التشاور حول بنود برنامج انتخابي يُوصف الأزمات والمشاكل التي أحاطت بالبلاد ويطرح لها حلولًا مناسبة.
يعني ذلك أن الحركة المدنية الديمقراطية لم تقم بواجبها السياسي الذي تحتمه اللحظة، واكتفت بلعب دور المُعارض الذي يشجب ويُدين قرارات السلطة وسياساتها، دون أن يعمل على صناعة بديل جاهز للمنافسة وتولي المسؤولية.
بعدما أحدث بيان السادات أثرًا، تحركت بعض أحزاب الحركة المدنية وصدرت تصريحات من قادتها تفيد بأنه "لو توافرت الظروف والشروط الدستورية لإجراء انتخابات نزيهة فإن القوى السياسية المعارضة ستستعد لها"، ما يعني أن تلك القوى ستنتظر حتى تتبين الأمر وتتأكد من سلامة إجراءات العملية الانتخابية وبعدها تدرس التوافق على المنافس والبرنامج، وتلك الإجابة في الحقيقة تشبه إجابة تلميذ بليد ظل يُرحِّل أداء واجباته حتى الساعات الأخيرة قبيل دخوله لجنة الامتحان.
لا يمكن بالطبع استبعاد دافع الخوف والقلق كسبب رئيسي لتجاهل أو غض طرف أحزاب الحركة المدنية عن مناقشة ملف انتخابات الرئاسة 2024، فما حدث مع المرشحين الذين قرروا من تلقاء أنفسهم ودون ترتيب مسبق مع "أجهزة هندسة الانتخابات" خوض معركة الرئاسة 2018، يجعل الإقدام على الأمر مغامرة غير محسوبة.
لن تنفذ السلطة الحد الأدنى من المطالب السياسية والاقتصادية، في ظل تقاعس أحزاب الحركة المدنية عن تقديم منافس قوي
المصير الذي لقيه كل من تجرأ وتحرك في اتجاه منافسة الرئيس المرشح حينها أو حتى أعلن عن نيته الترشح لا يزال يخيم على أجواء المشهد السياسي ويحكم توجهات وتحركات أحزاب الحركة المدنية التي اختارت السكوت الطوعي وإبقاء ملف الانتخابات الرئاسية في "الدرج"، رغم أن الاستحقاق بات على الأبواب.
توافق أحزاب المعارضة على تسمية مرشح رئاسي من الآن والشروع في إعداد برنامج انتخابي يتضمن استعراضًا للأزمات والحلول الممكنة صار واجبًا وفرض عين على كل حزب يدعي أنه يعمل ويمارس السياسة من أجل إصلاح أحوال العباد والبلاد، وبغض النظر عن العواقب فمن اختار ساحة العمل السياسي في بلادنا يعلم أن هناك ضريبة يجب عليه دفعها.
لن تنفذ السلطة الحد الأدنى من المطالب السياسية والاقتصادية التي تتبناها الحركة المدنية، في ظل تقاعس أحزاب تلك الحركة عن تقديم منافس قوي يحظى بتوافق وقبول الشركاء والفرقاء السياسيين، وعن إعداد برنامج انتخابي يشرح ويوضح كيف وصلت الأمور إلى ما هي عليه من تدهور في كل الملفات، ويضع أجندة لحلول واقعية ترتكز على موارد الدولة وقدرات أبنائها.
إن لم تبادر المعارضة بمناقشة ملف الاستحقاق الرئاسي المقبل من الآن، وإن لم تستخدم كل أدواتها للضغط حتى يجرى ذلك الاستحقاق في ظل مناخ سياسي أكثر انفتاحًا ووفق الحد الأدنى من الضوابط الدستورية والديمقراطية، فسنجد أنفسنا أمام مشهد انتخابات 2018 بمعظم تفاصيله.
حينها، ليس من حق الأحزاب أن تشكو من هندسة العملية الانتخابية أو تفصيل المشهد على مقاس فرد بعينه، بل عليها أن تصمت، لأنها ستكون مسؤولة وشريكة في صناعة الممارسات التي تنتقدها.