تصميم: يوسف أيمن- المنصة

العولمة في سيارتي الخاصة 

منشور الأحد 15 يناير 2023

رامي آدم، سائق طموح يصل الليل بالنهار من أجل جمع أكبر دخل ممكن، تنقل خلال السنوات الماضية بين العديد من الأسماء العالمية التي تتنافس حاليًا على سوق النقل التشاركي في مصر، وخلال تلك الرحلة كان أكبر دخل استطاع أن يصل إليه هو 500 جنيه في اليوم، لكن دخله لم يستقر على حد ثابت أبدًا كما أن التضخم كان يُشعره دائمًا بأن ما تأتي به الرياح يأخذه الغلاء. 

كعب داير

في عام 2014 بدأ ظهور النقل التشاركي في مصر، وكانت أوبر من أولى الكيانات العاملة في ذلك المجال، وهي شركة دولية أسسها الأمريكي ترافيس كالانيك في 2009. ثم تنافست معها بقوة شركة "كريم" التي تأسست في دبي، وقننت مصر وجودهما في السوق من خلال تشريع صدر في 2018.

وفي 2019 استحوذت أوبر على كريم، في صفقة مليارية ضخمة، لكن ذلك لم يعن أن الشركة الأمريكية أصبحت تنفرد بالسوق المصري، الذي صار يعج بالعديد من تطبيقات النقل الذكية التي يقف ورائها استثمارات ضخمة لشركات متعددة الجنسيات. دخلت الصين على خط المنافسة عن طريق "ديدي" وكذلك روسيا عن طريق "إن درايف"، بجانب تطبيقات أخرى مثل "وينجو" و"بينك تاكسي" و"أسطى"، كما خرجت العديد من التطبيقات من السوق لصعوبة المنافسة.

قضى آدم قرابة الست سنوات كسائق في أوبر، وهي الفترة التي شهدت عملًا دؤوبًا منه لتدبير سعر السيارة وتأسيس منزله الجديد، حيث اقترض مبلغًا كبيرًا إلى جانب ما جمعه من وظيفته السابقة في شركة راية، وهي مركز خدمة متعدد العلامات التجارية للموبايلات في مصر، من أجل شراء سيارة ماركة BYD. 

"كنت بشتغل ليل نهار وأحيانًا أنام في عربيتي علشان أدبر أقساطها وأوفر هامش ربح، كنت بعدّي الـ15 رحلة في اليوم، يعني كنت بجمع 500 جنيه في اليوم الواحد قبل خصم عمولة الشركة"، يتحدث آدم للمنصة.

وكانت وكالة رويترز ذكرت قبل سنوات أن أوبر تعتبر مصر واحدة من أكبر عشر أسواق لها على مستوى العالم، بالنظر إلى الكثافة السكانية المرتفعة. وذكرت الشركة في تصريحات لأحد مسؤوليها ذلك العام أنها ساهمت في خلق نحو 700 ألف فرصة عمل

في عام 2017 اتجهت أوبر، بحسب تقديرات سائقين عملوا بها، إلى زيادة العمولة التي تستقطعها من أجرة الركوب وتخفيض قيمة الحوافز للسائقين عن عدد الرحلات التي يقومون بها أسبوعيًا، ما أدى لخفض عائد آدم اليومي إلى أقل من 300 جنيه.

تلعب نسبة الرسوم والعمولات دورًا كبيرًا في توجيه السائقين من تطبيق إلى آخر

الحصيلة الشهرية لآدم، بفرض أنه يعمل 25 يومًا في الشهر، لا تتجاوز الـ 7500 جنيه، تُخصم منها مصروفات البنزين وصيانة السيارة، لينتهي الأمر بمبلغ متواضع يكفي بالكاد مسؤولياته الشخصية، حيث يرعى أسرة مكوَّنة من ثلاثة أفراد.

في ذلك السياق قرر آدم أن يستفيد من منافسة الشركات الدولية الكبرى، وأن يبحث عن فرصة عمل مع شركة نقل تشاركي تفرض عمولة أقل.

تلعب نسبة الرسوم والعمولات دورًا كبيرًا في توجيه السائقين من تطبيق إلى آخر، وهي بحسب تقارير تصل إلى 25% في بعض الحالات، ولأن إن درايف تحصل على العمولة الأقل بين منافسيها، بحسب آدم، قرر الانتقال للعمل لديها.

