ساهم التراجع القوي لقيمة الجنيه مقابل الدولار منذ مارس/ آذار الماضي في وضع المشروعات الصغيرة تحت ضغوط بالغة، نظرًا لدوره في رفع تكاليف مدخلات الإنتاج المستوردة، ما يهدد بتعثر العديد من المشروعات محدودة الحجم، وفقا لمصادر مصرفية ومن القطاع الصناعي، تحدثت للمنصة.
وقالت ثلاثة مصادر في إدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بنوك حكومية وخاصة، إنهم يدرسون إعادة هيكلة مديونيات بعض عملاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بعد ظهور بوادر للتعثر بسبب التبعات السلبية لانخفاض قيمة الجنيه.
"نعمل على إعادة جدولة بعض مديونيات عملاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تواجه صعوبة في السداد، إذ ارتفعت الأعباء التشغيلية لديهم بسبب ارتفاع الدولار" وفقًا لمصدر مصرفي في بنك خاص تحدث للمنصة شرط عدم ذكر اسمه.
وتأتي هذه الأزمة في وقت باتت فيه المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نسبة مهمة من المحافظ التمويلية للبنوك، حيث ألزم البنك المركزي قبل سنوات البنوك بزيادة نصيب هذه المشروعات من إجمالي محفظة قروض البنك إلى نسبة 25% بنهاية 2022، قبل أن يوافق على مد المهلة عام إضافي ينتهي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، استجابة لطلبات بعض البنوك التي واجهت صعوبات في الوصول للمستهدف.
"الصناعات البلاستيكية والكيماوية، من أكثر الصناعات المتضررة من التعويم لاعتمادها بشكل كبير على مكونات مستوردة"، كما قال مصدر مصرفي آخر يعمل في بنك حكومي للمنصة، مضيفًا "الصناعات الصغيرة التي يبلغ حجم مبيعاتها السنوية من مليون جنيه إلى أقل من 50 مليونًا هي الأكثر تضررا وتواجه مشاكل كبيرة في السداد، مما أدى إلى تدخل البنك لإعادة تعديل جدول سداد الأقساط المستحقة عليهم لمساعدتهم على استمرار النشاط".
الملابس في أزمة
وتعد صناعة الملابس واحدة من أكثر الصناعات التي تتركز فيها الكيانات الصغيرة والمتوسطة، وتشير تصريحات للصناعيين في هذا المجال إلى وقوع القطاع تحت ضغوط بالغة في الوقت الراهن بسبب التعويم.
وقال رئيس غرفة الملابس الجاهزة والمفروشات باتحاد الصناعات، محمد عبد السلام، للمنصة، إن انخفاض قيمة الجنيه خلال الأشهر الأخيرة بوتيرة سريعة ومتتالية أدى لارتفاع مستلزمات الإنتاج، ما دفع الغرفة إلى المبادرة مطالبة بنوك حكومية مثل الأهلي ومصر بتوفير تمويلات ميسرة لمساندة القطاع.
وخسر الجنيه نسبة كبيرة من قيمته أمام الدولار منذ أن سمح البنك المركزي بانخفاض العملة المحلية في 27 أكتوبر الماضي/ تشرين الأول، وارتفع الدولار من مستوى 19.75 جنيهًا للبيع خلال أكتوبر الماضي إلى 30.21 جنيهًا اليوم الأربعاء.
"انخفاض قيمة الجنيه خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي تسبب في رفع قيمة مستلزمات الإنتاج بنحو 100% في وقت باتت فيه المصانع تعمل بطاقة ثلث طاقتها الإنتاجية"، كما يقول عبد السلام.
ويشرح عبد السلام تأثير الأزمة على الوضع المالي للشركات قائلًا "على سيبل المثال أحد المصانع الصغيرة بالقطاع، رأس ماله 3 مليون جنيه، قبل انخفاض قيمة الجنيه كان ينتج 20 ألف قطعة في الموسم لما كان متوسط سعر كيلو القماش 125 جنيهًا، حاليا سعر كيلو القماش أصبح 250 جنيهًا، بالتالي أصبح رأس المال 3 مليون جنيه يصنع نصف الكمية تقريبًا، فاتجهنا إلى طلب التمويلات علشان نحافظ على حجم الإنتاج في الشركات وتجنبا لتوقف الشركات عن الإنتاج".
وأوضح عبد السلام أن الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر تمثل 95% من قطاع الملابس الجاهزة في مصر.
الحلول المطروحة
وقال رئيس قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في أحد البنوك الحكومية، للمنصة، إن لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في اتحاد البنوك، وهو كيان له شخصية اعتبارية ولا يهدف للربح يضم جميع البنوك وفروع البنوك الأجنبية، ناقش مؤخرًا رفع طلب للبنك المركزي بضرورة مد تطبيق سياسة عدم تصنيف المشروعات الصغيرة والمتوسطة كمتعثرين قبل مرور 180 يومًا على عدم سداد مستحقات البنك، بدلًا من التوقف عن تطبيق هذه السياسة في يونيو/ حزيران المقبل وفقًا لما هو معلن من البنك المركزي.
وكان البنك المركزي المصري أصدر في ديسمبر/ كانون الأول 2021 تعليمات للبنوك بمضاعفة فترة السماح لتصنيف العملاء من الشركات الصغيرة والمتوسطة بالمتعثرين في حالة عدم التزامهم بسداد أقساط المديونيات، ضمن إجراءاته الاحترازية حينها من استمرار تبعات فيروس كورونا المستجد، وذلك بشكل مؤقت لمدة 18 شهرًا.
ويواصل البنك المركزي طرح مبادرة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة 5% سنويًا على أساس متناقص رغم توقفه من نوفمبر الماضي عن دعم 5 مبادرات تمويلية في مجالات أخرى.