وزارة النقل- فيسبوك
محطة مترو البوهي، من محطات الخط الثالث

أزمة الدولار لا تقف في طريق "المترو"

منشور الأربعاء 4 أكتوبر 2023

على الرغم من أن أزمة الدولار تقف عقبة أمام توسع أعمال العديد من المنتجين، الذين يعتمدون على استيراد الخامات بالعملة الصعبة، إضافة إلى أنها تحد من فرص الاستثمار، كونها تحول دون قدرة مستثمرين أجانب على تحويل أموالهم للخارج، إلا أنه على ما يبدو فإن مشروعات مترو الأنفاق في مأمن من هذه الأزمة.

تتوسع وزارة النقل بقوة في إنشاء خطوط جديدة لمترو القاهرة، في الوقت الذي استطاعت فيه أن تعقد اتفاقيات لتمويل هذه الأنشطة بالتعاون مع شركات فرنسية، ويابانية، وكورية.

يؤكد مصدران بهيئة مترو الأنفاق أن التمويلات الأجنبية للخطوط الجديدة "لن تواجه أي عقبات"، في بلد يمثل فيه الدين الخارجي أكثر من ثلث الناتج الإجمالي، فيما تقول نائبة برلمانية إن مشروعات المترو لها "أهمية خاصة كونها تساهم في علاج الاختناقات المرورية، ما يبرر وضعها على رأس أولويات الدولة في الوقت الراهن".

تمويل مخططات التوسع الراهنة

تسير وتيرة العمل في مشروعات مترو الأنفاق بشكل متسارع، حيث تستعد وزارة النقل للانتهاء من الأعمال الإنشائية للخط الثالث خلال بضعة شهور، بالتزامن مع استمرار أعمال إنشاء الخط الرابع، والذي يربط السادس من أكتوبر بالقاهرة الجديدة، وفي نفس الوقت أبرمت الوزارة اتفاقات لتنفيذ الخط السادس الذي يربط المعادي بالخصوص.

وهي وتيرة عمل مختلفة عن تلك التي بدأ بها المشروع، حيث استغرقت الدولة نحو عقدين لإتمام المرحلتين الأولى والثانية من مترو الأنفاق، خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فيما انتهت من أولى مراحل الخط الثالث في 2012، وهو الخط الذي ربط شرق القاهرة للمرة الأولى بخدمات المترو.

وتتطلع الدولة للانتهاء من الخطين السادس والرابع قبل عام 2030. وتنفذ هيئة مترو الأنفاق هذه المشروعات بالتوازي مع أعمال أخرى تتطلب تمويلًا أجنبيًا مكثفًا مثل المونوريل والقطارين الكهربائيين السريع والخفيف.

"تأثير أزمة شح الدولار على مشروعات الهيئة محدود، فالجوانب التي تتطلب توفير مكون دولاري يتم تغطيتها من خلال القروض من جهات التمويل المختلفة"، كما يقول المصدر الأول لـ المنصة، وهو عضو مجلس إدارة بالهيئة القومية لمترو الأنفاق رفض ذكر اسمه.

وتأتي المرحلة الجديدة للتوسعات في سياق أزمة ضَعف تدفقات النقد الأجنبي، والتي تسببت في ارتفاع عجز الأصول الأجنبية لدى البنوك والبنك المركزي؛ بأكثر من 300 مليار جنيه منذ بداية العام. 

وتتولى هيئة التعاون الدولي اليابانية، جايكا، تمويل المرحلة الاولى من الخط الرابع للمترو، وأُبرمت ثلاث اتفاقيات تمويلية في هذا الشأن، خلال الفترة بين 2012 - 2023، كان آخرها في مايو/أيار الماضي بقيمة 722 مليون دولار. بينما تتفاوض فرنسا على المشاركة في تمويل الخط السادس، بعد أن شاركت هي ومؤسسات أوروبية في تمويل الخطين الأول والثالث.

وتعتمد الدولة بقوة على التمويل الخارجي لإتمام مشروعات المترو، يتضح ذلك من الاعتماد القوي على شركات دولية في تنفيذ جوانب عالية التقنية في هذه المشروعات.

ويقول المصدر الأول بهيئة مترو الأنفاق إن الجزء الأكبر من التمويل المطلوب للخط السادس سيكون خارجيًا، موضحًا "تجري حاليًا مفاوضات مع عدد من مؤسسات التمويل الدولية منها الوكالة الفرنسية للتنمية؛ لتوفير قرض ميسر لتغطية الشق الأجنبي من أعمال الخط السادس، والتي تمثل الجزء الأكبر من التمويل بنحو 2 مليار دولار، والباقي سيتم تدبيره بالعملة المحلية".

