مع الإعلان الرسمي عن افتتاح شركة أمازون الأمريكية أعمالها في مصر خلال 2021، سارع وليد توفيق* بإرسال سيرته الذاتية إلى موقع الشركة، لاقتناص فرصة العمل في كيان عالمي يؤمن له دخلًا مريحًا يعينه على تلبية احتياجات أسرته الصغيرة.
وبالفعل تم تعيين توفيق على راتب مجز، بالنسبة لتطلعاته الشخصية، لكنه أدرك بعد شهور معدودة أن انتقال للسكن بجوار العمل الجديد جعل تكاليف المعيشة ترتفع بشكل لافت لتلتهم النسبة الأكبر من الأجر الجديد، كما أن طبيعة العمل نفسه تنطوي على ضغوط صحية ونفسية. ومع الوقت، بدأ يرى الصورة قاتمة على أرض الواقع، بعيدًا عن بريق الاسم العالمي للشركة**.
من المنوفية إلى القاهرة الجديدة
كان توفيق، الذي أتم الثلاثين قبل أشهر، يعمل بوظيفة في قطاع خدمة العملاء بإحدى الشركات العاملة في مجال الشحن الإلكتروني بنظام التعهيد، وبمجرد اطلاعه على أخبار تفيد بتحول شركة سوق دوت كوم الناشطة في قطاع التجارة الإلكترونية إلى أمازون مصر، جذبه الاسم العالمي للشركة فتقدم على الفور للالتحاق بوظيفة بقطاع خدمة العملاء، خصوصًا أنه يجيد أكثر من لغة أجنبية، من بينها الألمانية.
جذبت الشركة خلال الأشهر التي تلت إعلان بدء عملها الرسمي في مصر مئات الموظفين والعاملين في قطاعات إدارية وفنية مختلفة، مع طموحات أمازون بالتوسع في السوق المصرية والوصول إلى أكبر شريحة من العملاء، إذ أعلن مسؤولوها بالقاهرة عن إتاحة ثلاثة آلاف وظيفة جديدة بمختلف قطاعاتها التشغيلية، بالإضافة إلى استمرار الأطقم القديمة التي أبقت عليها الشركة بعد استحواذها على سوق دوت كوم في 2017.
في الشهر الثالث من دخول الشركة للسوق المصري، تسلم توفيق عمله بمقر أمازون الإداري في كايرو فستيفال بالتجمع الخامس، براتب 12 ألف جنيه. بهذا الراتب ظن توفيق أنه خطا خطوة كبيرة في حياته العملية، بعدما كان يتقاضى نصف ذلك المبلغ في شركته السابقة، مع اختلاف طبيعة العمل في أمازون من حيث إلزامية الحضور.
لكن إحساسه بالتفاؤل تراجع بمرور الوقت عندما وجد أن نمط حياته مع الوظيفة الجديدة يفرض عليه نفقات تحد من قدرته على الادخار، خاصة ما يتعلق بمصاريف استئجاره لشقة في شرق القاهرة بجوار موقع العمل، بينما كان في السابق يقيم مع أسرته بالمنوفية.
"الراتب مميز بالنسبة للسوق، الشركة تقدم مزايا كبيرة للموظفين من حيث التأمين الاجتماعي والصحي، لكن مع زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه والغلاء، الراتب مبقاش كبير" يتحدث توفيق للمنصة بعد قرابة عام من عمله في أمازون مصر.
شهدَ عام 2022 والأيام الأولى من العام الحالي ثلاثة تخفيضات قوية للعملة المحلية ليزيد سعر الصرف الرسمي الدولار الأمريكي من نحو 15 جنيهًا في بداية 2022، إلى ما يفوق 24 جنيهًا، واستهلت أسواق الصرف العام الجديد بانخفاضات جديدة للجنيه حتى بلغ سعر الدولار نحو 30 جنيها.
ومع تصاعد مطالبات توفيق وزملائه بتحسين أجورهم تماشيًا مع ارتفاع معدلات التضخم، أقدمت الإدارة على زيادة الأجور لكن بنسب ضئيلة لاتتماشى مع تكاليف المعيشة، على حد قول العامل المغترب الذي يضطر للسفر إلى المنوفية كل إسبوع لقضاء الإجازة مع زوجته وابنتيه.
