أعلنت البورصة المصرية، نهاية الشهر الماضي، إتاحة التداول على أذون الخزانة في سوق ثانوية، ما يتيح مجالًا أكبر للمستثمرين للبيع والشراء في الديون المصرية.
وتمثل السوق الجديدة، رهانًا جديدًا للدولة المصرية لجذب تدفقات الأجانب في الديون المصرية، التي تراجعت بقوة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
محاولة لاستغلال زخم البورصة
وكان مؤشر البورصة الرئيسي EGX30 استطاع تسجيل قمم تاريخية خلال أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين، وساهمت ارتفاعات المؤشر في خلق حالة من التفاؤل بزخم استثماري في البورصة.
وبحسب آخر بيانات البنك المركزي، بلغت قيمة استثمارات الأجانب في سوق أذون الخزانة المطروحة من وزارة المالية، نحو 377.3 مليار جنيه، في مايو/أيار الماضي. ويقول خبراء إن هذه الاستثمارات مرشحة للزيادة مع فتح السوق الثانوية الجديدة في البورصة.
وأذون الخزانة هي ديون قصيرة الأجل، لا يزيد أجلها عن سنة، وتُصدر وزارة المالية الأذون الحكومية لأول مرة عن طريق مزادات يجريها البنك المركزي المصري، تبيع خلالها هذه الأوراق لمختلف أنواع المستثمرين، مثل الأفراد والبنوك، وهي تمثل السوق الأولية لهذه الأذون.
أما السوق الثانوية، فهي التي يمكن من خلالها لأي حائز للإذن إعادة بيعه مرة أخرى لمستثمر آخر، قبل حلول أجل الإذن.
وقبل تأسيس السوق الثانوية الجديدة للأذون في البورصة، والتي بدأت تداولاتها في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، كان المجال الوحيد المتاح للمستثمر الذي يريد أن يبيع إذنًا اشتراه من السوق الأولية، أن يقوم بذلك من خلال عدد معين من البنوك لديها قدرة على التواصل مع البنك المركزي لإتمام هذه العملية، يُصنفوا كـ "متعاملين رئيسيين".
"اقتصار التداولات على أذون الخزانة عبر أنظمة البنك المركزي لم يكن أمرًا طبيعيًا لكون التداول على كافة الأوراق المالية من اختصاص البورصة المصرية"، كما يقول المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، محمود نجلة، لـ المنصة.
ويعتبر نجلة أن تداول الأذون عبر البورصة يعزز من شفافية هذه السوق "تفاصيل عمليات التداول للمستثمرين لم تكن متاحة في نظام التداول والشاشات الخاصة بالبنك المركزي سابقًا، وكان تلقي العروض والطلبات يتم عبر مكالمات تليفونية لـ(المتعاملين الرئيسيون) من البنوك".
ويبلغ عدد الأذون المقيدة في البورصة المصرية 16 إذنًا، وبلغ إجمالي حجم التعاملات على الأذون والسندات في البورصة منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول نحو 179 مليار جنيه، وهو ما يمثل طفرة في التعاملات على الديون في هذا السوق بعد إدراج الأذون للتداول.
في انتظار الـ يورو كلير
لكن تظل قدرة هذه السوق الجديدة للديون على جذب المستثمرين، وتحديدًا الأجانب، مرهونة بقدرة مصر على الوصول لاتفاق مع منصة يوروكلير لتسوية المعاملات على الديون المصرية، وهو ما سيعزز الثقة في الاستثمار بالأوراق المصرية في ظل شح العملة الصعبة.
ويوروكلير هي شركة أوروبية تقوم بتسوية المعاملات، بمعنى أنها تضمن للطرفين، البائع والمشتري، الحصول على مستحقاتهما.
وتعاني مصر من مصاعب تدبير النقد الأجنبي للمستثمرين في الديون المصرية لتحويل أموالهم للخارج، حيث حذرت مؤسسة جي بي مورجان الشهر الماضي من عدم قدرة المستثمرين في الديون المصرية المقومة بالجنيه على تحويل أموالهم إلى العملات الدولية.