ويوضح المصدر الأول أن "أعمال الشق الأجنبي في مشروعات المترو تتمثل في الأنظمة الكهربائية والميكانيكية، والإشارات، والاتصالات، والتحكم المركز، واستيراد بوابات التذاكر، فيما تتمثل الأعمال التي تموّل بالجنيه المصري في الإنشاءات العادية التي لا يدخل بها مكون دولاري؛ ومنها إنشاء المحطات".

ويتفق معه مصدر ثانٍ، وهو أيضًا عضو مجلس إدارة بالهيئة القومية لمترو الأنفاق، رفض ذكر اسمه، مؤكدًا، في حديثه لـ المنصة، "توافر التمويلات الكافية لإتمام مخططات التوسع في المترو"، معتبرًا أن هذه التمويلات من أقل القروض عبئًا على الدولة لأنها "قروض تنموية تتميز بطول فترة سدادها ومحدودية سعر الفائدة".

الأزمة للشركات المصرية فقط

لا يعني ذلك أن تمويل مشروعات المترو كان مُحصنًا تمامًا من الأزمة الراهنة، فقد تسببت معدلات التضخم المرتفعة؛ في زيادة تكاليف الإنشاءات على شركات المقاولات المحلية العاملة في توسعات المترو الجديدة.

"التأثير المباشر للأزمة حاليًا يتمثل في ارتفاع تكاليف تنفيذ الأعمال الإنشائية للمشروعات لارتباطها بالسوق المحلية، وزيادة أسعار حديد التسليح ومواد البناء على الشركات المنفذة"، كما يقول المصدر الأول بهيئة مترو الأنفاق.

ويضيف المصدر الأول أن الوزارة وضعت آلية لتقييم فروق أسعار التنفيذ كل 3 شهور، مقارنة بقيمة التعاقد الأصلي، حيث يتم صرف التعويضات وفقًا لجدول يتم الاتفاق عليه مع كافة الشركات العاملة مع الهيئة في مشروعاتها.

لكن مصدرًا بشركة المقاولون العرب، إحدى أبرز الشركات المشاركة في تنفيذ توسعات المترو، يقول لـ المنصة إن "المقاولين يعانون من عدم ملاءمة التعويضات المقدمة لزيادة التكاليف".

ويضيف المصدر، وهو مطلع على أعمال المترو في شركة المقاولون العرب، أن "ارتفاع أسعار الخامات يتسبب في زيادة تكاليف المشروعات بكافة أنواعها، والشركة طالبت وزارة النقل مؤخرًا بتعديل آلية الأسعار لتصبح شهريًا بدلًا من كل 3 أشهر، لتسريع آلية صرف مستحقات التعويضات إلا أن الوزارة لم تبت في الأمر".

وسجلت معدلات التضخم هذا العام مستويات غير مسبوقة، إذ تجاوزت مستوى الـ30% منذ فبراير/شباط الماضي، واقتربت من الـ40% في أغسطس/آب الماضي. 

ويضيف المصدر بشركة المقاولون العرب أن "مستحقات التنفيذ الفعلية تُصرف بانتظام، لكن التعويضات بها بعض التأخير وهذا الأمر يضغط على شركات المقاولات بشكل مستمر".

تمويل استيراد العربات

وبجانب الأعمال الإنشائية، تعتمد هيئة مترو الأنفاق على استيراد مكونات عربات القطارات من الخارج، وتجميعها في مصر، في ظل عدم القدرة، حتى الآن، على محاكاة التكنولوجيا الدولية في هذا المجال.

وأبرمت مصر العديد من الاتفاقيات خلال السنوات الأخيرة للحصول على تمويلات لصناعة العربات لخطوط المترو، سواء الخطوط الجديدة، مثل الثالث والرابع، أو لتحديث عربات الخطوط القديمة، الأول والثاني، وشملت الشركات المصنعة هيونداي روتم الكورية، وألستوم الفرنسية.

وكانت اتفاقية لتمويل استيراد عربات كورية، لتغطية احتياجات الخطين الثالث والرابع، قد أثارت نقاشًا داخل لجنة النقل في البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي حول التكلفة التي ستتكبدها الدولة من ورائها، لكن في النهاية أُقرَّت، مع صدور القانون الخاص بها في أغسطس الماضي.

