بعد مفاوضات استغرقت قرابة الشهر، فشل النادي الأهلي في ضم لاعب برازيلي، خلال فترة الانتقالات الصيفية التي سبقت انطلاق الموسم الحالي، ولم يكن ذلك لصعوبة إقناع نادي كواساكي فرونتالي الياباني بالتنازل عن لاعبه، إنما لرفضه تقسيط المبلغ المطلوب ويقدر بـ1.5 مليون دولار، على دفعتين بدلًا من واحدة.
فشل الأهلي، الذي يضم لاعبين يمثلون القيمة السوقية الأكبر في الدوري المصري، في تدبير المبلغ الدولاري المطلوب، ما تسبب في تعثر الصفقة بعد مفاوضات طويلة ومرهقة. إذ واجهت إدارته صعوبة في تدبير مليون دولار على الأقل من البنوك المصرية، ولم يستطيع تكرار أسلوب التقسيط الذي اتبعه في صفقة ضم البرازيلي برونو سافيو الشهر الماضي، من نادي بوليفار البوليفي.
الأهلي ليس الوحيد، إذ لم تبرم الأندية الرياضية المصرية تعاقدات كبيرة على مستوى الصفقات الأجنبية خلال الصيف الماضي، باستثناءات قلية للغاية، لذا لجأت إلى اللاعبين المحليين لتدعيم صفوفها.
هنا نرصد كيف تأثرت الأندية الرياضية المصرية بأزمة قلة التدفقات الدولارية، وغيرها من الأزمات المصاحبة لارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، نتج عنها تغييرًا كبيرًا في خريطة انتقالات اللاعبين.
"الأهلي كغيره من المؤسسات لم يستطع تدبير أرقام كبيرة بالعملة الخضراء في ظل أزمة نقص السيولة الدولارية، كنا نلجأ للتقسيط لتدبير الأموال لكن النادي الياباني طلب فلوسه كاش بالدولار" بحسب مصدر من النادي الأهلي مطلع على الصفقة، شرح للمنصة لنا سبب فشلها.
وتعاني مصر من ضعف التدفقات الدولارية لأسباب عدة، من أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت في مطلع العام الجاري، وزيادة العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك من 182.1 مليار جنيه في يناير/ كانون الثاني إلى 191.5 مليارًا في يوليو/ تموز الماضيين، وهو ما يعكس طبيعة الضغوط التي تقيد قدرة البنوك على توفير العملة الصعبة لعملائها.
ويشير المصدر إلى أن الأهلي أرجأ تعاقداته الخارجية إلى موسم الانتقالات الشتوية، في يناير، لتدعيم صفوفه، أملًا في توفير سيولة دولارية تعزز من حظوظه في إنهاء الصفقات المطلوبة، خصوصًا أن الفريق لا يزال يمتلك مقعدًا شاغرًا في قائمة اللاعبين الأجانب الخمسة الذين يسمح لكل نادي بقيدهم، إلى جانب ثلاثة آخرين تحت السن.
أزمة التدفقات الدولارية طالت الكثير من المؤسسات الرياضية، بما فيها الأندية ذات القيمة السوقية العالية كالزمالك، الذي لم يفوت فرصة تدعيم صفوفه بالأجانب الخمسة، ولكن صفقاته الجديدة كصفقة السنغالي إبراهيما نداي الذي لم يتجاوز عقده الـ 800 ألف دولار، كانت بمقابل مادي أقل مما كان ينفقه في عقود لاعبين سابقين رحلوا عنه مثل التونسيين فرجاني ساسي وحمدي النقاز.
تتجلى أزمة السيولة الدولارية في فشل محاولات الزمالك للإبقاء على اللاعب المغربي أشرف بن شرقي، بنفس المقابل المادي، لينتقل هذا الصيف إلى الدوري الإماراتي، حسبما يوضح الناقد الرياضي أمير نبيل.
يشير نبيل القريب من مطبخ إدارة النادي الأبيض، في حديثه إلى المنصة، إلى أن الزمالك، رغم إنفاقه مبالغ تبدو كبيرة في بعض الصفقات، نجح في تقليص القيمة الإجمالية من خلال تعاقدات أقل، من بينها المغربي زكريا الوردي القادم من الرجاء المغربي في صفقة انتقال حر، أي أن اللاعب لم يكلف خزينة الزمالك ولا يحصل سوى على راتبه فقط، الذي لا يتخطى 400 ألف دولار سنويًا.
