
أولاد الشمس.. بابا ماجد رئيسًا ومصر دارًا للأيتام
وأنت تشاهد مسلسل أولاد الشمس قد تستدعي رغمًا عنك فترة حكم مبارك التي امتدت أكثر من 30 سنة، أو أي سلطة أخرى خلقت هذه العلاقة الغريبة من الألفة مع الظلم. وكما أطاحت ثورة 25 يناير بالحكم الأبوي الفاسد، فإن ثورة انطلقت في المسلسل بقيادة ولعة/أحمد مالك ومفتاح/طه دسوقي وتمثلت في مشهد حرق البضاعة/الأدوية التي يُجبر الأطفال على توزيعها.
يقدم المخرج الشاب شادي عبد السلام قصة 4 أصدقاء يعيشون في دار أيتام يواجهون في الداخلِ ظلمَ وظلامَ مديرها، وفي الخارج المجتمع الذي لا يقبلهم.
في ظاهره يتناول المسلسل حياة الأيتام، ويعرض تفاصيل الحياة اليومية في إحدى الدور، كاشفًا عن حكايات أبطاله، وإن غاب عنها الكثير مما يعانيه الأطفال في هذه المؤسسات وما يواجهونه في حياتهم بعد ذلك.
يؤكد صناع العمل رسالتهم بعرض حياة الأيتام من خلال الفيلم التسجيلي القصير الذي عُرض في نهاية الحلقة الأخيرة، وشارك فيه عدد ممن عاشوا بالفعل في دور أيتام لسرد تجاربهم وشهاداتهم، والتحديات التي واجهوها بعد خروجهم من الدار في سن الثامنة عشرة وفق ما تحدده لائحة وزارة التضامن الاجتماعي المنظمة لعمل دور الأيتام.
مصر دارًا للأيتام
لكن تلقي المسلسل لا يتوقف عند هذا المستوى، إنما يمكن أن يتخطاه لآخر محمل بالرموز إن نظرنا إلى دار الأيتام التي تحمل اسم "دار الشمس"؛ هذا القصر الرحب بحديقته الواسعة، باعتبارها مصر أو أي وطن يحكمه مستبد.
عليه سيكون المدير بابا ماجد/محمود حميدة هو الحاكم أو الرئيس الذي يستغل نزلاء الدار، وفي الوقت نفسه هو المسؤول عن رعايتهم وتوفير مكان لإقامتهم وإطعامهم وعلاجهم وكسوتهم وكافة متطلباتهم.
تتكشف رمزية دار الأيتام للوطن أكثر في علاقة الحاكم/بابا ماجد بقطايف المثقف/معتز هشام؛ فهو ابنه وفق مفهوم الأبوية السلطوية لكنه لا يتردد في تسميمه وقتله، لأنه كاد يكشف انحرافات وفساد سلطة القصر. كما لا يتردد الحاكم في حبس وسجن الصحفية تهاني/مريم الجندي التي تجاسرت واقتحمت الدار في محاولة منها للكشف عن أعماله غير المشروعة.
سلوك بابا ماجد السلطوي الاستبدادي هو ذاته سلوك السلطة الديكتاتورية المعادية بطبيعتها للمثقف والإعلامي الحقيقيين المنوط بهما نقل الحقيقة للجماهير، وهو ما تخشاه أي سلطة فاسدة.
إيقاع سريع ولاهث أحيانًا، لا يخلو من تشويق وإثارة في المشاهد الخارجية التي تجري في شوارع القاهرة القديمة ووسط البلد وقصر أبو رحاب في المنيل، وكأنه يؤكد على أهمية التمسك بالتاريخ المتجسد في جمال تلك البنايات.
السيناريو بدوره يتنامى بنمو وعي الأولاد وسقوط قناع الأب/مدير الدار، الذي يخفي حقيقة أن أخاه كان مالكًا ووارثًا للقصر، في إشارة إلى أن حكمه غير شرعي، فمالك القصر الحقيقي والوريث الشرعي المغبون هو الابن الثوري ولعة.
تحمل الأسماء دلالات رمزية فاسم ولعة يشير إلى الثورة
أما مفتاح، أحد أهم أبناء الدار، وصديق ولعة المقرب الذي يسترشد بحكمته وصبره، فهو رمز الوعي الشعبي الفطري القادر على الوصول للحقيقة بإحساسه وتلقائيته. ويرفض، بعد الثورة على بابا ماجد، أن يلوث يديه بقتله، فيحبسه داخل مخزن القصر، غير أنه يتمكن من الهرب بعون من مساعده عبيد/مينا أبو الدهب، ليلقى مفتاح مصير القتل على يده.
للأسماء في العمل دلالتها الرمزية كذلك، إذ يشير اسم ولعة إلى الثورة التي يحمل هو شرارتها ويكتمها بداخله بينما يبحث عن أمه الحقيقية التي حُرم منها، وضد الظلم العام بضياع حقوقه في الحياة الكريمة، بينما صديقه مفتاح الذي يسعى بفطرته للوصول للحقيقة، فيرمز للوعي، ويتناسب اسم عبيد مع كونه المساعد المطيع المستسلم، النقيض الفج لثورية ولعة ومفتاح.
بدورها تحمل العلاقات رمزيتها، ففي مقابل الصداقة الحقيقية بين ولعة ومفتاح، نرى الزيف الذي يربط بابا ماجد بعبيد، إذ يستغل الأب مشاعر عبيد تجاهه لتحقيق أهدافه ومصالحه الشخصية.
لم يخل العمل من شخصيات بدت بدون تاريخ، وبدون دوافع مثل شخصية ياسين/ضياء عبد الخالق، إذ ركز المؤلف مهاب طارق على الشخصيات المحورية، وهي الأب وولعة ومفتاح وعبيد، لتأتي الأدوار الأخرى خفيفة طافية بلا جذور، ليعلو صوت الرمزية على الحكاية.
كما ساعدت قوة عنصر التمثيل في تجاوز السقطات في الحكاية والشخصيات التي لا جذور لها التي زرعها صناع العمل بقصد تحريك الأحداث، فالنجم محمود حميدة في دور بابا ماجد شرير فاسد مؤمن بأن ما يفعله هو الخير، لنكرهه دون أن نرى منه أفعالًا شريرة.
وبينما أدى طه دسوقي شخصية مفتاح بثقة وإحساسٍ، برع مينا أبو الدهب في دور عبيد مساعد الأب وذراعه اليمنى المخدوع في صداقته، ويمكن اعتبار دور ولعة الذي قدمه أحمد مالك ولادة جديدة ناضجة لموهبته.