خلال اليومين الماضيين، أثارت موافقة البرلمان على مشروع قانون يسمح ببيع وتأجير بعض الأصول المملوكة لهيئة قناة السويس، صخبًا كبيرًا على المستويين الشعبي والسياسي، مع تصاعد المخاوف بأن يمهّد ذلك القانون التفريط في إدارة الممر الملاحي الأهم، لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، لكنَّ مصدرًا من المشاركين في صياغة مشروع ذلك القانون، قال للمنصة إن أسبابًا أخرى تقف وراء إقراره، أبرزها الخلاف مع وزارة المالية على مخصصات الهيئة.
ووافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة، أول من أمس الاثنين، على مشروع قانون مقدم من الحكومة يستهدف إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس، لزيادة قدرتها على "المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة" لمرافقها، من خلال "شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها"، الأمر الذي قوبل برفض واسع من الأحزاب المعارضة وبعض النواب الذين اتهموا الحكومة بالتخطيط لبيع القناة أو تأجيرها لشركة أجنبية، ما اضطر رئيس البرلمان ومجلس الوزراء للرد رسميًا بنفي ذلك الأمر.
ورغم التأكيدات التي خرجت من السلطتين التشريعية والتنفيذية، أمس، فإنها لم تتطرق إلى الأسباب الرئيسة التي دفعت الحكومة لتقدّم ذلك التعديل التشريعي لقانون الهيئة، واكتفت كلتاهما بالتأكيد على ضرورته لتنمية القناة، قبل أن يتحدث مصدر داخل الهيئة، للمنصة مفصحًا عن نزاع مستمر بين الهيئة ووزير المالية على الإدارة المالية لمخصصات القناة ومواردها، تفاقم منذ أزمة جنوح السفينة إيفرجيفن في الممر الملاحي للقناة في مارس/ آذار من العام الماضي.
وقال المصدر المشارك في صياغة التعديل، إن الشؤون القانونية بهيئة القناة هي من قامت بإعداده دون تدخل من أية هيئات أو أجهزة أخرى بالدولة، بعد ما واجهته من "إجراءات مرهقة" من قبل وزارة المالية في صرف الاعتمادات المالية اللازمة للتعامل مع أزمة جنوح سفينة إيفرجيفن، وقد لقي ترحيبًا من رئيس الجمهورية.
في 23 مارس 2021، شحطت سفينة إيفرجيفن في الممر الملاحي لقناة السويس، واستغرق تعويمها 6 أيام كاملة، وهي مدة طويلة بالنظر إلى صيرورة المرور في القناة.
وأكد المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن "الهيئة كانت في حاجة لشراء وتأجير كراكات جديدة لحل أزمة السفينة الجانحة، ومنها كراكة هولندية، ووجدت صعوبة بالغة في صرف الاعتمادات اللازمة لذلك".
واقترح الصندوق منذ البداية كمشروع قانون مستقل، ووافق مجلس الوزراء عليه في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي "لكن المناقشات حوله مع قطاع التشريع بوزارتي العدل وشؤون مجلس النواب، انتهت إلى أن يتم إنشاء الصندوق بتعديلات تتم على قانون الهيئة، من منطلق أنه ما دام هناك قانون مستقل لها فما الداعي لإصدار قانون جديد"، حسب المصدر الذي أوضح أن الحكومة انتهت إلى إصداره في شكل تعديلات في يوليو/ تموز الماضي، مع زيادة رأس مال الصندوق من 10 مليارات جنيه في القانون المستقل إلى 100 مليار جنيه.
وتتيح ميزانية هيئة قناة السويس فوائض وإيرادات يمكن استثمارها واستغلالها في مشاريع كثيرة، وفق المصدر الذي لفت إلى أن الهيئة تعاني صعوبات كثيرة في استثمار تلك الفوائض في ظل الوضع القانوني الحالي، الذي تفرض فيه وزارة المالية على هيئة قناة السويس توريد إيراداتها للخزانة العامة للدولة أولًا بأول.
وأضاف المصدر أنه وفقًا لقانون المالية العامة الموحد، تُلزم وزارة المالية الهيئات العامة ومن بينها هيئة قناة السويس بعدم الاحتفاظ بفوائض ميزانياتها السنوية، علمًا بأن الهيئة تحقق فائضًا مرتفعًا من قيمة نسبتها المقررة من الإيرادات وتضطر لرده لوزارة المالية ومخاطبتها حال الحاجة للإنفاق منه.
