تتجه مصر للتحوط من ارتفاع أسعار القمح خلال العام المقبل، حسب تصريحات لوزير المالية المصري محمد معيط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبينما لم يتم الإعلان بعد عن توقيع عقود التحوط المشار إليها، شهدت الأسابيع الأخيرة استمرارًا لتراجع أسعار القمح العالمية، ما يثير التساؤلات حول جدوى التحوط الآن، في وقت كان يتم فيه استيراد القمح دون تحوط في ذروة ارتفاعه؟
إعلان النية لا يكفي
وبدأت وزارة المالية الاعتماد على آلية التحوط خلال العام المالي 2018/2019 عندما وقعت عقدين مع مؤسستي جي بي مورجان وسيتي بنك للتحوط من ارتفاع أسعار النفط، وخلال العامين التاليين أبرمت المزيد من عقود التأمين ضد ارتفاع أسعار هذه السلعة.
ومن آخر تعاقدات "المالية" في هذا المجال ما أعلن عنه معيط في سبتمبر/أيلول الماضي، بخصوص تأمين 35% من واردات البلاد من النفط من ارتفاع الأسعار حتى منتصف العام المقبل.
لكن في مجال القمح، تكررت إعلانات "المالية" بشأن أهمية التحوط منه منذ 2018، دون أن يتم أي تعاقد على أرض الواقع، وذلك رغم الارتفاع القوي لأسعار هذه السلعة الاستراتيجية خلال الأشهر التالية للحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط 2022.
ورغم اتجاه الأسعار لاتخاذ اتجاه هابط منذ مايو/أيار الماضي، جددت وزارة المالية حديثها عن أهمية التأمين ضد ارتفاع الأسعار.
أسباب التفكير في التحوط وقت انخفاض الأسعار
"عادة ما يتم التحوط للتأمين من خطرين، الأول ظروف الزراعة وهي تبدو العام المقبل جيدة، والثاني هو الظروف السياسية المفاجئة، وهذه غير مضمونة" كما يقول مصدر في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فاو، لـ المنصة طلب عدم نشر اسمه.
وساهمت الحرب الروسية على أوكرانيا في تراجع صادرات الأخيرة بنحو 35% حتى سبتمبر/أيلول الماضي، متأثرة بتضييقات مارستها روسيا عليها خلال الحرب، حسب وثيقة من وزارة الزراعة اطلعت عليها المنصة.
ويؤكد مصدر بوزارة الزراعة مطلع على ملف القمح استمرار تأثير المخاطر السياسية على تدفق القمح أو أسعاره، حيث يقول لـ المنصة "الأسعار العالمية للقمح رغم تراجعها حاليًا بشكل كبير يكاد يصل إلى النصف، فهي عرضة للتقلب والتغيير كل أسبوع، حيث الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال مستمرة، وإذا تأثرت زراعات القمح في إحدى الدولتين فعندها سترتفع الأسعار لحدود غير طبيعية".
ويقول مصدر بالبورصة السلعية، طلب عدم نشر اسمه، إن استشعار الدولة مخاطر أسعار السلع العالمية ساهم في تكريس جهود لدراسة توسيع إطار عقود التحوط لتشمل السلع الغذائية أيضًا وليس بنود الطاقة فقط.
ويوضح المصدر لـ المنصة أن الحكومة لا تدرس فقط التحوط من ارتفاع أسعار القمح، ولكن أيضًا التأمين من زيادات أسعار الزيوت، نظرًا إلى أن قفزات أسعار السلعتين تنعكس بقوة على عجز الموازنة العامة.
ما الأسعار المتوقعة بعد التحوط؟
وتذبذت أسعار القمح الروسي، أكبر مورد لمصر، خلال العام الحالي، بين 250 دولارًا و270 دولارًا، حيث كان يرتفع في بعض الأحيان بسبب الرسوم التي تفرضها روسيا على صادراتها نتيجة القلق من ارتفاع الأسعار في سوقها المحلية لنقص المعروض.
ويرى الخبير بمنظمة الفاو أن أفضل الأسعار التي تستطيع أن تضمنها عقود التحوط خلال العام المقبل ستتراوح بين 270 إلى 290 دولارًا للطن، ما يجعل هذه العقود بمثابة تأمين ضد ارتفاع أسعار القمح عن المستويات المنخفضة التي يبلغها حاليًا، أكثر من كونها أداة لتوفير القمح بأسعار أقل من المستويات الراهنة.
لكن المصدر بوزارة الزراعة يشير إلى أهمية آلية التحوط حتى وإن لم توفر أسعارًا أقل من المعروض حاليًا، حيث يساهم ارتفاع الأسعار في الحد من تدفق القمح لمصر.
ويقول المصدر "العام الماضي قامت هيئة السلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب، بشراء طن القمح بما يزيد عن 500 دولار للطن، وهذا كان أحد أسباب تراجع واردتنا منه هذا العام".
طرق أخرى للتحوط
وتُجمع المصادر التي تحدثت إليها المنصة على ضرورة الاعتماد على أساليب أخرى بجانب الأدوات المالية للتحوط من مخاطر الأسعار تتعلق بتنويع مصادر القمح.
"يجب توسيع فكرة التحوط من الأسعار العالمية لتشمل عدة احتياطات أخرى، يكون منها تنويع مناشئ استيراد القمح، حيث إن مصر اشترت أكثر من 80% من القمح الروسي هذا العام، رغم أنها مشتبكة في حرب منذ عامين" كما يقول المسؤول بـ الفاو.
"يجب أيضًا زيادة الاهتمام بالقمح المحلي ومحاولة زيادة المساحات المزروعة عن الموسم الماضي"، كما يضيف المصدر نفسه.
وتراجعت مساحة القمح المزروعة في مصر خلال 2023 إلى 3.2 مليون فدان، مقابل 3.650 مليون فدان في 2022؛ حسب إحصائيات رسمية، كما انخفضت معدلات توريد القمح لصالح الحكومة هذا العام إلى 3.4 مليون طن مقابل 3.8 مليون طن في 2022، حسب وثيقة لهيئة سلامة الغذاء اطلعت عليها المنصة.
وأضاف مسؤول وزارة الزراعة أنه من المهم عودة سوق القمح الأوكراني إلى الحيوية في التصدير مرة أخرى، وأنه يأمل حدوث ذلك قريبًا، حيث إن هذا من شأنه التأثير على الأسعار بالانخفاض، وأيضًا فإن أوكرانيا تحتل مركزًا متقدمًا في تصدير القمح إلى مصر، بعد روسيا.