وصل سعر قنطار القطن خلال الشهر الجاري إلى أكثر من ضعف سعره العام الماضي، وذلك خلال التداولات الجارية في البورصة التي دشنها وزير قطاع الأعمال السابق قبل ثلاثة أعوام، بهدف معاونة المزارعين على الوصول لسعر أكثر عدالة لمحصولهم.
فهل كان لتدشين بورصة القطن الفضل في ارتفاع أسعاره هذا العام، أم أن عوامل أخرى تتعلق بالسوق المحلية والدولية هي التي دفعته ليسجل هذه القفزة السعرية؟
عودة الدور التاريخي للبورصة
تُعرف مصر بأنها واحدة من أقدم الدول التي احتضنت بورصات لتداول القطن منذ القرن التاسع العشر، بجانب التداول على الأسهم والسندات، قبل أن تتجه الدولة لتأميم زراعة القطن في الستينيات.
ورغم تخارج الدولة من سيطرتها على القطاع الزراعي، منذ تبنيها لسياسات التحرر الاقتصادي في مطلع التسعينيات، ظلت عملية تداول القطن تتم بشكل منفرد بين المزارعين والتجار، مع تحديد الحكومة لسعر ضمان لشراء قنطار القطن سواء للقطاع العام أو الخاص، والذي كان بمثابة سعر توجيهي للسوق.
ورأى وزير قطاع الأعمال السابق هشام توفيق، الذي كان يعمل في قطاع بنوك الاستثمار قبل توليه منصبه الحكومي، أن بيع القطن من خلال مزايدة في البورصة سيساهم في تعزيز قدرة المزارعين على بيع القطن بسعر أفضل، ما يعيد اهتمام القطاع الزراعي بالتوسع في إنتاج هذا المحصول.
وبدأت بورصة القطن بإنشاء منظومات لتداول هذه السلعة خلال 2020 عن طريق إنشاء مركزين، في الفيوم وبني سويف، لاستلام القطن مباشرة من المزارعين، دون وسطاء، وإجراء مزايدة عليهم، قبل أن تتوسع هذه المنظومة لاحقًا لتغطي تقريبًا كل المحافظات.
طفرة في الأسعار هذا العام
"أسعار القطن هذا العام ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة ما جعل القطن يعود إلى سابق عهده" كما يقول نقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن، لـ المنصة.
ونقابة الفلاحين التي يمثلها عبد الرحمن، هي واحدة من أربع نقابات مستقلة تحاول تمثيل الفلاحين.
وبلغ أعلى سعر لقنطار القطن هذا الشهر لنحو 18500 جنيه، مقابل أعلى سعر سجله العام الماضي والبالغ 7800 جنيه، بحسب ما قاله مصدر مسؤول بوزارة الزراعة لـ المنصة.
وأرجع المصدر بالوزارة، المطلع على تجارة القطن، هذا الارتفاع إلى إنشاء منظومة التداول الجديدة "بيع القطن محليًا عبر المزادات العلنية خلق نوعًا من المنافسة على شراء القطن المصري، وهو ما تسبب في وصول أسعاره لأرقام كبيرة".
وتوقع المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن يرتفع السعر هذا العام لمستويات أكبر "وقد يتخطى الـ20 ألف جنيه للقنطار الواحد، خاصة أننا لازلنا في بداية عملية تسويق القطن، حتى الآن لم يتم جني إلا نحو 60% من المساحة المزروعة".
تأثير السوق العالمية والعرض المحلي
لكن المصدر ذاته يعدد أسبابًا أخرى أثرت في أسعار القطن "صادف هذا العام تأثر القطن الطويل الممتاز في بلدان العالم بعوامل وظروف مناخية سيئة، أثرت في إنتاجيته بشكل كبير، وخاصة في أمريكا التي تنتج قطن البيما القريب في الجودة من القطن المصري، ما يجعل القطن المصري فرصة جيدة للتصدير في السوق الخارجي بجودة وسعر أفضل".
