ما أكثر مسلسلات رمضان 2016! وما أكثر الممثلين الذين يؤدون أدوارًا رئيسية أو ثانوية في هذا الموسم الرمضاني! وبالتأكيد فالممثلون من عوامل الجذب الرئيسية للمسلسلات إذا كانوا نجومًا يلعبون أدوارًا رئيسية أو ضيوف شرف؛ والحيلة الأخيرة هي التي قام بها - كمثال – النجم طارق لطفي والمخرج أحمد مدحت في مسلسل "شهادة ميلاد"، حينما استعانوا بالممثل بيومي فؤاد (الذي يشارك في 9 مسلسلات في هذا الموسم الرمضاني) في أول حلقة من حلقات المسلسل والذي استطاع عبر مشهد واحد فقط (4 دقائق لا غير) أن يجذب المشاهدين للمسلسل ليدفعهم إلى الاستمرار في المشاهدة لعدة حلقات أخرى. وهنا نقدم تحليلًا لمشهدين رمضانيين من مسلسليّ "شهادة ميلاد" و"أفراح القبة"، لتوضيح فكرة الاعتماد على ممثل واحد لإنقاذ مسلسل من جهة، والاعتماد على البطولة الجماعية بجانب الاهتمام بكل العوامل الدرامية والفنية الأخرى لصنع مسلسل مميز من جهة أخرى.
منفردًا يخطف الأضواء
في الحلقة الأولى من مسلسل "شهادة ميلاد" يظهر بيومي فؤاد في دور تاجر سلاح يدعى حسين الغمري وهو يجلس على أريكة يأكل الكشري ويرتدي نظارة شمسية ويشاهد مباراة تذاع بالتلفزيون، بينما يدخل طارق لطفي الذي يؤدي دور ضابط علي مع قوة من الشرطة ليحيطوا به من كل جانب. المدهش في الأمر وفي أداء بيومي فؤاد أنه لم يبال بالفرقة التي اقتحمت المكان وحاصرته من كل ناحية، إذ لم يثنه ذلك عن استغراقه في مشاهدة المباراة والاستمتاع بأكلته المفضلة. أخيرَا يخلع بيومي فؤاد نظارته ويرحب بالحضور ثم يدخن بسيجارة وهو يوجه حديثه إلى طارق لطفي. وحينما ينتهي من كلامه ومن سيجارته يتناول مسدسه ويوجهه نحو رأسه ثم يطلق النار على نفسه.
في هذا المشهد البارع، استطاع بيومي فؤاد أن يسحب البساط من تحت قدميّ طارق لطفي بسهولة عبر الأداء والشخصية المكتوبة بحرفية. فمن ناحية الشخصية المكتوبة، يصعق حسين الغمري الضابط علي حينما يخبره أنه يعرف عنه كل شيء ويعرف أنه الضابط القادم للقبض عليه وأنه كان يعرف بالتحديد متى سيأتى وبالرغم من ذلك لم يهرب. ويحاصر الغمري الضابط الذي من المفترض أنه جاء ليحاصره حينما يقول له إنه يعرف أكثر من كل ذلك، إذ أنه يعرف ما يمكن أن يقلب حياته رأسًا على عقب، وهو ما سنعرفه مع الضابط علي رويدًا رويدًا في الحلقات الأخرى.
ومن ناحية الأداء يلخص هذا المشهد أداء بيومي فؤاد في كل أعماله الفنية، فبيومي فؤاد واحد من أكثر الممثلين ذوي الحضور أمام الكاميرا وذلك عبر عدة طرق يستخدمها دائمًا في أدائه التمثيلي، وهي الضحكة المصطنعة والعينان اللتان تنظران في اللا مكان ليعرف المشاهد أنه لا يبالي بأي شيء أو أي شخص، بالإضافة إلى الابتسامة التي تجعل حاجباه يهبطان مما يجعل عيناه تغمضان قليلًا فتبدوان حزينتين، مما يربك المشاهد الذي لا يستطيع تحديد إذا كان فؤاد سعيدًا أم حزينًا. في هذا المشهد يفهم المشاهد من فؤاد أنه يسخر من البطل، وهكذا نضحك على الشخصيات الأخرى عبر المفارقة التي تتمثل في المعرفة والجهل؛ معرفته ومعرفتنا وجهل البطل، وهي حيل يستخدمها بيومي فؤاد كتواطؤ مع المشاهد مما يجعلنا ندرك تمامًا أنه يمثل أنه يمثل.