وفي فبراير/ شباط من العام الجاري صدر قانونا المالية العامة الموحد والتخطيط العام للدولة، اللذان تضمنا آليات وإجراءات أكثر صعوبة لصرف الاعتمادات المالية لمواجهة الظروف الاقتصادية الطارئة، ما زاد من تعقيد الوضع بالنسبة للهيئة التي عانت –حسب المصدر- في تعاملاتها مع وزارة المالية بشأن صرف أية اعتمادات تستلزمها الأمور الطارئة أو مشروعات التوسعة التي تجريها.
ويهدف قانون المالية العامة الموحد إلى دمج قانون الموازنة العامة للدولة وقانون المحاسبة الحكومية في قانون واحد، ويفرض متطلبات جديدة على الحكومة لضمان الانضباط المالي، بما في ذلك حدود إنفاق كل وزارة، فيما يحدد قانون التخطيط الموحد كيفية تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في مستوى محافظات الجمهورية.
بيع القناة
يستهدف التعديل الذي تقترحه الحكومة تمكين الهيئة من تأسيس شركة استثمارية جديدة تابعة لها، يكون لها الحق في التصرف في أصولها، وذلك لا يعد أمرًا جديدًا بحسب المصدر الذي أكد أن التعديلات السابقة التي أدخلت على قانون الهيئة عام 1963 تجيز لها تأسيس شركات سواء بمفردها أو بالشراكة مع الغير "الهيئة لديها 9 شركات في السويس وإسماعيلية وبورسعيد وأسوان والإسكندرية بالفعل، فضلًا عن تملكها لأسهم في بنك قناة السويس، وتملكها حصة في بنك مصر، ومن ثم فالاستثمارات التي سيقوم عليها ذلك الصندوق لن تخرج عن تلك المجالات".
ويوضح المصدر أن الأصول المملوكة فعليًا للهيئة نوعان؛ أولهما الشركات التسعة التي تتملكها والثاني بعض الأراضي في الإسماعيلية وبورسعيد والسويس وسيناء
ما يشرحه المصدر ليس ما يثير المخاوف تجاه إقرار التعديل الجديد، ولكن ما تتضمنه الماد 15 منه، التي تتيح للصندوق الحق في استغلال بعض أصول الهيئة والتصرف فيها سواء بالبيع والإيجار، وهو الخوف الذي أيده الفريق مهاب مميش مستشار رئيس الجمهورية للمواني والرئيس السابق لهيئة قناة السويس، والذي من المفترض به الاطلاع على التفاصيل الخاصة بذلك الملف، حيث قال في تصريحات للمصري اليوم، أمس، إنه "يفتح الباب لسابقة لم تحدث من سنوات طويلة، وهي وجود أجانب في إدارة قناة السويس" مطالبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم التوقيع عليه بالموافقة، وذلك قبل أن تقوم الصحيفة بحذف تصريحاته دون أن تقدم سببًا واضحًا.
المصدر الذي تحدث للمنصة، أكد أن الأصول المشار إليها في ذلك النص لا علاقة لها بالمجرى الملاحي لقناة السويس، لأنه "أموال عامة لا يجوز التصرف فيها بأي شكل من الأشكال"، مضيفًا "فضلًا عن الحماية التي يقرها الدستور للمجرى الملاحي بموجب المادة 43 منه، التي تحظر المساس بالقناة، فإن مصر ملتزمة بموجب اتفاقيات دولية بطريقة إدارة معينة لذلك المجرى لا تجيز لها من الأساس فكرة بيعه أو تأجيره، وبالتالي فإن المجرى الملاحي لا يمكن اختزاله في فكرة أنه أصل من الأصول المملوكة للهيئة".
وتلزم المادة 43 من الدستور المصري الدولة "بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممرًا مائيًا دوليًا مملوكًا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزًا اقتصاديًا متميزًا".
ويوضح المصدر أن الأصول المقصودة في مشروع القانون، والمملوكة فعليًا للهيئة "تنقسم إلى نوعين أولهما الشركات التسعة التي تتملكها، والتي أُعلن فعليًا عن اتجاه الدولة مؤخرًا لطرح بعضها للتداول في البورصة ضمن خطة الحكومة للتخارج من القطاع العام المعلنة بموجب وثيق سياسة ملكية الدولة".
