شارك النادي الإسماعيلي في كأس الأندية البطلة الذي أصبح اسمه اليوم دوري أبطال إفريقيا خمسَ مرات متتالية، فاز بالأولى ثم لم يكررها. لكن ما يهمنا في هذه المشاركات أنها كانت مغلفة بالأسطرة.
وقتها اعتمد المعلم عثمان على الكاتب الصحفي نجيب المستكاوي ليصبح الواجهة الإعلامية للفريق عمومًا، ولمشاركاته الخارجية بالذات، التي تباينت بين جولاته العربية والبطولة الإفريقية. وكان هناك فارق كبير بين الصورة العربية والصورة القارية.
عربيًا، كانت مشاركات الدراويش تجري في أجواء احتفالية استعراضية، ترحيب كبير في البلدان التي يزورها، ومباريات تحقق دخلًا عاليًا خُصص للمجهود الحربي، لقاءات ودية كانوا يسمونها "حِبِّية" تغلفها المتعة. أما إفريقيا فقد أطلق المستكاوي على الدروايش فيها لقب "طرزان".
ألقاب المستكاوي لم تكن عابرة، فمن ناحية كان الوسط الرياضي كله ينتظر ألقابه على اللاعبين والأندية والمباريات، حتى إن البعض كان يطلب منه أن يمنحه لقبًا، لأن ألقاب المستكاوي تصبح لصيقةً بمن تُمنح له. ومن ناحية أخرى كان المستكاوي معروفًا كمثقف رفيع المستوى بعيدًا عن الكرة، بالتالي لم تكن ألقابه مجانية أو سطحية، فعندما يمنحك لقبًا فهو بالتأكيد لم يأتِ من فراغ من وجهة غالبية الجمهور وقتها، وإنما لا بد أن لهذا اللقب معنىً عميقًا.
كانت الصورة الذهنية لشخصية طرزان تلك مرتبطة بمغامرات الرجل العصري عندما يجد نفسه في الأدغال بين حيواناتها. ورغم أن المستكاوي لم يكن يستفيض في ذكر تشابه الشخصية التي استدعاها بمشاركات الإسماعيلي، لكن ذلك كان واضحًا من التفاصيل التي كان يذكرها، خصوصًا من معاناة الفريق في الإقامة والعلاقة مع الجماهير هناك خارج الملعب.
ربما يجدر هنا أن نشير إلى أن شخصية طرزان كانت وقتها مثار جدلٍ كبير، ففضلًا عن شهرتها، كانت تُستدعى على أصعدة كثيرة، بعضها يتعلق بالصراع مع إسرائيل، ومن الجانبين، ولا يمكن تجاهل زخم الشخصية في المجال العام عند استخدامها في سياق يبدو خاصًا.
كانت خلاصة تجربة المحلة والاتحاد في المنافسات الإفريقية الإحساس بعدم جدوى تلك المشاركات
على أي حال، بعد السنوات الخمس لم يعد الإسماعيلي للمشاركة، فقد عاد الدوري المصري الممتاز، وبعد نسخة غير مكتملة بسبب الشغب موسم 1971/ 1972، تمت نسخة 1972/ 1973 قبل الحرب، وفاز بها غزل المحلة، فاستحقَّ المشاركة الإفريقية، وبدا الحماس على مسؤوليه لتلك المنافسة التي أسطرها الإسماعيلي.
بلغ حرص غزل المحلة على المنافسة بقوة في البطولة درجة أنه اعتذر عن عدم استكمال "دوري أكتوبر" من أجل القارة السمراء. ودوري أكتوبر، أعزك الله، هو بطولة منسية تستحق كلامًا مستقلًا. ما يعنينا هنا، هو أنها لم تكن بطولةً وديةً، بل عوملت معاملة الدوري العام المصري ذاته، ليصبح غزل المحلة وكأنه اعتذر عن الدوري المحلي لينافس قاريًا.
نسختان شارك فيهما غزل المحلة. وفي النسخة الثانية، استحدث الاتحاد الإفريقي بطولة جديدة هي كأس الكؤوس الإفريقية ليشارك فيها الاتحاد السكندري، فأصبح لمصر ممثلان في "الأدغال"، ولكن النتيجة عقب هاتين النسختين كانت مروعة.
لكن قبل أن نذهب إلى النتائج، قد يسأل القارئ: أين الأهلي والزمالك من هذا؟ تحدثنا عن الترسانة والأوليمبي والإسماعيلي وغزل المحلة والاتحاد السكندري، لكن أين القطبان؟
الواقع أن الأهلي والزمالك كانا حتى الآن معفيين من السؤال، فالمشاركة مرتبطة بتحقيق الألقاب المحلية، خصوصًا الدوري الغائب عن القطبين منذ 1965، آخر نسخة فاز بها الزمالك، أما الأهلي فلم يحصد اللقب منذ 1963، سواء قبل سنوات التجميد أو بعدها.
غياب القطبين، خصوصًا الأهلي، جعلهما بعيدَين عن تكوين رؤية بشأن تلك المنافسات، فكان الأمر يتوقف على من أتيحت له التجربة. حرص الإسماعيلي على مشاركة يُصوِّرها كمغامرة طرزانية، مؤكدًا صعوبتها دون طرح فكرة التخلي عنها، لكن هذا لم يكن موقف غزل المحلة والاتحاد السكندري، وخصوصًا الأول.
كانت خلاصة تجربة الفلاحين في نسختين، وسيد البلد في نسخة، تصدير إحساس اللا جدوى من تلك المشاركات والمنافسات القارية، رغم وصول الفريقين لنقاط بعيدة في البطولات، حتى إن غزل المحلة لعب نهائي 1974. لكن بالفعل كانت الأمور تجري في سياقات لا معقولة.
مثلًا، فاز الاتحاد السكندري في ربع نهائي البطولة على نادي تونير ياوندي الكاميروني برباعية نظيفة هنا في مصر، ورباعية الذهاب النظيفة، كما هو معلوم، لا تُردُّ في الإياب إلا نادرًا، وساعتها يكون حدثًا كبيرًا. أما في الغالبية الكاسحة لنتائج الذهاب المماثلة، تعني أن لقاء الإياب سيكون تحصيل حاصل.
لكن ما حدث أن مباراة العودة لم تكتمل، فبعد أن أحرز صاحب الأرض الكاميروني ثلاثة أهداف، وبقي له واحد، تحول الملعب إلى ساحة اعتداء؛ الجميع من لاعبين وجمهور ومسؤولي أمن كانوا يعتدون على لاعبي الاتحاد حتى لم يعد بمقدورهم استكمال اللقاء، ليقرر الكاف اعتبار النادي المصري منسحبًا وبالتالي مهزومًا!
ربما لم يلقَ غزل المحلة مستوىً مماثلًا من "الجنون"، فما حدث مع الاتحاد يفوق شغب الملاعب الاعتيادي، لكنه أيضًا لم ينجُ تمامًا، من ثم كانت المحصلة من مشاركات غزل المحلة والاتحاد هو رسالة تحذير للأندية المصرية من تلك البطولات.
لكن عندما جاء عام 1975، وفاز الأهلي بالدوري العام، والزمالك بالكأس، أصبح القطبان مطالبين بالإجابة. غير أن المطلوب لم يكن إجابة وقتية، فالبطولات الإفريقية تنطلق بعد سنة، بالتالي لم تظهر الإجابة في حينها. لكن دخول الأهلي كان يعني مرحلة جديدة في النظر لتلك البطولات.
وهذا أمر له حديث مستقل إن كان في العمر بقية.