وبالتأكيد كان من السهل على بيومي فؤاد في هذا المشهد أن يخطف الأضواء من طارق لطفي الذي يمثل بلا أي انفعالات حيث لا يغير تعبير وجهه أو جسمه فنشعر دائمًا أنه شخص بارد وجامد بلا أي مشاعر ، وهو ما نجده أيضا في صوته الذي يروي أحداث المسلسل والذي يعتبر صوتًا محايدًا لا نستطيع أن نستنبط منه هل هو سعيد أم حزين.. خائف أم مترصد.. يائس أم متفائل.. إلخ.
سيمفونية رمضان 2016
https://www.youtube.com/embed/_t8sWDi4V68يختلف الأمر تمامًا في مسلسل "أفراح القبة". فالتركيز هنا ليس على ممثل أو نجم معين على الرغم من أن المسلسل يشارك فيه نجوم كبار لهم جمهورهم كمنى زكي وجمال سليمان وإياد نصار وصبا مبارك، إلا أنهم يعملون جميعًا في تناغم من أجل صناعة عمل فني متميز.
وفي أحد المشاهد شديدة العذوبة رغم قسوتها في المسلسل، وهو مشهد قتل تحية عبده (منى زكي) ورضيعها، يتجلى الأداء الرائع لهؤلاء الممثلين عبر عدة مستويات سردية، وهي مستوى تحية وزوجها عباس؛ أي الواقع، ومستوى يوازي هذا الواقع/ الحادث عبر ممثلين على خشبة المسرح يمثلون مسرحية مأخوذة عن رواية "الطريق" لنجيب محفوظ - وهو نفسه كاتب الرواية المأخوذ عنها المسلسل - وبذلك فالمتفرج بداخل المسلسل يشاهد مسرحية توازي واقعًا بينما نحن كمشاهدين نشاهد مشاهدين يتابعون مسرحية توازي واقعًا/ حادثًا. وهو تركيب سردي بارع يربطه شخص واحد وهو عباس كرم يونس، الكاتب الذي يقتل زوجته في الواقع/ الحادث ويروي/ يلقن الممثلين حوار المسرحية في المشهد الموازي للواقع.
وفي هذا المشهد وفي المسلسل ككل يبدع كل ممثل في أدائه الحركي والصوتي، لا عبر تعبيرات الوجه فقط ولكن عبر كل جسمه وكل خلجة من خلجاته، إذ نرى ذلك عبر منى زكي ومحمد الشرنوبي وصبا مبارك وإياد نصار وأسامة أسعد الذين مثلوا شخصيات تختلف تمامًا عن شخصياتهم، فصنعوا لها حركة أثناء المشي وطبقة صوت للكلام وارتدوا أقنعة جديدة للتعبير عن أحاسيس شخصياتهم في المسلسل.
في هذا المشهد المركب، استطاع المخرج محمد ياسين أن ينقل للمشاهد كل الأفكار والمشاعر التي يريد توصيلها والتي كتبها السيناريست أيًا كان (أيًا كان لأنه يوجد جدل حتى الآن عن كاتب السيناريو، هل هو محمد أمين راضي أم نشوى زايد أم كلاهما معًا؟) عبر لغة الصورة والصوت معًا وليس لغة التمثيل فقط مثلما قام المخرج أحمد مدحت مع بيومي فؤاد كما ذكرنا من قبل. وظف محمد ياسين هنا التمثيل والديكور والإضاءة والظلال والموسيقى وبالتأكيد المونتاج المتأثر بالمخرجين البريطاني ألفريد هيتشكوك والأمريكي دي دبليو جريفيث، حيث إيقاع تقطيع اللقطات المتسارع والمتوازي وحتى الصمت والنغمة الموسيقية المكررة، لإنجاح هذا المشهد.
أخيرًا، المخرج هو الشخص الوحيد القادر على إخراج الإبداع من الممثل، فأعظم الممثلين يؤدون أدوارًا لا ترقى لتاريخهم الفني إذا عملوا مع مخرجين ضعاف، في حين أن المخرج الجيد يستطيع أن يُخرج من الممثل متوسط المستوى إبداعًا لم يكن متوقعًا. أخرج محمد ياسين أفضل ما في ممثليه المتميزين في مسلسله "أفراح القبة"؛ درة الدراما التلفزيونية لهذا العام.