يشكو توفيق أيضًا مما يعانيه العاملون بقطاع خدمة العملاء من تأثير هذه الوظيفة على صحة وسلامة السمع، وهي شكاوى تتفاعل معها الشركة أحيانًا وتتجاهلها في أحايين أخرى، على حد قوله.
"من يتعب ولا يقدر على وضع السماعة يحصل على راحة من المكالمات ويتسلم الردود على طلبات العملاء عبر شات الموقع، ثم تجبره الشركة على العودة بعد يومين إلى عمله بالسماعة مرة أخرى".
أفضل من غيرها
لمحمد عمر* تاريخ أطول في علاقته بالشركة، حيث انضم قبل 6 سنوات إلى سوق دوت كوم، قبل أن تتحول إلى أمازون، انخرط خلال تلك المدة في أكثر من قسم خاص بعمليات بيع وتسويق المنتجات، إلى أن بات أحد المسؤولين في قسم الاتصال.
انتقال الإدارة من سوق دوت كوم إلى أمازون في العام 2017، لم يشكل قلقًا كبيرًا لعمر، لاكتسابه خبرة طويلة بالعمل في أقسام مختلفة بمنصة التجارة الإلكترونية الأشهر في الشرق الأوسط، أهلته لاستكمال المسيرة مع الإدارة الجديدة دون تغيير كبير في العلاقة التعاقدية، بل قفز راتبه بنسب ثابتة خلال الأعوام الماضية.
انطلقت سوق دوت كوم في العام 2005 من دبي، كموقع صغير للمزادات، تطور لاحقًا لموقع يربط البائعين والمشترين، قبل أن يتحول لموقع متكامل للبيع بالتجزئة، وتتوسع أنشطته بأسواق السعودية ومصر والإمارات.
خلال تلك السنوات، ارتفعت القيمة السوقية للشركة لتصل إلى مليار دولار، بعرضها قرابة 40 مليون منتج في مواقعها بالمنطقة العربية، ما جذب اهتمام أمازون للاستحواذ عليها بهدف التوسع بإفريقيا والشرق الأوسط.
يشعر عمر بفارق التجربة مع أمازون العالمية "العمل في أمازون يختلف عن سوق دوت كوم من حيث الإمكانيات التقنية العالية والبرامج التي أضافتها الإدارة الجديدة، ما زود من قدراتنا على الإنتاج. ورغم الضغوط الشديدة التي نتعرض لها من أجل الوصول لدرجة عالية من الاحترافية إلا أننا نحظي بمزايا كثيرة وأجواء مهيئة ومحفزة للعمل".
ما يؤشر إلى اهتمام أمازون بفريق الاتصال، افتتاحها مركزًا كبيرًا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لخدمة العملاء، يوفر 1600 فرصة عمل بأقسام خدمة العملاء وتحليل البيانات والجودة والتدريب، في إطار توسعاتها لتغطية احتياجات عملائها بالمنطقة العربية، إلى جانب الأسواق الأجنبية الجديدة مثل ألمانيا وأستراليا التي انضمت لمهام الفريق.
لكن أجور العاملين تبدو متواضعة أمام تكاليف المعيشة الراهنة؛ يوضح عمر أن رواتب قسم الاتصال العربي بالشركة المعنيين باستلام الطلبات والرد على شكاوى عملائهم تتراوح بين 4 و6 آلاف جنيه، فيما تتراوح رواتب الاتصال الأجنبي بين 10 و 15 ألف جنيه.
وكان رئيس الجمهورية اعتبر في تصريحات له هذا العام أن "أقل من 10 آلاف جنيه لأي حد بيشتغل ميقدرش يعيش"، لذا توفر أجور أمازون في أفضل أحوالها بالكاد نفقات المعيشة الأساسية للطبقة الوسطى.
لكن ما يُشعر عمر بأن أجور أمازون مميزة هو كونها تتفوق على مستويات الأجور المعروضة من الكثير من الشركات الأخرى، على حد قوله، إلى جانب ما توفره الشركة من مزايا.
"الشركة تؤمن علينا بأعلى قيمة تأمينية حسب الرواتب، وتتيح لنا ضم أسرنا بكامل أفرادها إلى التأمين الصحي، وهو ما يميز الشركة عن أي مكان آخر عملنا به" يواصل عمر.