كذلك، حاول الزمالك استغلال إمكانياته في حدود المتاح بتسديد قيمة صفقة البنيني سامسون أكينولا، لصالح ناديه الفنزويلي كاراكاس، بنظام الأقساط، الأمر الذي يخفف الأعباء المالية نسبيًا.
ونوادي رجال الأعمال أيضًا
بيراميدز، المملوك لرجل الأعمال الإماراتي سالم الشمسي، الذي اعتاد مناطحة القطبين الكبار في الميركاتو الصيفي أملًا في انتداب لاعبين يساعدونه في جلب البطولة الأولى لخزائن الفريق حديث العهد، اتجه هو الآخر لتقليص مغامراته مع اللاعبين الأجانب، ولم يتعاقد إلا مع واحد فقط، هو المغربي محمد الشيبي مدافع الجيش الملكي المغربي، بقيمة 400 ألف دولار.
إلى جانب ذلك، دفع النادي 200 ألف دولار لاستعارة المصري مصطفى فتحي من التعاون السعودي، ما يعني أن النادي أنفق 600 ألف دولار فقط، وآثر الاعتماد على قوامه القديم من الأجانب، رغم اعتياده إنفاق ملايين الدولارات سنويًا منذ تغيير اسمه من الأسيوطي.
وعلى خطى بيراميدز سار سيراميكا كليوباترا، المملوك لرجل الأعمال محمد أبو العينين، إذ لم يتعاقد إلا على صفقتين أجنبيتين هذا العام، ومن داخل الدوري المصري، هما جون إيبوكا وجاستن آرثر، الأول من إنبي والأخير من منتخب السويس، من أصل 16 صفقة انتدبها النادي في الانتقالات الصيفية، فيما استغنى عن أجنبيين آخرين هما فيكتوريا بينجيانا، الذي انتقل لجنك البلجيكي، وجوزيف أتولي الذي رحل إلى إنبي.
بدا لافتًا اعتماد أندية وسط الجدول على تدوير اللاعبين فيما بينها لتجنب انتداب صفقات أجنبية ملكلفة، حيث استقدم سيراميكا كيلوباترا جون إيبوكا من إنبي، رغم ارتباط اسمه بقطبي الكرة المصرية طوال العام الأخير، في صفقة قُدرت بـ15 مليون جنيه، شاملة انتقال لاعبَين من سيراميكا إلى إنبي هما أحمد أمين أوفا وجوزيف أتولي.
يطلق الناقد أمير نبيل على هذه الطريقة اسم "الصفقة الأجنبية المحلية"، التي تكررت مرات عدّة خلال العام الجاري، وتعاقد الاتحاد السكندري مع النيجيري أوستن أموتو، من المصري البورسعيدي، كذا سموحة الذي ضم الغاني بنجامين بواتينج من جاره الاتحاد السكندري.
من الملحوظ أيضًا أن الأندية أعادت تدوير اللاعبين الأجانب الذين حملوا قمصان أندية مصرية في وقت سابق، رغم خفوت بريق كثيرين منهم، لتوفير النفقات.
يشرح نبيل أن بعض العائدين للدوري المصري ليسوا بالغرباء عن الأندية، من بينهم لعب الأهلي السابق، النيجيري جونيور أجايي المنتقل لسموحة من النصر السعودي، والتونسي حمدي النقاز لاعب الإسماعيلي الحالي والزمالك السابق، والجابوني ماليك إيفونا لاعب أسوان الحالي، الذي سبق أن لعب للأهلي في 2016.
غالبية هذه الصفقات كانت تعاقدات حرة، وهو الأمر الذي يكشف رغبة الأندية في وضع سقف لتعاقدات أجنبية تتوافق مع الإمكانيات، وتواكب الحالة الاقتصادية العامة في ظل أزمة الدولار.
"متغيرات سوق الكرة والأسعار تفرض عليك التماهي وضبط ميزانيتك بما يحقق مصلحتك من بيع وشراء اللاعبين المناسبين لك" كما شرح للمنصة رئيس مجلس إدارة نادي إنبي أيمن الشريعي، الممثل الوحيد لشركات البترول بالدوري الممتاز، عن سياسته في سوق الانتقالات الصيفية.