ويقول المصدر الأول بهيئة مترو الأنفاق إن الهيئة لن تحتاج لاستيراد عربات قطار جديدة في الأجل القريب، "الهيئة مكتفية ذاتيًا بعدد القطارات العاملة بكل خط من خطوط المترو الثلاثة، إضافة للتعاقدات السارية لتوريد عدد من الوحدات، في الوقت الحالي لا احتياج ملح للتعاقد على عربات جديدة".

وبحسب المصدر الثاني في هيئة مترو الأنفاق، فإن الشركات الكورية واليابانية باتت تلعب دورًا رئيسيًا في توريد القطارات للمترو خلال الوقت الراهن بجانب الشركات الفرنسية.

"يعمل على الخط الأول لمترو الأنفاق حاليًا 75 قطارًا؛ منهم 32 قطارًا تم توريدها من شركة ألستوم منذ 35 عامًا، و20 من هيونداي روتم الكورية، و20 من شركة ميتسوبيشي اليابانية، أما قطارات الخط الثاني للمترو وهي 39 كلها من شركة ميتسوبيشي اليابانية، بالإضافة إلى 6 قطارات جديدة تم استلامها من هيونداي روتم الكورية"، يوضح المصدر الثاني.

وبينما كانت عملية تجميع القطارات المستوردة في السابق تتم من خلال شركة سيماف، التابعة للهيئة العربية للتصنيع، أدمجت الدولة مؤخرا شركة نيرك، التي أسستها في 2020 بمشاركة القطاع الخاص، في عملية تجميع العربات الجديدة، مع التطلع لأن تعمل الشركة الجديدة على زيادة المكون المحلي في العربات إلى 75% خلال أقل من 10 سنوات. 

ويطمح المصدر الثاني بهيئة مترو الأنفاق في أن تنجح "نيرك" في مهمتها في تعميق الصناعة، لتحد من التكلفة المطلوبة لشراء عربات الخطوط الجاري إنشاؤها. 

ويقول المصدر الثاني "مع افتتاح الخطين الرابع والسادس للمترو، ستكون مصانع إنتاج عربات المترو بدأت الإنتاج الفعلي ويمكن الاعتماد عليها بأسعار أقل". ويضيف أنه بالنسبة لجوانب صيانة العربات، التي تتطلب توفير عملة أجنبية لاستيرادها، فلدى الهيئة ما يغطي احتياجاتها لمدة عام كامل، آملًا ألا يمتد تأثير الأزمة لمدة أطول.

هل المترو أولوية؟

تحظى مشروعات هيئة مترو الأنفاق بتأييد من البرلمان، فالأخير هو المسؤول عن تمرير الاتفاقيات الممولة لها، والصادرة بقانون، وهو ما يعكس رؤية النواب بأن تلك المشروعات تمثل أولوية، حتى في ظل ما تساهم فيه من تعظيم قيمة الدين الخارجي.

ويرأس لجنة النقل في البرلمان حاليًا نائب رئيس حزب مستقبل وطن، علاء عابد، ويتولى منصب الوكيلين النائبين عن حزب مستقبل وطن، محمود الضبع ووحيد قرقر. فيما يتولى أمانة السر محمد السيد عوض عضو المجلس عن حزب الوفد.

مها عبد الناصر، عضوة مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، كانت واحدة من الأقلية التي عارضت القطار الكهربائي، العين السخنة - مرسى مطروح، لكنها قالت لـ المنصة إنها تؤيد قروض مترو الأنفاق.

وتبرر عبد الناصر موقفها بأن مشروع القطار السريع هو مجرد "قطار في الصحراء"، بينما مشروعات المترو لها دور تنموي وتيسر من حياة المواطنين.

وتقول عبد الناصر "عندنا الخط الثالث انتهينا من نصفه، وهو مشروع له أولوية سيستخدمه الملايين ويوفر خدمة لملايين من البشر ويغير حياتهم".

ربما يكون مشروع مترو الأنفاق من أكثر مشروعات البنية الأساسية التي تحظى بإجماع على أهميتها، ومن ثم ضرورة الإنفاق عليها، بالنظر لدورها في تخفيف حدة الكثافة في المواصلات والحد من استهلاك الوقود الأحفوري، واستطاعت الحكومة منحها أولوية تمويلية في ظل ظروف عصيبة، لكن مستقبل توسعات المترو لا يزال مرهونًا بآفاق الأزمة المالية الراهنة، خاصة فيما يتعلق بالمراحل التي لم يتم الاتفاق على كامل تمويلاتها مثل الخط السادس.