ويمثل القطن طويل التيلة وفائق الطول غالبية إنتاج القطن المصري، والذي يستخدم بالأساس لغرض التصدير، كونه يدخل في إنتاج منسوجات عالية الجودة غير مطلوبة بقوة في السوق المحلي، بينما يعتمد قطاع الصناعات النسيجية في مصر على استيراد أقطان قصيرة التيلة من الخارج، كما يقول رئيس بحوث القطن بوزارة الزراعة، وليد يحيى، لـ المنصة.
ويوضح يحيى أن المساحات المزروعة بالقطن قصير التيلة في مصر نحو 1000 فدان فقط، من إجمالي، 254 ألف فدان.
ويضيف يحيى للأسباب السابقة أن تراجع المساحات المزروعة من القطن هذا العام ساهمت أيضًا في ارتفاع أسعاره.
"وصلت مساحة مزروعات القطن العام الماضي إلى 335 ألف فدان، لكن مع تذبذب سعر القنطار بقوة، تم بيع نحو 40 ألف قنطار قطن بسعر متدني بلغ 3400 جنيه، ما حفز الكثير من المزارعين على استغلال أراضيهم لزراعة محاصيل أخرى".
وتمثل الأسعار الحالية للقطن طفرة كبيرة مقارنة بأعلى سعر بلغه في 2022 عند 7800 جنيه وفي 2021 نحو 5500 جنيه للقنطار، بحسب المصدر.
وتشهد مصر موجة تضخم قوية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، ووصل معدل التضخم السنوي في سبتمبر/أيلول الماضي لأكثر من 40% لأول مرة، ما ساهم في ارتفاع القيم الأسمية للسلع.
الدولة تتطلع للاستحواذ على القطن المحلي
يضاف للأسباب السابقة وراء ارتفاع سعر القطن أيضًا اتجاه قطاع الأعمال العام للتوسع في شراء القطن طويل التيلة، لاستغلاله في مصانع مصر للغزل والنسيج في المحلة الكبرى بعد التطويرات الواسعة التي جرت بها قبل سنوات.
"حتى وقت قريب كنا نصدر أكثر من 95% من القطن المصري المحلي، لكن حاليًا هناك مخططات من الدولة لاستيعاب القطن المحلي في الصناعة المحلية وتصديره في صورة منتجات نهائية الصنع" كما يقول المصدر المطلع على تجارة القطن بوزارة الزراعة.
ويوضح الأخير "من المتوقع استيعاب 45 ألف طن من إجمالي الإنتاجية المحلية العام الحالي، وهذا بعد تشغيل مصنع 4 للغزل والنسيج في المحلة الكبرى، الذي يعمل بطاقة 17 طن غزل يومي، من إجمالي 85 ألف طن متوقع انتاجها هذا العام".
ويضيف "بعد أن يتم تشغيل مصنع 6 ومصنع 1 للغزل والنسيج في المحلة الكبرى بداية 2024، بجانب 6 مصانع أخرى عامة وخاصة منتصف العام المقبل في كفر الدوار ودمياط، سيتم استيعاب إنتاج 80 ألف طن من إنتاج مصر من القطن طويل التيلة".
تأثير طفرة الأسعار في المنتجات الأخرى
بينما يمثل الارتفاع الكبير في أسعار القطن حافزًا للعودة لزراعة هذا المحصول الذي تعد مصر من الدول القليلة القادرة على إنتاج الأصناف طويلة التيلة منه بجودة عالية، لكن قد يكون لعودة القطن تأثير سلبي على المنتجات الأخرى.
ويقول نقيب الفلاحين، حسين عبد الرحمن "قد يأتي التوسع المتوقع في زراعة القطن على حساب محاصيل استراتيجية هامة مثل الذرة أو فول الصويا".
ويحذر المصدر بوزارة الزراعة أيضًا من نفس الأمر "الذرة وفول الصويا مهمة لمصر للغاية في الوقت الراهن، لسد الفجوة الموجودة في السوق المحلية من الأعلاف، والتي تضطرنا للاستيراد بالعملة الصعبة". وهو ما يتطلب تدخل الدولة برؤية ستراتيجية لا تجور على حقوق مزارعي القطن وفي نفس الوقت لا تضر بالوضع الغذائي في البلاد.