أما النوع الثاني فعلى هيئة أراضٍ تمتلكها الهيئة في محافظات الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، وشبه جزيرة سيناء، حيث تُقيد القوانين السارية من قدرة الهيئة على استغلالها أو الاستثمار فيها، في حين أنها تتلقى عروضًا من شركات أجنبية لإقامة مشروعات صناعية واستثمارية عليها، وتجد صعوبة في قبول تلك العروض، حسب المصدر، الذي قارب ما بين فكرة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس وقانون صندوق مصر السيادي، "ففكرتهما واحدة".
في حالة صندوق مصر السيادي، يقول المصدر، "ارتأت الدولة أن لديها أصول عبارة عن عقارات وأراضي ترغب في استغلالها، وتعيق القوانين السارية تلك الرغبة وتعطلها، ومن ثم لجأت لإنشائه [الصندوق] ليتيح لها سهولة الاستثمار فيها، وبنفس المنطق تتعامل هيئة قناة السويس مع إنشاء صندوقها بحيث يتم من خلاله استثمار مستحقاتها من إيرادات القناة بالإضافة إلى الموارد التي ستخصصها الدولة لها والعائد من استثمار الأصول المشار إليها سواء كانت الشركات أو الأراضي.
وأكد المصدر أن مشروع القانون المقدم من الهيئة كان ينظم الصندوق بوصفه تابعًا لـ"مرفق قناة السويس"، لكنَّ مجلس النواب تحسبًا للخلط ما بين المجرى الملاحي للقناة والأصول المستهدف الاستثمار فيها، ارتأى استبدال "هيئة قناة السويس" بـ "مرفق قناة السويس" في صياغته حتى يزال أي لبس متوقع حدوثه.
وتساءل المصدر مستغربًا "كيف للدولة أن تفكر في التفريط في المجرى الملاحي لقناة السويس؟ وهو يمثل مصدرًا رئيسيًا وهامًا في تمويل الموازنة العامة بالنقد الأجنبي، بالإضافة إلى أنه يحقق مكاسب سنوية وفيرة، وبالتالي فعلى سبيل الفرض الجدلي ما الذي يجبر الدولة على بيع قطاع يحقق أرباحًا مستقرة؟".
ويتوقع أن تشهد إيرادات قناة السويس خلال 2022، نموًا بنسبة 23.8%، محققة ما قيمته 7.8 مليار دولار، بحسب صحيفة إيكونومي بلس المتخصصة في الشأن الاقتصادي.
هل يؤثر الصندوق على موازنة الدولة؟
تثير تلك التصريحات علامة استفهام حول مآل إيرادات القناة التي كانت تذهب إلى الميزانية العامة للدولة، والتي تمثل إيرادات القناة نسبة لا تقل عن 10% منها بحسب موقع موازنة المواطن التابع لوزارة المالية، إذا كان الصندوق هدفه الاستفادة من إيرادات القناة في أعمال الهيئة ومشاريعها، لكن المصدر يؤكد أن ما سيخصم من إيرادات الأخيرة لصالح الصندوق هو نسبة 1% المقرر لها سلفًا حسب القانون و"بالتالي فإيرادات الهيئة ستورد على النحو الذي يجري عليه العمل الآن إلى وزارة المالية بالعملة الأجنبية، فيما ستخصم القناة نسبتها المستحقة من الإيرادات للصندوق بالعملة المحلية".
وأشار المصدر إلى أن طبيعة المعاملة المالية بين هيئة قناة السويس من جهة ووزارة المالية من جهة أخرى، كانت تتم خلال الفترة السابقة لتولي الوزير محمد معيط، على نحو أسهل من الطريقة الحالية، حين كانت الهيئة "تحتفظ بالإيرادات وتوردها للخزانة العامة بصورة سنوية، غير أن معيط لم يرتضِ هذه الطريقة وطلب من الهيئة توريد إيراداتها للوزارة أولًا بأول وبصورة يومية، ومن هنا جاءت فكرة تعثر الهيئة في الإنفاق على ما تدشنه من مشروعات أو ما يطرأ على سير العمل فيها من طوارئ".
واختتم المصدر حديثه للمنصة، بتأكيده أن تلك "الطريقة تقيد سلطة الهيئة على الإنفاق على مشروعاتها أو مواجهة أية أزمات".