خلال العام الجاري استطاعت أوكرانيا رفع صادراتها من القمح لمصر بنحو 34% مقارنة بالعام السابق، لكن روسيا، التي تخوض معها حربًا منذ فبراير/شباط 2022، استطاعت زيادة صادراتها خلال الفترة نفسها بنحو 90%.
تحاول روسيا الحفاظ على مكانتها كأكبر مصدّر للقمح لمصر، وسط ضغوط اقتصادية تعانيها بسبب الحرب الممتدة منذ أكثر من عام ونصف، بينما تساهم ظروف الحرب في التضييق على فرص أوكرانيا التصديرية، وتراجع صادرات رومانيا أيضا لمصر.
أثر تعليق مبادرة البحر الأسود في السوق المصرية
في يوليو/تموز الماضي، علقت روسيا العمل بمبادرة البحر الأسود، التي تمت تحت وساطة الأمم المتحدة وروسيا، بهدف السماح لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود دون التعرض للهجوم الروسي، في مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو بخصوص صادراتها من الغذاء والأسمدة.
المبادرة التي بدأت خلال يوليو 2022، كانت تتعرض للكثير من التضييقات من الطرف الروسي، بسبب ما استشعرته موسكو بأن أوكرانيا هي المستفيد الأكبر، قبل أن يجري تعليقها تمامًا هذا العام احتجاجًا على العقوبات المفروضة على نظام بوتين.
في هذا السياق، استطاعت أوكرانيا أن ترفع من صادراتها من القمح لمصر هذا العام، لكن بمعدلات نمو محدودة، بحسب ما أظهرته بيانات حصلت عليها المنصة من وزارة الزراعة.
"روسيا عملت خلال الآونة الماضية على إزاحة أوكرانيا ورومانيا من منافستها في تصدير القمح لمصر، مع محاولة الحفاظ على مكانتها في البلاد حتى لا تتجه إلى مناشئ جديدة تعوض غياب أوكرانيا ورومانيا" كما يقول مصدر مطلع على ملف القمح بوزارة الزراعة، لـ المنصة.
وخلال العام الماضي، احتلت أوكرانيا المركز الرابع بين أكبر مصدّري القمح لمصر، بينما كانت روسيا في المرتبة الأولى.
ويوضح المصدر أنه منذ تعليق العمل بمبادرة البحر الأسود "أصبح القمح الأوكراني يأتي إلى مصر من خلال بعض المواني الصغيرة في رومانيا".
ويضيف أن "حمولة الشحنات الواردة إلى مصر من أوكرانيا أصبحت صغيرة جدا، حيث أن أغلبها يتراوح بين 1500 إلى 12 ألف طن للحمولة الواحدة، بعدما كانت تصل إلى 65 ألف طن في الحمولة قبل وقف اتفاقية البحر الأسود".
تراجع قوي للصادرات الرومانية
وتعكس بيانات وزارة الزراعة عن واردات مصر من القمح، حتى منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، تراجعًا قويًا في صادرات رومانيا إلى مصر، والتي كانت حتى العام الماضي تعد ثاني أكبر مصدر لها، وهو ما يتيح مجالًا أكبر لروسيا في السوق المصرية.
وتكشف البيانات اقتصار الواردات المصرية من القمح الروماني على 331.6 ألف طن خلال العام الجاري، وهو ما يمثل ثلث الواردات تقريبًا من البلد نفسه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، التي بلغت 1.2 مليون طن.
"رومانيا تُصدر حبوبها وقمحها لمن يدفع أكثر"، كما يقول المصدر، موضحًا أن اعتماد الاتحاد الأوروبي القوي على استيراد القمح من رومانيا، قلل من صادرات الأخيرة لمصر.
"روسيا نجحت في احتواء جانب كبير من طلبات مصر من القمح، وتعويضها عن نقص الكميات التي كانت تصل من أوكرانيا ورومانيا بأسعار مناسبة جدًا" كما يضيف المصدر.
تنافسية الأسعار الروسية
وبحسب بيانات من وزارة الزراعة عن عدد من صفقات استيراد القمح الروسي خلال العام الجاري، جمعتها المنصة من مصادر مطلعة على ملف القمح، فقد كان سعر الطن يدور حول 250 دولارًا للطن، وهو ما يعد سعرًا تنافسيًا مقارنة بمناشئ أخرى.