ولا يتعلق الأمر بالعمولة فقط، ولكن شكوى آدم من أوبر تضمنت أيضًا ما تضعه من حدود لسقف لطموحه المالي، فهي تفرض على السائق ألا يعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، بينما أتاحت له "إن درايف" العمل 24 ساعة.

ومنذ التحاق آدم بـ إن درايف سنة 2020 أصبح يعمل بها نحو 10 ساعات ويجني خلالها دخلًا يزيد عن الـ400 جنيه في اليوم في بعض الأحيان، ويجمع مع دخله من إن درايف عملًا صباحيًا إضافيًا ينقل خلاله طلبة المدارس في نطاق حي مدينة نصر، وبذلك يصل دخله الإجمالي إلى 10 آلاف جنيه شهريًا.

رغم عمله لساعات طويلة بلا راحة، تلتهم الزيادات المتسارعة لأسعار السلع والخدمات ما يجنيه آدم "لا أدخر حاليًا، قبل أشهر كنت أستطيع، ولكن الآن أعيش بالكاد لتوفير احتياجات بيتي، ويستهلك هذا كا ما أملكه من طاقة". 

وشهدت معدلات التضخم في مصر ارتفاعًا متسارعًا خلال 2022، مع انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع عالميًا بشكل ملحوظ.

أحب عيشة الحرية

يمثل آدم حالة استثنائية من حيث القدرة على العمل المتواصل لمدة تتجاوز أحيانًا الـ14 ساعة، بينما يميل آخرون لقضاء ساعات أقل في السيارة وتمضية باقي أوقاتهم في حياة طبيعية بعيدًا عن ضغوط العمل. لكن ذلك ينعكس بطبيعة الحال على مستوى الدخل في نهاية الشهر، بتعبير آخر فإن ثمن المال الذي يجنيه السائق يكون على حساب حياته الخاصة.

"بعد فشلي في الالتحاق بوظيفة تناسب سني وطاقتي قررت مستناش كتير، وأبدأ خطوة ساعدت كتير من أصدقائي في تحسين حياتهم، ومعظمهم فوق الثلاثين"، يقول محمد محيي الدين، وهو يشرح أسباب التحاقه بالعمل مع أوبر منذ ثلاثة أشهر.

تنقل محيى الدين خلال السنوات العشر الماضية بين مهن لا تربطها صلة، عمل لفترة كمحاسب، وأخرى في مجال النقل السياحي، كما امتهن الصحافة وكتابة النصوص الأدبية لبضع سنوات.

يصنف محيي الدين نفسه ضمن الفئة الكسولة التي لا تزيد عدد رحلاتها اليومية عن 5 رحلات، لا يجني منها أكثر من مئتي جنيه في اليوم. وما يساعده على رفاهية الكسل هو أنه لم يتزوج حتى الآن رغم بلوغه الـ35، حيث يعيش في منزل الأسرة في حي عابدين بالقاهرة، وتقتصر مسؤولياته على نفقاته الشخصية. كما أنه مالك السيارة وبالتالي لا يشاركه أحد في دخلها "وضعي يختلف عن أصحاب المسؤوليات، فأنا لا أعول زوجة وأبناء ولا أخطط للزواج من الأساس، على الأقل في الوقت الحالي".  

جاذبية العمل الحر 

البعض انجذب لأوبر لأنها تشعره بأنه صاحب عمل وليس موظف، لكن هذه الحرية ينقصها الأمان الاجتماعي الذي توفره الوظائف التقليدية.

في عام 2016 اشترى محمد إمام سيارة بنظام التقسيط، وكان يعمل وقتها في ورشة سيارات، وهو مجاله المفضل الذي لا يمت بصلة لدراسته الجامعية في السياحة والفنادق.

خلال ذلك العام ضم إمام سيارته لأسطول أوبر، وأصبح يجمع بين وظيفتي العمل في الورشة صباحًا والسواقة الذكية مساء. كان الأمر مرهقًا لكنه بدا ممتعًا له بالنظر إلى أنه من محبي الانطلاق والعمل الحر.