أجور الأيادي الخشنة
لكن الصورة لا تبدو بذات المثالية في وظائف أخرى تركز على العمل البدني، مثل وظائف التعبئة والتغليف التي تضم مئات العمال بمستودع الشركة بمنطقة العاشر من رمضان، الذي تبلغ سعته التخزينية أكثر من 2.4 مليون قدم مكعب، إذ لا تزيد رواتب تلك الشريحة عن 4 آلاف جنيه نظير عمل 22 يومًا في الشهر، بمعدل 10 ساعات يوميًا يتخللها ساعة للراحة.
وحدد جهاز الإحصاء الرسمي في مصر ما يحتاجه الفرد من نفقات شهرية لكي يكون فوق خط الفقر بقيمة 857 جنيهًا، وذلك في 2020، ولم يتم تحديث ذلك الرقم بناء على معدلات التضخم بالغة الارتفاع التي شهدتها البلاد منذ 2020 وحتى الآن.
مع افتتاح مستودع العاشر من رمضان، اجتذبت الشركة عمالًا كثر ممن يقطنون المدينة الصناعية وأطرافها التي يبلغ عدد المصانع المُنتجة بها بحسب تصريحات وزير الإسكان عاصم الجزار 2997 مصنعًا، بخلاف 13 مجمعًا صناعيًا صغيرا تضم 2522 وحدة صناعية.
أحمد عبد التواب*، أحد عمال التخزين الذين التحقوا بالشركة خلال العام الجاري، يتقاضى راتب 3450 جنيه وهو راتب عمال الوردية المسائية، بينما لا يزيد راتب الوردية الصباحية عن 3 آلاف جنيه، ويزيد الأجر ببضعة مئات من الجنيهات مع العمل في أيام العطلات الأسبوعية.
ويذكر أحد موظفي مكاتب التوظيف بالعاشر من رمضان، للمنصة أن شركة أمازون أتاحت منذ تدشين المستودع الخاص بها الكثير من فرص العمل للقاطنين بالعاشر من رمضان في قطاع التغليف والتخزين برواتب تتراوح بين 3 إلى 4 آلاف جنيه، بعقود تأمين، مشيرًا إلى أن الشركة توفر شققًا لعمالها المغتربين من خارج نطاق العاشر من رمضان وبلبيس والشرقية.
يضطر عبد التواب، وهو أب لطفلين، إلى التضحية بعطلاته الأسبوعية لتحصيل ما يقرب من 5 آلاف شهريًا، حتى يستطيع الوفاء بالتزاماته الأسرية "الراتب الأساسي ضعيف للغاية لا يكفي مصاريف الأكل والشرب وفواتير الكهرباء، علشان كده ساعات بشتغل 6 أيام في الأسبوع وأحيانًا 7 لو حالتي تسمح".
حصل عبد التواب على وظيفته بأمازون من خلال أحد مكاتب التوظيف بالعاشر من رمضان، ولم يتردد كثيرًا في قبولها رغم تدني أجور عمال التخزين، لحاجته إلى العمل بعد فترة بطالة دامت 3 أشهر.
مع وصول معدل التضخم في المدن المصرية في شهر نوفمبر/ تشرين الأول الماضي 18.7% وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر/ كانون الأول 2017، لم يعد رونق العلامة التجارية لأمازون يُشعر العاملين بالراحة، دون زيادة رواتب تستوعب ارتفاع الأسعار.
* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر
** تم إجراء المقابلات مع العاملين خلال نوفمبر 2022
العولمة في سيارتي الخاصة
أحمد البرديني_
البعض انجذب لأوبر لأنها تشعره بأنه صاحب عمل وليس موظف، لكن هذه الحرية ينقصها الأمان الذي توفره الوظائف التقليدية. وحصلت الشركة على 1 من 10 في دراسة لاقتصاد البلاتفورم في مصر.
أمازون.. أجور مصرية ونظام عمل أمريكاني
أحمد البرديني_
الأجور لا تساير الأسعار من وجهة نظر عاملون في أمازون، وتبدو الرواتب منخفضة في الوظائف التي تتطلب عملا بدنيا، كما يشكو البعض من تأثير وظائف على صحة وسلامة السمع