يستمر اليوم طلاب جامعة الخرطوم في مظاهراتهم التي تشهدها الجامعة منذ السابع من إبريل/نيسان الجاري، رفضًا لإخلاء الجامعة الواقعة في مركز العاصمة السودانية، ونقل كلياتها إلى منطقة سوبا شرق الخرطوم.
وشهدت المظاهرات داخل حرم الجامعة أمس الاثنين عنفًا من جانب قوات الأمن التي حاصرت الجامعة منذ وقت مبكر من صباح أمس، لمواجهة مظاهرات الطلاب المعترضين على قرار الإخلاء الصادر الأسبوع الماضي، خلال اجتماع بين حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية السودانية، وسمية أبو كشوة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، ومدير الجامعة.
وسرت بين الطلاب شائعة حول نية حكومة الرئيس السوداني عمر البشير بيع أرض ومباني الجامعة الأثرية لبعض المستثمرين العرب. خاصة بعد قيام الحكومة بتصفية وبيع العديد من الأصول والأراضي والمباني، وأهمها مستشفى الخرطوم التعليمي، وهو أكبر مستشفيات البلاد وأفضلها تجهيزًا، فضلاً عن كونه المستشفى التعليمي الوحيد المعنى بتدريب الأطباء في السودان.
ومع حصار قوات الأمن السودانية لمباني الجامعة أمس الإثنين؛ نظم طلاب بالجامعة مسيرات ومظاهرات داخل الحرم الجامعي لرفض ما قالوا أنه نية الحكومة لبيع الجامعة العريقة التي يعود تاريخ إنشائها إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1902، وهي أقدم من جامعة القاهرة بأربع سنوات.
وواجهت قوات الأمن المظاهرات السلمية للطلاب باقتحام الحرم الجامعي، وإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، مما أدى لإصابة عشرات الطلاب، الذين ردوا بإعادة إلقاء قنابل الغاز باتجاه قوات الدعم السريع (مكافحة الشغب). وأطلق طلاب الجامعة واتحاد خريجيها حملة لجمع التوقيعات، لمطالبة منظمة اليونسكو بضم مباني الجامعة إلى قائمتها للتراث العالمي، باعتبارها أقدم جامعة أهلية في شمال ووسط وإفريقيا، "لحمايتها من الهدم أو البيع على يد النظام الحاكم".
وأصدرت حركة التغيير الآن، وهي واحدة من أهم حركات التغيير الشابة في السودان بيانًا صباح اليوم تندد فيه ببيع "ممتلكاتن الشعب السوداني"، مستشهدة بقيام حكومة الرئيس عمر البشير بتصفية الخطوط البحرية السودانية، وإغلاق مستشفى الخرطوم تمهيدًا لبيع أراضيه ونزع أراضي مواطني منطقة الجريف وبيعها لمستثمرين.
جامعة المعارضة
ويأتي الجدل حول إخلاء جامعة الخرطوم التي تقع في شارع النيل، وهو أهم شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، في الوقت الذي تشهد فيه الجامعة الأكبر في السودان، وغيرها من جامعات البلاد مظاهرات مستمرة لرفض الاستفتاء الذي تنظمه حكومة الإنقاذ الوطني في إقليم دارفور، الذي يشهد مذابح إثنية تقوم بها قوات موالية للبشير منذ عام 2003، تسببت في مقتل أكثر من 400 ألف شخص، وتشريد مايزيد عن مليونين ونصف مليون شخص آخر.
ويواجه الاستفتاء الذي بدأ أمس الإثنين ويستمر من ثلاثة إلى خمسة أيام في الإقليم، بمعارضة واسعة داخل السودان وخارجها. حيث يستفتى سكان دارفور على بقائها كإقليم موحد، أو تقسيمها إلى خمس أقاليم. وترى المعارضة السودانية والمهتمون بوقف المذابح الإثنية في السودان؛ أن تقسيم الإقليم سيمنح النظام الحاكم سيطرة أكبر على دارفور، ويقوِّض عملية السلام التي ترعاها قطر لوقف المذابح الجارية في القليم والتي تسبب في صدور مذكرتي توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير الذي يرعى ميليشيات الجنجويد، باعتباره مسؤول عن جرائم ضد الأنسانية يشهدها الإقليم. وترتبط قطر الراعية لمباحثات السلام السودانية بعلاقات وثيقة مع نظام البشير.