في عام 2020 حانت لإمام فرصة العمل في وظيفة أكثر استقرارًا، وهي الإشراف على قسم الصيانة في شركة لإنتاج الأسمدة الزراعية، استقر فيها لبضعة أشهر ثم استقال منها لعدم ارتياحه لطريقة إدارة الشركة، وعاد مجددًا إلى أوبر.

"أشعر بالراحة في أوبر، الشركة لم تغلق حسابي ولا مرة، ولم يشكو مني أي عميل من قبل، كما أنني أجمع حاليًا قرابة الـ250 جنيهًا في اليوم الواحد، وهو دخل أفضل من الوظيفة".

لكن أوبر  لا توفر الأمان الاجتماعي، فإمام لا يتمتع حتى الآن بأي نوع من التأمينات الاجتماعية، وكل ما يربطه بالشركة هو التطبيق الموجود على موبايله وموافقته على شروط الانضمام، كما أن دخله لا يتسم بالثبات، لذا يصف نفسه بأنه واحد من "الأرزقية"، أي عمال اليومية في القطاع غير الرسمي.

وعلى الرغم من أن دخله يفوق راتب الوظيفة المكتبية، فإنه يبدو محدودًا للغاية أمام مسؤولياته، حيث يرعى أسرة مكونة من ثلاثة أبناء، أكبرهم فتاة في مرحلة الإعدادية.

"حتى لو بلغ دخلي الشهري 7500 في حالة عملي كل يوم بلا أي أيام راحة، هذا الراتب كان مميزًا قبل موجات التعويم لكن الآن لا يكفي احتياجاتي. لذا تظل حياتي مهددة والوفاء بالتزاماتنا على المحك" يختم إمام.

تقول الباحثة فرح غزال للمنصة إن غالبية المنصات الناشطة في مجال النقل والخدمات، ولا سيما أوبر الأمريكية، لا تُبرم عقودًا مع سائقيها، لأنها لا تقدم نفسها كرب عمل بل مجرد وسيط بين السائق والعميل، لذا لا تقدم الحماية الاجتماعية الكافية من تأمينات اجتماعية أو صحية.

وتضيف غزال، التي شاركت في دراسة لمؤسسة Fair Work عن اقتصاد البلاتفورم في مصر "وفقًا لدراستنا لم توفر بعض المنصات الحد الأدنى للأجور بعد خصم تكاليف العمل التي يتحملها السائقين، كما لم تتكفل الشركات بأي تأمين اجتماعي أو صحي، لكنها لا زالت جاذبة، لأنها تمتلك رصيدًا الآن بحكم موقعها في السوق المصري، إلى جانب تقديم تلك الشركات حوافز لسائقيها في سنواتها الأولى ما رسخ حضورها عند تلك الشريحة".

وبحسب دراسة Fair Work المشار إليها، تمت مقارنة ظروف العمل بين 7 بلاتفورم تعمل في مصر في مجالات مختلفة، أوبر من بينها، وحصلت الشركة الأمريكية على درجة 1 من عشرة، وشملت معايير التقييم الأجر العادل وظروف العمل العادلة والتعاقدات العادلة والإدارة العادلة وتمكين العاملين من تمثيل مطالبهم.

تعكس تقييمات ظروف العمل مع أوبر طبيعة التحديات التي يفرضها اقتصاد البلاتفورم، فبقدر ما ساهمت التكنولوجيا في فتح الباب للعديد من الاستثمارات الأجنبية للدخول إلى مصر، لا تزال هناك حاجة قوية للنظر إلى أحوال العمالة لدى هذه الشركات.

هذه القصة من ملف  أن تعمل لدى "بلاتفورم"


العولمة في سيارتي الخاصة 

أحمد البرديني_  البعض انجذب لأوبر لأنها تشعره بأنه صاحب عمل وليس موظف، لكن هذه الحرية ينقصها الأمان الذي توفره الوظائف التقليدية. وحصلت الشركة على 1 من 10 في دراسة لاقتصاد البلاتفورم في مصر.

أمازون.. أجور مصرية ونظام عمل أمريكاني

أحمد البرديني_  الأجور لا تساير الأسعار من وجهة نظر عاملون في أمازون، وتبدو الرواتب منخفضة في الوظائف التي تتطلب عملا بدنيا، كما يشكو البعض من تأثير وظائف على صحة وسلامة السمع