مع التصاعد المستمر في قيمة الدولار مقابل الجنيه، عمدت الكثير من الأندية إلى دفع رواتب لاعبيها الأجانب بالجنيه المصري
إنبي كان من أكثر الأندية نشاطًا على مستوى ميركاتو 2022، إذ عقد 18 صفقة انتقال من بينهم 5 أجانب، انتدبهم جميعًا من السوق المحلي باستثناء الصربى ديجان ميليج القادم من نادي بوراتس بانيا، فيما استغنى النادي عن 12 لاعبًا، رحل بعضهم في صفقات تبادلية مثل النيجيري جون إيبوكا.
يشرح الشريعي أن النادي اعتمد على السوق المحلي لتلبية احتياجاته بما فيه اللاعبين الأجانب، بل إنه تعاقد مع شركات محلية لتوريد الملابس الخاصة بالفريق، أملًا في تقليل النفقات في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه القطاعات جميعها.
مرتبات اللاعبين بـ "المصري"
مع التصاعد المستمر في قيمة الدولار مقابل الجنيه، عمدت الكثير من الأندية إلى دفع رواتب لاعبيها الأجانب بالجنيه المصري لتفادي أزمة نقص السيولة الدولارية، حسبما يوضح وكيل عدد من اللاعبين المصريين والأجانب الناشطين بالدوري المحلي أحمد بحراوي.
تحويل الرواتب بالعملة المصرية بدلًا من الدولار كان سببًا مباشرًا في فشل الإسماعيلي في التعاقد مع مدرب أجانب خلال فترة الانتقالات الصيفية، وكاد أيضًا أن يتسبب في تعثر اتفاقه مع الإسباني كارلوس جاريدو المدير الفني الحالي للنادي، وفقًا لبحراوي.
بحراوي تحدث للمنصة أيضًا عن أزمة يواجهها جاريدو مع الدراويش لتحويل راتبه بالمصري بقيمة أقل من نظيرها بالعملة الصعبة، وهو ما دفع المدرب إلى مطالبته الإدارة بتحمل فارق التحويل.
كذلك، يشير وكيل اللاعبين إلى أن تغيير سعر الصرف تسبب في عرقلة بعض الصفقات خلال الموسم، موضحًا أن نادي الإنتاج الحربي الذي يلعب بالدرجة الثانية تراجع عن التعاقد مع مهاجم منتخب إفريقيا الوسطى كارل نامنجاندا، بعدما معه الاتفاق على 35 ألف دولار في الموسم الواحد، لأنه عندما حان موعد توقيع العقد كان الدولار قد ارتفع ما رفع من قيمة الراتب المتفق عليه بحوالي 30%.
ويقول بحراوي إن معظم الأندية المصرية تبنت سياسات مشابهة في إدارة أزمة نقص السيولة الدولارية وارتفاع سعر الدولار، سواء بالاعتماد على لاعبين أقل جودة أو بجلب لاعبين سبق لهم تمثيل أندية في الدوري الممتاز، فيما آثرت أندية أخرى عدم التعاقد مع مدربين أجانب حتى لا تتكبد ميزانياتهم مزيدًا من الأموال مثل إنبي الذي تخلص من مديره الفني البرتغالي جورفان فييرا مقابل التعاقد مع المصري أحمد كشري لتولي قيادة الفريق.
يكاد يكون النادي المصري البورسعيدي الاستثناء الوحيد في قاعدة التعاقدات الدولارية العام الجاري، بعد وصول رجل الأعمال كامل أبو علي لرئاسته، وتمكن من ضم 4 أجانب جدد من أصل 10 صفقات أبرمها النادي الساحلي، هم النيجيري أنتوني أكبوتو من قطر القطري، والجزائرييّن عماد الدين بوبكر قادمًا من الوداد المغربي، وعبد الرحيم دغموم من وفاق سطيف، إلى جانب الكاميروني فرانك إيتوجا مهاجم أشانتي كوتوكو، والأخير تحديدًا انتدبه النادي مقابل 400 ألف دولار.
أزمة التدفقات الدولارية تؤثر بنسب مختلفة في الأندية المصرية، وخصوصًا الجماهيرية منها، في وقت بلغت المنافسة المحلية أشدها في السنوات الأخيرة مع ظهور قوى جديدة مثل بيراميدز وفيوتشر وسيراميكا كيلوباترا تسعى لإنهاء احتكار الأهلي والزمالك لمنصات التتويج.