وأعلنت العديد من الحركات المسلحة والقوى السياسية المعارضة في السودان وفي إقليم دارفور، مقاطعتها للاستفتاء الذي سيجري داخل الإقليم، الذي عاني من نزوح معظم سكانه، جراء عمليات القتل والاغتصاب التي تمارسها ميليشيات الجنجويد المدعومة من النظام الحاكم.
وتعد جامعة الخرطوم الواقعة في منطقة مراكز الحكم في العاصمة السودانية، واحدة من الجامعات التي انطلقت منها مظاهرات رافضة للاستفتاء. كما تخرج منها باستمرار المظاهرات الرافضة لاستمرار عمر البشير وحكومة الإنقاذ في قيادة البلاد. وقامت قوات الأمن السودانية بالقبض على عشرات الطلاب من الجامعة، وجامعات أخرى منذ اندلعت المظاهرات الرافضة للاستفتاء، الذي تظن قوى سياسية محلية، ودولية أنه سيجري التلاعب بنتائجه للوصل إلى نتيجة مرضية للنظام الحاكم.
واعتبر خريجو الجامعة وعدد من القوى السياسية المعارضة أن -ما فسروه بكونه- قرار من الحكومة بالتخلص من الجامعة، ونقل طلابها إلى خارج قلب العاصمة؛ هو محاولة للخلاص من المظاهرات الدائمة التي يقوم بها طلاب وأساتذة الجامعة لمعارضة السلطة الحاكمة. خاصة وأن جامعة الخرطوم شهدت شرارة انتفاضة 6 إبريل 1985، التي انتهت للإطاحة بالرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري من الحكم. كمان أن طالباتها أشعلن انتفاضة 2012 التي تعد من أوسع الانتفاضات ضد حكم الرئيس السوداني عمر البشير، والتي كادت أن تطيح به بالفعل.
ونسبت وسائل إعلام موالية لحكومة الإنقاذ تنظيم المظاهرات؛ إلى طلاب يتصلون بحركات التمرد المسلحة. واتهمتهم بإشاعة الفوضى وترويج شائعات كاذبة حول نية الدولة بيع الجامعة. بينما أصدرت إدارة الجامعة بيانًا، رفضت فيه تصريحات وزير السياحة السوداني التي قال فيها: إن وزارته ستضع يدها على أراضي ومباني الجامعة لتحويلها لمزار أثري.
وأصدر مؤتمر خريجي جامعة الخرطوم ( اتحاد الخريجين) أمس، بيانًا باسم "رسالة مفتوحة إلى الشعب السوداني". وجاء في نص البيان: "سربت أجهزة الإعلام المملوكة للدولة خبرًا عن ترحيل جامعة الخرطوم إلى سوبا، وبيع أراضيها". وأوضح البيان أن المسؤولون ساقوا تبريرات واهية للقرار الذي "جرى تسريبه عمدًا لقياس الرأي العام قبل مباشرة عملية البيع" .
وأضاف البيان أن الجامعة الأهلية الأولى في السودان والعالم العربي عانت من محاولات مستمرة لتدميرها منذ 27 عامًا عانت خلالها من التعريب العشوائي ( كانت الإنجليزية هي لغة التعليم في الجامعة حتى عام 1992)، ومصادرة الداخليات والنشاط الطلابي واعتقال واغتيال الطلاب والخريجين المتميزين، وتشريد الأساتذة الأكفاء ممن لم يخضعوا لسلطة حكومة الإنقاذ التي يترأسها الرئيس السوداني عمر البشير منذ استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989.
ودعا البيان الشعب السوداني للانتفاض من أجل إنقاذ الجامعة التي قد تطالها "يد التدمير التي دمرت خط هيثرو للطيران السوداني، وسكك حديد السودان ومشروع الجزيرة وغيرها من الثروات والمشاريع القومية السودانية التي انتهت على يد حكومة الإنقاذ في الأعوام الثلاثين الأخيرة.