وبلغ حجم العجز في صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي والبنك المركزي نحو 801.2 مليار جنيه، ما يعكس الضغوط المالية الراهنة.
وفي 2020 أسست الدولة الشركة "المصرية للإيداع والقيد المركزي" لتقوم بإدارة عمليات الإيداع والتسوية لجميع أدوات الدين الحكومية، من خلال جهة قانونية موحدة تعمل وفقا للمعايير الدولية، لكنها لم تبدأ نشاطها إلا في مايو/أيار الماضي، ولا تزال الحكومة تخوض مفاوضات لربط الشركة المصرية بمنصة يورو كلير.
وذكر مصدر مصرفي، طلب عدم ذكر اسمه، أن عملية التسوية فى "يوروكلير" من المفترض أن تضمن للمستثمرين من خلال المنصة سهولة الاستثمار، والدخول والخروج بأي عملة، على أن تُحول قيم العمليات من خلال الشركة الجديدة للإيداع والقيد المركزي.
ولا تفصح التصريحات الحكومية حول ما إذا كانت الضغوط المالية التي تعاني منها البلاد في الوقت الراهن، في ظل ضعف احتياطات النقد الأجنبي، ساهمت في تأخر الاتفاق مع يوروكلير، لكن بحسب رويترز، كانت هناك مشاكل تقنية بين الطرفين فى عام 2021، تتعلق بكيفية احتساب مصر للضريبة المستقطعة من عوائد أذون وسندات الخزانة، تسببت في تأخير التداول على المنصة الأوروبية لمدة طويلة.
تحديات اجتذاب الأجانب
وحاولت الحكومة تعزيز السوق الجديدة للديون من خلال قرار لرئيس الوزراء في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي خفض نسبة الرسوم التي تتقاضاها البورصة على كل عملية تتم على أذون الخزانة المتداولة، والمعروفة باسم"مقابل الخدمات"، بنسبة 50%، على أن يكون الحد الأقصى 500 جنيه للعمليات التي تقل قيمتها عن 50 مليون جنيه.
"هذه المستجدات تُحفز دخول الأفراد كلاعبين جدد في سوق أدوات الدين، خاصة مع إتاحة التداول من خلال شركات الوساطة في الأوراق المالية"، كما يقول مدير صناديق الاستثمار بشركة أودن للاستثمارات المالية، محمد حسن، لـ المنصة.
لكن لاتزال هناك العديد من التحديات أمام جذب المستثمرين الأجانب لهذه السوق، وفق رأي حسن "عودة الأجانب لسوق أدوات الدين مرهونة بانخفاض معدلات التضخم، كما أن شهية الأجانب لن تعود كما كانت قبل أزمة الحرب الروسية الأوكرانية إلا بعد حل أزمة نقص العملة الأجنبية" بحسب قوله.
وتُظهر بيانات البنك المركزي أن استثمارات الأجانب في السوق الأولية لأذون الخزانة الحكومية بلغت نحو 23 مليار دولار حتى يونيو/حزيران 2021، بأسعار الصرف في هذا الوقت، بينما اقتصرت على نحو 12.5 دولار حتى مايو/أيار الماضي، بأسعار الصرف في تلك الفترة.
ويرى نجلة أنه في حال ما بدأت الولايات المتحدة تقليص أسعار الفائدة، بعد الزيادة الكبيرة التي سجلتها منذ 2022، سيتيح ذلك فرصة أكبر لسوق أذون الخزانة الناشئة في البورصة المصرية لجذب تدفقات دولارية جديدة.
وتقع أسعار الفائدة الأمريكية في الوقت الحالي عند أعلى مستوى لها منذ 22 عامًا، وهو ما يمثل تحديًا أساسيًا أمام قدرة الأذون المصرية على جذب المستثمرين العالميين، الذي يجدون حاليًا مجالاً أكثر أمانًا وبعائد مرتفع في السوق الأمريكية.