"السعر الروسي من الأفضل على مستوى العالم، إذا ما قارناه بسعر طن القمح الأمريكي أو الأسترالي، خاصة إذا أضفنا تكلفة الشحن التي تصل بهذا الأخير إلى 330 دولارًا للطن، لتتراوح تكلفة الشحن بين 70 و80 دولارًا، مقابل تكلفة 15 دولارًا لشحن الطن الروسي" كما يقول المصدر.
لكن وكالة بلومبرج قالت أمس إن القيود السعرية التي تفرضها روسيا على صادراتها من القمح حالت دون إتمام صفقاتها مع مصر، ما دفع الأخيرة للبحث عن القمح الفرنسي كبديل.
وكانت روسيا بدأت في 2021 فرض رسوم ضريبية على صادراتها من القمح والحبوب، في محاولة للحد من تضخم الغذاء المحلي في البلاد.
ويؤكد المصدر صحة ما ذكرته بلومبرج بشأن اتفاقات جديدة لاستيراد القمح من فرنسا، معلقًا بقوله "عدة مراكب قمح ستصل مصر أكتوبر/تشرين الأول المقبل قادمة من فرنسا". لكنه يرى أن الحضور الفرنسي جاء كبديل عن الغياب الروماني، وليس الروسي.
البحث عن القمح الهندي
ولا تعد صفقاتنا الأخيرة مع باريس أمرًا غريبًا، إذ احتلت فرنسا المركز الثالث، ضمن أكبر مصدري القمح لمصر خلال العام الماضي.
لكن من أبرز المناشئ غير المعتادة التي تسعى إليها مصر هي الهند، التي اقتصرت وارداتنا منها العام الماضي على شحنة واحدة.
ويقول مصدر آخر مطلع على ملف الحبوب بوزارة الزراعة، إن مصر أرسلت خطابًا منذ أيام إلى الحكومة الهندية، مع سفير الهند في مصر، لاستثنائها من الحظر المفروض على صادرات القمح، الذي أقرته حكومة نيودلهي نتيجة انخفاض المحصول لاضطراب الظروف المناخية الموسم الماضي، مما أضعف من الإنتاجية.
وكانت الهند قررت في 14 مايو 2022، حظر صادرات القمح، نتيجة موجة حر شديدة أدت إلى تقليص الإنتاج ما ساهم في ارتفاع الأسعار المحلية.
ضعف التوريد المحلي أصل المشكلة
ويعزى جانب من ارتفاع صادرات القمح الروسي إلى مصر، أن الحكومة المصرية لم تنجح في تحفيز المزارعين المحليين على توريد القمح لوزارة التموين، بالمعدلات المستهدفة.
وتراجعت مساحة القمح المزروعة في مصر خلال 2023 إلى 3.2 مليون فدان، مقابل 3.650 مليون فدان في 2022، كما انخفضت معدلات توريد القمح لصالح الحكومة هذا العام إلى 3.4 مليون طن، مقابل 3.8 مليون طن في 2022، بحسب وثيقة لهيئة سلامة الغذاء اطلعت عليها المنصة.
ويعد الاعتماد على الاستيراد كبديل للإنتاج المحلي عاملًا ضاغطًا على اقتصاد البلاد، التي تعاني تراجع احتياطات النقد الأجنبي بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2022.
من جانبه، يقول رئيس قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة، الدكتور عباس الشناوي، إن الوزارة تأمل أن تصل المساحة المزروعة من القمح العام المقبل إلى ما بين 3.8 إلى 4 ملايين فدان.
وأضاف الشناوي، لـ المنصة، أن عدة لجان تعمل خلال الوقت الحالي على دراسة تحديد سعر ضمان جديد لشراء القمح من الفلاحين خلال الموسم المقبل، وهذا تشجيعًا لهم لزيادة المساحات المزروعة من القمح، وأيضًا تحفيزًا لهم على توريد أكبر كميات إلى الدولة في موسم التوريد المقبل.